الصين تقود التحول نحو نظام نقدي عالمي جديد.. ومصر في قلب المعادلة
السبت، 02 أغسطس 2025 02:09 م

الدكتور تامر مؤمن
دكتور/ تامر مؤمن
في خطوة تعبّر عن التحولات المتسارعة في موازين الاقتصاد العالمي شهد المنتدى المالي الصيني "منتدى لوجياتسوي" في شنجهاي شهر يونية الماضي تصريحًا لافتًا من بان جونج شنج، المحافظ الحالي لبنك الشعب الصيني (PBOC)، معلناً توقعاته لظهور نظام نقدي عالمي جديد، مما يشير إلى تحول كبير بعد عقود من هيمنة الدولار الأمريكي. حيث حذر صراحة من "الاعتماد المفرط" على عملة واحدة. وتصور مستقبلاً للنظام النقدي الدولي يتطور نحو نموذج "تتعايش فيه بضع عملات سيادية، وتتنافس بينها، وتتوازن بينها"،
تحوّل عالمي نحو نظام متعدد الأقطاب
في كلمته، حذّر شنج من "الاعتماد المفرط على عملة واحدة"، مشيرًا إلى مستقبل نقدي تتعايش فيه عدة عملات سيادية تتنافس وتتوازن، في نموذج يكبح أي انفراد بالهيمنة. هذا الطرح يمثل تطورًا في الرؤية الصينية تجاه النظام النقدي العالمي، خصوصًا مع بروز التوترات الجيوسياسية واستخدام الدولار كأداة ضغط اقتصادي.
بالتزامن، قامت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، بزيارة وصفت بالتاريخية والنادرة إلى بكين، التقت خلالها برئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ. الزيارة عكست اهتمامًا أوروبيًا متجددًا بإعادة ضبط التوازن النقدي العالمي، في ظل تراجع الثقة في السياسات الأمريكية، وطرحت لاغارد ما وصفته بـ "إمكانية بروز لحظة اليورو العالمية".
الدوافع والرؤية لنظام نقدي متعدد الأقطاب
في نفس الوقت الذي فيه يشهد النظام النقدي العالمي تحولاً جوهرياً، مدفوعاً بتحديات متزايدة لهيمنة الدولار الأمريكي ورؤية الصين المستمرة لنظام متعدد الأقطاب. فبعد عقود من ترسيخ الدولار لمكانته كعملة احتياطي عالمية مهيمنة، تتزايد الدعوات، لا سيما من بكين، نحو نظام نقدي دولي أكثر تنوعاً وتوازناً. يرى المسؤولون الصينيون أن الاعتماد المفرط على عملة واحدة ينطوي على مخاطر جوهرية، وقد كشفت التوترات الجيوسياسية الأخيرة عن إمكانية "تسليح" العملة المهيمنة، مما دفع العديد من الدول للبحث عن بدائل.
تتصور الصين نظاماً نقدياً عالمياً جديداً تتعايش فيه عملات سيادية متعددة وتتنافس وتوازن بعضها البعض، مع تزايد الدور المحوري للرنمينبي (اليوان). ورغم أن حقوق السحب الخاصة (SDRs) التابعة لصندوق النقد الدولي كانت مقترحاً سابقاً كعملة احتياطي فوق سيادية، إلا أن التركيز الحالي ينصب على تعزيز العملات الوطنية ضمن تكتلات اقتصادية مثل مجموعة البريكس. ومع ذلك، يواجه هذا التحول تحديات كبيرة، بما في ذلك المقاومة السياسية من الولايات المتحدة، والتحديات الفنية واللوجستية، والانقسامات الداخلية بين الدول الساعية لتقليل الاعتماد على الدولار. يؤدي تراجع هيمنة الدولار إلى عواقب وخيمة على الاقتصاد الأمريكي، ولكنه في الوقت نفسه يفتح الباب أمام نظام مالي عالمي قد يكون أكثر توازناً ومرونة في مواجهة الصدمات المستقبلية، على الرغم من احتمال زيادة التقلبات في الأجل القصير.
