كيف يقود الذكاء الاصطناعي ثورة في صناعة مواد البناء؟ ابتكار جديد يعزز الاستدامة

في وقت يشهد فيه العالم تسارع في الابتكارات التكنولوجية، واستمرار التحديات المناخية، نجد قطاع البناء يتطور ويتحول بشكل غير مسبوق خاصة مع دخول الذكاء الاصطناعي إلى قلب تفاصيل عمليات الانشاء.

كما أصبح البحث عن مواد بناء تتسم بالكفاءة والاستدامة أمر مُلح خاصة مع مساهمة صناعة الأسمنت بشكل كبير في الانبعاثات الكربونية وفقًا للخبراء على مستوى العالم.

خرسانة مصممة بالذكاء الاصطناعي

وفي خطوة جديدة تعد نقلة نوعية في هذا القطاع، نجح فريق من الباحثين بجامعة جنوب كاليفورنيا USC، في تطوير خرسانة مبتكرة مصممة بالكامل باستخدام الذكاء الاصطناعي، تجمع بين القوة الفائقة، والقدرة على إصلاح ذاتها، وامتصاص ثاني أكسيد الكربون، مما يفتح آفاقًا جديدة لبناء مدن المستقبل المستدامة.

ويعتمد هذا الابتكار، على نموذج الذكاء الاصطناعي Allegro-FM، والمادة التحويلية لا يمثلان مجرد إنجاز أكاديمي، بل هما استجابة عملية للتحديات المناخية التي تواجه العالم، خاصة وأن صناعة الأسمنت وحدها تسهم بحوالي 8% من إجمالي الانبعاثات الكربونية عالميًا.

ابتكار حديث على المستوى الذري

ويكمن الأساس في هذا التطور في أداة الذكاء الاصطناعي Allegro-FM، القادرة على محاكاة تفاعلات مليارات الذرات في وقت واحد، وهو ما يساعد في تصميم مواد جديدة على المستوى الجزيئي بشكل دقيق غير مسبوقة.

في الماضي، كان تطوير مواد البناء يعتمد على التجريب البطيء والنماذج التقليدية، أما في الوقت الحالي فقد أصبح بالإمكان الوصول إلى التركيبات المثالية بسرعة، وهو ما مكن الباحثين من ابتكار خرسانة بمتانة تفوق الخرسانة الرومانية القديمة، قادرة على تحمّل أوزان هائلة والحفاظ على استقرار الهياكل لعقود وربما قرون.

خرسانة مقاونة للحرائق والظواهر الجوية

وصُممت هذه الخرسانة الجديدة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتكون مقاومة للحرائق والظواهر الجوية المتطرفة التي تنجم عما يحدث بسبب التغير المناخي، مثل الأعاصير، وحرائق الغابات، والفيضانات.

وهذه الخصائص تجعل هذه الخرسانة مثالية للمرافق الحيوي مثل مراكز البيانات، المستشفيات، السفارات، والمناطق المعرضة لمخاطر بيئية عالية.

امتصاص ثاني أكسيد الكربون وتخزينه

كما لدى هذه الخرسانة ميزة مهمة جدا تكمن في قدرتها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون وتخزينه بشكل دائم داخل بنيتها، عبر دمج الكربون في صورة طبقة كربوناتية داخل المادة.

بهذه الطريقة تتحول الخرسانة من مصدر انبعاثات إلى مصرف كربوني فعّال يساهم في خفض صافي الانبعاثات العالمية.

خاصية الاصلاح الذاتي

بفضل الابتكارات الإضافية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تستطيع هذه الخرسانة إصلاح الشقوق الدقيقة بشكل تلقائي، مما يقلل من تآكل الهياكل ويطيل عمرها التشغيلي، ويخفض تكاليف الصيانة على المدى الطويل.

وتعزز هذه الخاصية من استدامة المشاريع وتخفض من الهدر في الموارد.

مواد صديقة للبيئة والاقتصاد الدائري

وتسمح الخرسانة المطورة باستخدام مواد ثانوية صديقة للبيئة مثل الرماد المتطاير والركام المعاد تدويره، مما يقلل الاعتماد على الأسمنت البورتلاندي التقليدي مرتفع الانبعاثات، وينسجم هذا النهج مع مفهوم الاقتصاد الدائري في قطاع البناء، حيث يعاد توظيف المخلفات الصناعية بطرق مبتكرة.

مراكز البيانات ودعم الذكاء الاصطناعي

يشهد العالم طفرة غير مسبوقة في بناء مراكز البيانات لدعم الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، حيث يستهلك المركز الواحد أحيانًا أكثر من 25 ألف ياردة مكعبة من الخرسانة، ما يعادل بصمة كربونية ضخمة.

هذا النوع من الانبعاثات، المعروف بـ"الكربون المدمج"، يصعب تعويضه بعد البناء، مما يجعل الابتكارات في مواد البناء ضرورة ملحة لتحقيق أهداف الحياد الكربوني.

الاستدامة في عصر الذكاء الاصطناعي

مع توسع استخدام الذكاء الاصطناعي عالميًا، يتزايد الطلب على بنية تحتية ضخمة تدعمه، وإذا لم تُعتمد تقنيات بناء منخفضة الكربون، فقد تضيع المكاسب المناخية في مجالات أخرى.

وتمثل الخرسانة المطورة فرصة حقيقية لبناء هياكل كربونية سالبة أو محايدة تدوم لأجيال.

تحوّل في الصناعة… وطريق جديد للأمام

ويفتح هذا الابتكار المجال أمام المهندسين والمعماريين لتطبيق معايير جديدة في التصميم والإنشاء، باستخدام خلطات ذكية ومواد مستدامة وتحليلات مدعومة بالذكاء الاصطناعي.

كما يوفر فوائد اقتصادية، منها خفض التكاليف على المدى الطويل، وتقليل المخاطر التأمينية، وتسريع عمليات الإنشاء.

مدن جديدة… ومناخ جديد

وتمثل الخرسانة الذكية الجديدة فرصة لتقاطع خبرة البناء التقليدي مع إمكانات الذكاء الاصطناعي، مما يحول صناعة البناء إلى أداة فاعلة في المعركة ضد تغير المناخ، لا تكتفي فقط بالحد من أضراره بل تسهم في معالجته.

اقرأ أيضًا:

«جوجل» توافق على الحد من استخدام الطاقة لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي

تقنية جديدة من SECC، الذكاء الاصطناعي يقود استراتيجيات إدارة البيانات في مصر