-
البنك المركزي: ضوابط جديدة لشركات الصرافة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب
-
9 مليارات جنيه أرباح مؤشرات البورصة في بداية تعاملات جلسة منتصف الأسبوع
-
سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في بداية تعاملات اليوم الثلاثاء بالبنوك
-
استثمار بالمليارات وصادرات ضعيفة، كيف تحولت صناعة الورق لإنتاج محلي يعتمد على الاستيراد؟
في بيتنا هاتف
الأحد، 31 أغسطس 2025 12:00 م

دكتور محمد عسكر إستشارى نظم المعلومات والأمن السيبرانى
دكتور محمد عسكر
في بيتنا هاتف، يا سادة، ويا للعجب! فهو ليس هاتفاً عادياً، بل هو كائنٌ حيٌّ، يتنفس، يتكلم، بل ويحكم البيت بقوانينه الخاصة، إنه ليس مجرد جهازٍ معدنيٍّ يرنّ عندما يشاء، بل إنه هو سيد الموقف، ديكتاتور العصر الحديث، ومصدر كل الهموم والنعم في آنٍ واحد، دعوني أروي لكم حكاية هذا الهاتف الذي قلب حياتنا رأساً على عقب.
ضيفاً خجولاً إشتريناه ببضعة آلاف من الجنيهات
في البداية، كان الهاتف ضيفاً خجولاً، إشتريناه ببضعة آلاف من الجنيهات، ظننا أنه سيخدمُنا، لكنه سرعان ما أثبت أنه السيد ونحن العبيد، أمي، تلك السيدة التي كانت تتحكم بمطبخها كما يتحكم قائدٌ عسكريٌّ بجيشه، أصبحت أسيرة لوصفات الطبخ على “اليوتيوب”، كل يوم، نراها جالسة أمام الشاشة، تتأمل طبقاً جديداً للكيك، وكأنها تكتشف سراً من أسرار الحياة، سيدة المطبخ التي كانت تُعدّ لنا أشهى المأكولات من ذاكرتها، أصبحت اليوم رهينة لتطبيقات الطبخ، كل صباح، تجلس أمام الهاتف، تتصفح "التيك توك" بحثاً عن وصفة جديدة للمكرونة بالبشاميل، ثم ترفع رأسها لتقول "الوصفة دي بتقول لازم نضيف القرنفل!" تقولها بجديةٍ وكأنها تقرأ وصية لنيوتن أوتزيح الستار عن قانون فيزيائي جديد لم يكتشفه بعد أينشتاين، لكن الهاتف الغدّار، ذلك المخادع الماكر، لا يتركها تكمل ويقرر فجأة أن يعرض إعلاناً عن شامبو ضد القشرة في منتصف الفيديو، فتحترق المكرونة، ونعود كالعادة إلى "ساندويتشات الجبنة" التي باتت طبقنا اليومى.
تخلى عن ورقه المفضل لصالح الهاتف
أما أبي ذلك الرجل الهادئ الذي كان يبدأ صباحه كل يوم بالجريدة وكوب الشاي ، فقد تخلى عن ورقه المفضل لصالح الهاتف، ووجد فيه خلاصه من صخب وضجيح هذا العالم، كان يظن أن "واتساب" مجرد وسيلة للتواصل مع أصدقائه القدامى، لكنه الآن أصبح عضواً فاعلاً في ثلاثين مجموعة، منها "أصدقاء الحارة" و"عشاق الشاي بالنعناع" و"محبي الأخبار المزيفة"، يقضي ساعات يناقش فيها أموراً لا تهم أحداً، مثل "هل الطماطم فاكهة أم خضار؟"، ويصرّ على أن رأيه هو الصواب، لأن “واحد في الجروب قال كده”، الهاتف، بالنسبة له، ليس مجرد جهاز، بل هو بوابةٌ للحكمة الكونية.