الدوافع والرؤية لنظام نقدي متعدد الأقطاب
تُعد دعوة الصين لنظام نقدي "متعدد الأقطاب" استجابة للمخاطر المتصورة للاعتماد المفرط على الدولار، خاصة بعد استخدام العقوبات المالية كأداة جيوسياسية ("تسليح الدولار")، والمخاوف بشأن الاستقرار المالي الأمريكي. يرى محافظ البنك المركزي الصيني الحالي، بان غونغ شنغ، مستقبلاً تتعايش فيه عملات سيادية متعددة وتتنافس وتوازن بعضها البعض، مع تزايد الدور العالمي للرنمينبي في التجارة والمدفوعات. هذا يمثل تطوراً عن مقترح المحافظ السابق تشو شياو تشوان عام 2009، الذي دعا إلى توسيع دور حقوق السحب الخاصة (SDRs) كعملة احتياطي "فوق سيادية"، وهو مفهوم واجه قيوداً عملية.
خصائص النظام النقدي متعدد الأقطاب المقترح
يرتكز النظام متعدد الأقطاب على التعايش التنافسي لعملات رئيسية مثل الدولار، اليورو، الرنمينبي، الين، والجنيه الإسترليني. تسعى الصين بنشاط لتدويل الرنمينبي من خلال مبادرات مثل مركز العمليات الدولي للرنمينبي الرقمي وتوسيع نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود (CIPS) كبديل لـ SWIFT. بينما تظل حقوق السحب الخاصة أداة مهمة لصندوق النقد الدولي لإدارة السيولة العالمية، فإن دورها كأصل احتياطي واسع الانتشار لا يزال محدوداً.
تُظهر ردود الفعل الدولية تبايناً. فبينما تُقر بعض المؤسسات الغربية بتراجع هيمنة الدولار، فإن دول مجموعة السبع تُكثف انتقاداتها للسياسات الاقتصادية الصينية. وتسعى دول البريكس، التي انضمت إليها مصر، بنشاط لتقليل الاعتماد على الدولار من خلال زيادة التجارة بالعملات المحلية وتراكم الذهب، على الرغم من وجود انقسامات داخلية وتحديات لوجستية تمنع ظهور عملة موحدة.
مصر في قلب معادلة التحول العالمي
هذا التحول العالمي يحمل في طيّاته تحديات وفرصًا استراتيجية للدولة المصرية، تحديات مثل التعرض لتقلبات الدولار، ارتفاع مدفوعات الديون الخارجية، الضغوط التضخمية، ومخاطر السيولة الناتجة عن "الدولرة" في النظام المالي.
ويحمل أيضا فرصاً، مثل عضوية البريكس التي تفتح آفاقاً للتعاون الاقتصادي، الاستثمار، وتمويل البنية التحتية عبر بنك التنمية الجديد (NDB). كما أن التعاون مع الصين في المدفوعات بالعملات المحلية (اليوان المصري) يعزز السيادة المالية ويقلل تكاليف المعاملات، بالإضافة إلى تنويع الاحتياطيات الأجنبية.
في ضوء التحولات الجارية، ينبغي على الدولة المصرية تبني استراتيجية مرنة واستباقية، تتضمن: تخطيط المرونة (خفض الواردات، إصلاحات مالية، إعادة بناء الاحتياطيات)، التحوط الاستراتيجي (استخدام الأدوات المالية، تنويع مصادر التمويل)، بناء تحالفات مرنة (مع شركاء متنوعين)، ودور حاسم للبنك المركزي المصري في إدارة الاستقرار النقدي وتكييف البنية التحتية المالية.
يجب على الدولة المصرية أيضاً تجنب الانحياز لأي طرف في البيئة العالمية المتوترة وهو ما يظهر دائما في سياسة التوازنات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي يتبنها السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي والقيادة السياسية والقيادات الاقتصادية والبنك المركزي المصري من خلال التعامل مع جميع الاحداث والتوترات الإقليمية بسياسة وقرارات وتوجهات هادئة ومتزنة مما يساعد ويوفر المناخ الى القيادات الاقتصادية والنقدية الى بناء التحالفات والحفاظ على اقتصاد، وسياسات نقدية، ومالية متنوعة، ومتوازنة الى جد كبير.
