الخميس، 04 سبتمبر 2025

03:08 م

الاستدامة على المحك.. كيف تعيد الحوكمة البيئية والاجتماعية رسم مستقبل المؤسسات؟

الخميس، 04 سبتمبر 2025 12:57 م

الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية ESG

الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية ESG

في السنوات القليلة الماضية، تحولت الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية ESG إلى أحد أبرز اتجاهات قطاع الأعمال العالمي، وقد بدا أن الشركات الكبرى قد عقدت العزم على تغيير قواعد اللعبة. 

الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية ESG

فكل شركة كبرى تقريبًا صاغت استراتيجية للاستدامة، وبدأت فرق متخصصة بإعداد تقارير متقدمة في هذا الشأن، وشارك التنفيذيون في قمم المناخ، ووافق أعضاء مجالس الإدارة على أهداف طموحة نحو الحياد الكربوني، وبدا المشهد آنذاك وكأنه بداية لتحول لا رجعة فيه نحو نموذج اقتصادي جديد أكثر أخلاقية واستدامة.

تغير المزاج العالمي مع حلول 2025

لكن مع مرور الوقت ووصولنا إلى عام 2025، بدأ هذا المسار يتعثر تحت وطأة ضغوط متنوعة، فالمشهد الذي كان يبدو مستقرًا بدأ يتعرض لاهتزازات متسارعة. 

أصبحت الحوكمة البيئية والاجتماعية اليوم موضوعًا مثيرًا للجدل، وأصبحت ممارستها محفوفة بمخاطر سياسية في عدد من الأسواق، خصوصًا الولايات المتحدة. 

بدأت شركات كثيرة بإعادة النظر في التزاماتها، بل إن بعضها أزال المصطلح من تقاريرها أو غير هويته المؤسسية بالكامل لتفادي الاصطدام مع الواقع الجديد، وتحول المشهد من حالة من الحماس الجماعي إلى حالة من الحذر والانسحاب، وكأن ما كان بالأمس التزامًا صار اليوم عبئًا.

التراجع لا يخفي التحديات البيئية الحقيقية

رغم أن الخطاب العام حول الحوكمة البيئية والاجتماعية قد شهد تراجعًا، إلا أن القضايا البيئية نفسها لم تختفي، الكوارث الطبيعية تزداد حدة وانتشارًا، من الفيضانات وحرائق الغابات إلى موجات الجفاف وتقلب الطقس. 

ولا تزال التحديات قائمة، والأسئلة الصعبة تطرح من المستثمرين والمستهلكين على حد سواء، لكن المعضلة الحقيقية أصبحت في كيفية التعامل مع هذه القضايا في ظل تحول سياسي وإعلامي واضح ضد الأجندة البيئية، الأمر الذي أفرز نوعًا من التوتر الداخلي في الشركات بين ما تمارسه في الخفاء وما تصرح به علنًا.

الحوكمة البيئية 

تناقضات داخلية وفجوة في التواصل المؤسسي

التراجع الظاهري عن مبادئ الاستدامة لا يعني أن العمل توقف، كثير من الشركات تواصل الاستثمار في فرق الاستدامة، وتواصل مشاريعها طويلة الأجل، لكنها أصبحت أقل استعدادًا للإفصاح عن هذه الجهود في العلن. 

هذا التنافر المؤسسي خلق فجوة واضحة بين الممارسات الداخلية والتواصل الخارجي، والسبب يعود إلى الخوف من ردود فعل سلبية، سواء من الجمهور المحافظ سياسيًا أو من الأطراف الفاعلة في قطاعات الطاقة التقليدية، التي تنظر إلى مبادرات ESG على أنها تهديد مباشر لمصالحها.

اقرأ أيضًا:

التمويل الأخضر في مفترق طرق، معايير الاستدامة الأوروبية تهدد استثمارات الطاقة في الدول النامية

التراجع يفضح هشاشة الالتزامات السابقة

ما نعيشه اليوم يكشف أن كثيرًا من الالتزامات البيئية والاجتماعية التي أعلنتها الشركات في السنوات الماضية لم تكن مبنية على قناعة راسخة، بل كانت استجابة للضغوط المؤقتة أو للموضة السائدة حينها. 

بعض الشركات تبنت هذه الأجندة لمجرد تحسين صورتها الإعلامية، أو للاستفادة من تدفقات الاستثمار الأخضر، ومع تغير الاتجاهات، انسحبت هذه الشركات بنفس السرعة التي دخلت بها. 

أما الشركات التي دمجت هذه المبادئ ضمن نماذج أعمالها الحقيقية، فلا تزال ثابتة على موقفها، رغم كل التحديات، وتدرك هذه الشركات أن الاستدامة ليست مجرد واجب أخلاقي، بل خيار استراتيجي طويل الأمد.

الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية ESG

أزمة في لغة الخطاب وغياب الشمولية

من بين العوامل التي ساهمت في تراجع التأييد الشعبي لمفاهيم الاستدامة هو فشل الخطاب البيئي في الوصول إلى فئات واسعة من الجمهور. 

لقد تحول الحديث عن الحوكمة البيئية والاجتماعية إلى خطاب تقني نخبوي، مليء بالمصطلحات الأكاديمية مثل انبعاثات النطاق الثالث والحياد الصفري بحلول 2050، وهو خطاب لا يعني شيئًا للعاملين العاديين أو أصحاب الشركات الصغيرة أو حتى للمستهلكين العاديين. 

هذا التجريد أفقد الفكرة زخمها، وسهل على المعارضين تصويرها على انها مؤامرة نخبوية، أو تهديد للوظائف، أو عبء على الاقتصاد الوطني.

اقرأ أيضًا:

وسط التقلبات السياسية والتهديدات المحتملة.. ما الذي ينتظر برامج الاستدامة في المستقبل؟

قوة الخطاب المعارض وضعف الرد المقابل

على الطرف الآخر، تصرفت القوى المعارضة بذكاء واستباقية، وأعادت هذه الأطراف تعريف مفهوم ESG على أنه مشروع سياسي دخيل، ووسيلة للهيمنة الثقافية والاقتصادية. 

ونجحت في إيصال خطابها بشكل عاطفي وواسع الانتشار، بينما بقي المدافعون عن الحوكمة البيئية والاجتماعية متمسكين بلغة الامتثال والتقارير التقنية. 

غابت التحالفات الاجتماعية القوية، وغابت جهود الشرح والتبسيط، فكان من الطبيعي أن تتغلب الحملات المضادة على الحملات التوعوية.

الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية ESG

من التسويق إلى الرؤية الاستراتيجية

التحول المطلوب اليوم لا يكمن في مزيد من التصريحات أو في الدفاع عن مفاهيم قديمة، بل في إعادة تعريف النجاح نفسه داخل الشركات. 

يجب ألا تعامل الاستدامة كأداة تسويقية، بل كرؤية استراتيجية تساعد الشركات على التكيف مع التغيرات المستقبلية، وتجنب المخاطر، وتعزيز الكفاءة والابتكار. 

هذا يتطلب ربط الاستدامة بالنتائج العملية، مثل تحسين الأداء المالي، وتعزيز القيمة السوقية، وجذب الكفاءات، وتحقيق ميزة تنافسية مستدامة.

اقرأ أيضًا:

الاقتصاد الأخضر نقلة نوعية للصناعة المصرية نحو الاستدامة

قيادة صامتة في زمن التحدي

تحتاج المرحلة الحالية إلى نوع جديد من القيادة المؤسسية، والتصريحات وحدها لم تعد كافية، بل يجب أن يتحلى القادة بالشجاعة الكافية للوقوف على المبادئ رغم الضغوط، لكن الواقع يكشف أن معظم القادة يريدون الاستدامة دون أن يدفعوا ثمنها. 

قليلون فقط هم من لديهم الاستعداد لتحمل التبعات السياسية أو المهنية المترتبة على اتخاذ موقف صريح، وهذا ما يجعل المرحلة الحالية كاشفة للنيات الحقيقية، ومحددة لمن سيتجاوز الأزمة ومن سيسقط عند أول اختبار.

بعد العاصفة.. من سيتبقى؟

رغم كل هذا التراجع، فإن فترة الانتقادات الحالية لن تستمر إلى الأبد، لكن عندما تنقشع هذه العاصفة، ستتضح صورة الشركات الحقيقية. 

فالشركات التي تراجعت أو التزمت الصمت ربما لن تصمد طويلاً، أما تلك التي استثمرت هذه المرحلة لتثبيت استراتيجياتها، وإعادة بناء الثقة مع الأطراف المختلفة، فهي التي ستخرج أقوى وأكثر جاهزية للمستقبل.

الحوكمة البيئية

سؤال المرحلة.. إلى أين نتجه بعد تراجع الاهتمام؟

السؤال الحقيقي لا يتعلق بوجود الهجوم على الحوكمة البيئية والاجتماعية، بل بكيفية تعامل الشركات مع هذه الفترة الانتقالية. 

هل ستتكيف دون أن تتنازل عن مبادئها؟ هل ستجد سبيلاً لإعادة بناء الثقة مع أصحاب المصلحة من خارج دوائر الإدارة؟ وهل ستنجح في تحويل هذه المبادئ إلى جزء جوهري من نموذج أعمالها، حتى عندما يخف الزخم الإعلامي والتأييد السياسي؟

ربما يكون التحدي الأصعب هو الحفاظ على المسار وسط كل هذا التشويش، لكن المستقبل سيكون حتمًا لأولئك الذين يرون في الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية أكثر من مجرد موضة عابرة، بل أساسًا لنجاح طويل الأمد واستقرار اقتصادي حقيقي.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search