يقود جيشاً في معركةٍ مصيرية
أما عن أخي الصغير، فهو حالةٌ تستحق الدراسة، الهاتف بالنسبة له ليس مجرد جهاز، بل هو شريك حياته، عدوه اللدود، وملاذه الوحيد، يقضي يومه يلعب "بابجي"، يصرخ في سماعة الهاتف وكأنه يقود جيشاً في معركةٍ مصيرية، "يا أحمد، إقفل اللعبة دى وتعالى كُل!" هكذا تصرخ أمي، فيرد بنبرةٍ درامية: "مش هينفع، أنا في الزون، لو خرجت هخسر وهيقتلوني!"، وكأن حياته الحقيقية معتمدةٌ على البقاء في اللعبة ويبدو أن خسارته ستؤدي إلى إنهيار الحضارة الإنسانية، وحين يخسر بالفعل، يتحول إلى فيلسوفٍ صغير، يلقي باللوم على "النت الضعيف" و"اللاج" و"الجهاز الرخيص"، في إحدى المرات، حاولتُ أن أشرح له أن الإنترنت في البيت سريع، لكنه نظر إليّ نظرةً مليئةٌ بالشفقة وقال: "إنتَ ما بتفهمش، الموبيل هو اللي بطيء!".
وقعت في فخ الهاتف
وأما أنا، فلا أنكر أنني وقعت في فخ الهاتف أيضاً، بدأتُ بمتابعة الأخبار، ثم وجدتُ نفسي أتابع حساباتٍ لقططٍ تؤدي حركاتٍ بهلوانية وأغرق في بحرٍ من مقاطع عن كلابٍ ترقص، ومن هناك إلى فيديوهات "كيف تصنع قنبلة من علبة كولا" ثم إنفتح الباب على مصراعيه لفيديوهات "إفعلها بنفسك" التي جعلتني أشعر أنني أستطيع بناء صاروخ فضائي من أعواد الكبريت وأقنعتني أنني قادر على بناء محطة نووية من مشابك الغسيل، يبدو أن الهاتف يعرف كيف يجذبك و يغويك، ثم يحبسك في دوامةٍ لا نهائية من المقاطع والصور والتعليقات، الأمر يبدأ بمقطعٍ قصيرٍ عن كيفية تنظيف المطبخ، ثم يأخذك إلى فيديو عن “أغرب 10 أشياء وجدها الناس في المحيط”، قبل أن أدرك ذلك، أكون قد أمضيتُ ثلاث ساعاتٍ أشاهد قرداً يتعلم التزلج على الماء، حاولتُ أن أضع حدودً لإستخدامي، لكن من يستطيع مقاومة إشعارٍ جديدٍ يقول "لقد تم الإعجاب بصورتك"؟ إنه إغراءٌ لا يُقاوم.
الهاتف في بيتنا ليس مجرد جهاز
في النهاية ياسادة ، الهاتف في بيتنا ليس مجرد جهاز. إنه عضوٌ في العائلة، يتدخل في قراراتنا، يشغل أوقاتنا، ويسرق أحلامنا، قد يكون نعمةً، لكنه أحياناً يبدو كلعنةٍ ناعمة، مغلفةً بشاشةٍ لامعةٍ وإشعاراتٍ ملونة، فهل نحن من نستخدم الهاتف، أم أن الهاتف هو من يستخدمُنا؟ هذا سؤالٌ فلسفيٌّ لا أملك إجابته، لكن ما أعرفه أنني سأذهب الآن لأتحقق من إشعارٍ جديدٍ وصلني للتو. وداعاً!
اقرأ أيضًا:-
تيك توك فى قفص الإتهام، من يربح ومن يدفع الثمن؟
"التصويت الإلكتروني"، بين ثورة التكنولوجيا وشبح التلاعب
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة لتغطية ومتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
دكتور كريم عادل يكتب: الاستثمار في الفضة.. المعدن الذي لا غنى عنه
28 أغسطس 2025 07:41 م
الدكتور أحمد جلال يكتب.. التحصين المناسب لصحة قطعان الدواجن
26 أغسطس 2025 02:38 م
أكثر الكلمات انتشاراً