الجمعة، 29 أغسطس 2025

02:35 ص

وهم الديمقراطية المالية، كيف يقود هوس «الكريبتو» إلى كارثة عالمية؟

الخميس، 28 أغسطس 2025 10:23 م

فقاعة الكريبتو

فقاعة الكريبتو

قبل عقدين ونصف، كانت العملات المشفرة مجرد هامش في صفحات التكنولوجيا، موضوعًا يثير فضول القلة، ويقابل بالسخرية من الأغلبية، ولكن اليوم تغير المشهد كليًا، فالعملات الرقمية لم تعد صناعة موازية أو ظاهرة تجريبية، بل أصبحت جزءًا متناميًا من النقاشات الاقتصادية والمالية الكبرى، إلى حد أنها تفرض نفسها على مائدة مؤسسات تقليدية، مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

المشهد الأخير في وايومنغ، حين اجتمع كبار صانعي الكريبتو على مقربة من منتدى جاكسون هول، لم يكن مجرد صدفة، بل إشارة واضحة إلى أن هذه الصناعة، تتقدم بثبات نحو قلب النظام المالي العالمي، لكن خلف هذا الحضور الطاغي تكمن إشكالية بنيوية، فكلما تغلغلت الكريبتو في الأسواق التقليدية، ازدادت معها احتمالات وقوع أزمة تضرب النظام المالي من جذوره.

العملات الرقمية

وعود بلا مقابل.. بين التقنية والواقع

ويروج أنصار الكريبتو، لفكرة أن البلوك تشين والعملات المشفرة، تحمل وعدًا بتطوير النظام المالي التقليدي وتجعله أكثر كفاءة وشفافية، غير أن هذا الوعد ظل حتى الآن مجرد خطاب دعائي لم يترجم إلى نتائج ملموسة، وفي الواقع، لم تقدم هذه الصناعة بديلًا حقيقيًا للمؤسسات القائمة، بل نقلت إليها أمراضها المزمنة، من تقلبات عنيفة وصعود محموم وانهيارات متكررة. 

المشكلة ليست فقط في فشل الكريبتو في الوفاء بوعودها، بل في ما تخلقه من عدوى داخل النظام المالي التقليدي، حيث تدخل البنوك والأسواق في دوامة من المخاطر غير المحسوبة، أشبه بتسرب فيروس إلى جسد مستقر.

العملات المستقرة

 

العملات المستقرة.. الوهم الأكبر

ومن بين أبرز ملامح هذا التحول الهوسي، تبرز العملات المستقرة باعتبارها المستقبل، وأنصارها يقولون إنها توفر وسيلة أسرع وأرخص لنقل الأموال، لكن الواقع يكشف أن النظام المالي الحالي، قادر تقنيًا على تحقيق هذه السرعة بالفعل، وما يعيقه ليس التكنولوجيا بل العوائق السياسية والقانونية المرتبطة بالعقوبات والضرائب وغسيل الأموال.

ومن هنا تبدو العملات المستقرة، أشبه بمحاولة للالتفاف على الرقابة، لا لحل مشكلات حقيقية، والأسوأ أن هذه العملات باتت تتضخم بشكل يهدد استقرار أسواق السندات الأمريكية نفسها، بعدما بدأت شركاتها الكبرى تراهن على الاحتفاظ بأذون الخزانة كغطاء، وهذا التداخل بين الأصول الأكثر أمانًا والصناعة الأكثر مخاطرة، يفتح الباب أمام كارثة محتملة، شبيهة بالخلط الذي قاد العالم إلى أزمة 2008.

 

اقرأ أيضًا:-

تتجاوز 300 مليار دولار، قائمة أغنى 10 مليارديرات في عالم الكريبتو 2025

أسهم مرمزة بلا ضابط

وإذا كانت العملات المستقرة تعكس خللًا على مستوى النقد، فإن الأسهم المرمزة تمثل خللًا أعمق على مستوى الملكية والاستثمار، فمنصات مثل "روبن هود"، طرحت رموزًا رقمية لأسهم شركات، بعضها لشركات خاصة لا تطرح أسهمًا للتداول أصلًا، فما يحدث هنا هو إعادة اختراع للفوضى، حيث تباع للمستثمرين منتجات مالية لا تعكس أي ملكية حقيقية، ولا تخضع لأي قوانين حماية. 

والنتيجة أن الجمهور، يتم إغرائه بالاستثمار في أصول مشوهة، بينما تفتح الأبواب أمام استغلال عديمي الخبرة، والذين يعتقدون أنهم يشاركون في ثورة مالية، والواقع أن ما يجري ليس إلا حيلة قانونية لبيع الوهم في عباءة تكنولوجية.