دور البنك المركزي المصري: التنويع كأداة استراتيجية
في إطار مساعي الدولة المصرية لتعزيز مرونة نظامها المالي وتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي، اتجه البنك المركزي المصري في السنوات الأخيرة إلى استكشاف آليات متعددة للعملات. يشمل ذلك توقيع اتفاقيات مبادلة عملات ثنائية مع شركاء تجاريين رئيسيين، وتسهيل تسوية المدفوعات بالعملات المحلية، وتنويع مكونات الاحتياطيات الأجنبية، فضلاً عن تنسيق مع تكتلات إقليمية ودولية لتعزيز استخدام عملات بديلة. تراوحت خطوات البنك المركزي بين اتفاقيات رسمية وتعزيز التعاون التقني والإجرائي مع نظيره في دول مثل الصين والإمارات وتطوير أنظمة مدفوعات إقليمية أفريقية. وذلك في ضوء التحولات الجارية في النظام المالي العالمي، واتجاه قوى اقتصادية كبرى نحو تقليل الاعتماد على الدولار، يعمل دائما البنك المركزي المصري على تعزيز مرونة الاقتصاد المصري من خلال خطوات استراتيجية لتنويع العملات المستخدمة في التجارة والتمويل.
وبتحليل خطوات التنوع الأخيرة لتوجه البنك المركزي والحكومة المصرية نحو تقليل هيمنة الدولار تجلى أنها «تعكس توجهًا استراتيجيًا للدولة المصرية نحو تنويع سلة العملات المستخدمة في التجارة وتقليل الاعتماد على العملات الأجنبية الرئيسية، خاصة الدولار الأمريكي مما يساعد في تقليص استخدام الدولار ويعزز من استقرار الاقتصاد الكلي ويحد من التضخّم الناجم عن تقلبات الصرف – وسوف نستعرض مجهودات وخطوات البنك المركزي المصري نحو التحول إلى نظام مالي عالمي متعدد العملات من خلال (اتفاقيات مبادلة العملات الثنائية - تشجيع التسوية بالعملات المحلية واستخدام عملات بديلة - تنويع مكونات الاحتياطيات الأجنبية - .تقليل الاعتماد على الدولار في السياسات الرسمية - التعاون مع تكتلات نقدية إقليمية ودولية) .
رغم أن التحول إلى نظام نقدي عالمي متعدد الأقطاب لن يتحقق بين ليلة وضحاها، إلا أنه بات حقيقة تدريجية تتشكل من خلال تفاعل القوى الاقتصادية الكبرى والتحولات الجيوسياسية العميقة. هذا الواقع الجديد يتطلب من الدول، وخاصة الاقتصادات الناشئة مثل مصر، استراتيجيات تكيفية واعية، قائمة على التنويع والانفتاح والحفاظ على الاستقلال النقدي.
وفي هذا السياق، يُعد دور البنك المركزي المصري والقيادة الاقتصادية محوريًا في صياغة توجهات جديدة تعزز الاستقرار وتدعم التحول الآمن إلى نظام مالي أكثر توازنًا ومرونة.
وفي مقال لاحق، نستعرض بمزيد من التفصيل خطوات البنك المركزي المصري نحو خريطة تنويع العملات، وأثرها على الاقتصاد الكلي.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
الضابط الإنسان.. حركة الداخلية تكشف حب المصريين لمن يحمون مقدرات الوطن
03 أغسطس 2025 08:36 م
الدكتور أحمد جلال يكتب.. الأسلوب الأمثل لتفعيل الزراعة التعاقدية
03 أغسطس 2025 11:32 ص
الدكتور علاء عزوز يكتب: وفاء النيل منبع الحضارة ومفتاح الأمن المائي والزراعي
02 أغسطس 2025 07:33 م
أكثر الكلمات انتشاراً