البتكوين

 

خزائن بتكوين.. تكرار لفقاعة الإنترنت

ومن الأمثلة الأوضح على خطورة تغلغل الكريبتو، حالة شركة “مايكروستراتيجي”، بعد تغيير اسمها تحولت من شركة برمجيات متواضعة، إلى صندوق شبه متداول لعملة بتكوين، ولم يعد المستثمرون يهتمون بمنتجاتها أو إيراداتها، بل بقيمة ما تحتفظ به من عملات مشفرة. 

ويعد ما سبق حلقة مفرغة، حيث يؤدي شراء البتكوين إلى رفع قيمة الأسهم، ما يمكن الشركة من شراء المزيد من البتكوين، كما خلقت نموذجًا مدمرًا يجرى استنساخه الآن في عشرات الشركات المدرجة، والنتيجة تضخيم مصطنع للقيم السوقية أشبه بما حدث في فقاعة "دوت كوم"، مع فارق أساسي، وهو أن الإنترنت كان اختراعًا غير شكل الحياة، بينما الكريبتو حتى الآن مجرد كود برمجي يخلق أموالًا من العدم.

اقرأ أيضًا:-

"من العقار إلى الكريبتو"، كيف بنت عائلة ترامب إمبراطوريتها المشفرة؟

الأصول المرمزة.. الطريق إلى الفوضى

الترميز لا يقتصر على الأسهم، بل يمتد إلى الأصول البديلة، ولوحات فنية، وساعات نادرة، أو حتى مزهريات أثرية، والفكرة تبدو جذابة، وهو فتح أسواق النخبة أمام العامة، وتحقيق ديمقراطية مالية. 

وفي غياب الرقابة، تصبح هذه الرموز مجرد أداة جديدة للمضاربة، تدفع صغار المستثمرين إلى ضخ أموالهم في أصول متقلبة بلا وعي بالمخاطر، ومع تزايد الطلب، ترتفع أسعار الأصول الفعلية، فتخلق دائرة جهنمية من التضخم الوهمي الذي لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية.

سوق العملات الرقمية

 

الكريبتو.. صناعة تزرع بذور الأزمة

الخطر الأكبر أن النظام المالي التقليدي بدأ يمتص عدوى الكريبتو، فشركات كبرى تضيف البتكوين إلى قوائمها المالية، وأسواق تتبنى تداول الرموز الموازية، وصناديق تستثمر في عملات مستقرة مرتبطة مباشرة بسندات الخزانة الأمريكية. 

وكل هذا يجعل أي هزة في سوق الكريبتو، قادرة على الانتقال فورًا إلى النظام المالي العالمي، وفي المرات السابقة، كانت الانهيارات تقتصر على مستثمري العملات المشفرة، أما في المرة المقبلة، فسيكون الانفجار متصلًا بالبنوك، وبالشركات المدرجة، وبالأصول السيادية ذاتها.

اقرأ أيضًا:-

ترامب يدخل سباق «الكريبتو» بـ3 مليارات دولار

سيناريو الأزمة القادمة

السيناريو المتوقع يبدو كالتالي، انهيار إحدى المنصات أو العملات غير المغطاة ماليًا، والذي يؤدي إلى هبوط في أسعار البتكوين والإيثر، يتبعه إغلاق قسري لآلاف المراكز الاستثمارية بالهامش، كما ينهار معه سوق الأسهم المرمزة، ثم تتبخر مليارات من الرموز المرتبطة بأصول بديلة. 

عندها، تضطر شركات العملات المستقرة إلى بيع سندات الخزانة لتلبية طلبات السحب، ما يخلق ضغوطًا بيعية غير مسبوقة على أحد أكثر الأصول أمانًا في العالم، فالفوضى الناتجة، ستعني ارتفاعًا حادًا في عوائد السندات، وقلقًا متزايدًا من الركود، وأزمة سيولة قد تفلس بسببها مؤسسات مالية كبرى، والمشهد هنا لا يختلف كثيرًا عن 2008، مع فارق أن الشرارة هذه المرة، لن تكون رهونًا عقارية، بل أكوادًا برمجية على شبكة البلوك تشين.

البتكوين

 

وهم الديمقراطية المالية

وقد يبدو هذا السيناريو متشائمًا، لكنه ليس بعيد المنال، فالعالم يندفع نحو تبني تقنيات تعزز الديمقراطية المالية، لكنها في جوهرها تفتح الباب للفوضى والمضاربات غير المحسوبة، ويكمن السؤال الحقيقي في أنه ليس هل سينهار سوق الكريبتو، بل متى وكيف سينتقل الانهيار إلى قلب النظام المالي التقليدي؟

وفي نهاية المطاف، الاقتصاد العالمي يسمح بخلق المال من العدم، ويغض الطرف عن مخاطره، إنما يزرع بذور فقاعة جديدة، قد تكون أكثر تدميرًا من سابقتها.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة لتغطية ومتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search