الأحد، 03 أغسطس 2025

12:23 ص

الدكتور بدوي مهدلي يكتب: من مخازن الفراعنة إلى موائد العالم.. أسرار القمح عبر التاريخ

الخميس، 31 يوليو 2025 02:17 م

الدكتور بدوي رجب مهدلي، رئيس قسم بحوث أمراض الشعير

الدكتور بدوي رجب مهدلي، رئيس قسم بحوث أمراض الشعير

القمح من أكثر المحاصيل الغذائية أهمية فى العالم, حيث ينتج القمح أو ما يعرف بالحنطة حبوبا مركبة على شكل سنابل كما تعتبر هذه الحبوب غذاء رئيسى لجميع سكان كوكب الأرض، والقمح نبات برى، حيث ظهرت المعالم الأولى لزراعتة قبل 9000 سنة (ق.م).

قمح

السنبلة الإلهية من أفضل الغذاء للإنسان

يشكل القمح أساس نشأة الحضارات القديمة مثل الحضارة المصرية (الفرعونية) وحضارة بلاد الرافدين وحضارة بابل أراضي ما بين النهرين, كان المصريون القدماء يقدمون ثمار محصولهم للمعبودات التي قدسوها، فقد عثر في مقبرة الملك مينا في وادي الملوك الذي يعود للقرن الخامس عشر )ق.م) على زخارف منها شكل لفلاح يقدم بواكير محصوله على شكل دمية من سنابل القمح، وقد انتقل ذلك إلى الديانة المسيحية أيضاً التي اعتبرت القمح يمثل الخير والمحبه والرخاء لذلك استخدمه الفنانون في الموضوعات الزخرفية, وقد اعتبر الرومان القمح بمثابة زهور المعبودة هيرا و على وجه الخصوص للمعبودة ديميز ربة الأرض الخصبه والنماء، وارتبط تقديس القمح عندهم بإقامة الطقوس الزراعية في المعابد، واعتبر الرومان السنبلة الإلهية من أفضل الغذاء للإنسان, وقد قدم العرب قبل الإسلام القمح بالإضافة إلى الشعير والحنطة قرابين للمعبودات التي قدسوها ومنها الصنم ذو الخلصة الذي كان عبارة عن صخرة على شكل التاج بين مكة واليمن وكان يعبد من قبل عدد من القبائل منها خثعم وبجيلة وأزد السراة وهوازن باعتباره غذاء  وقرابين للألهه، الأمر الذي يدل على عالمية قدسية القمح عند كل الأمم القديمة واستمرار تقديسه حتى وقتنا الحالي.

تشير معظم الدراسات إلى أن الموطن الأصلي للقمح المنزرع اليوم هو الشرقين الأوسط والأدنى, اعتمادا على أن القمح ثنائى الحبة (Emmer wheat  Triticum dicoccum)) يشبة الأنواع المنتشرة بريا حتى اليوم, ويشير Vavilov (1926) أن أغلب النباتات المنزرعة لها أصول بريه.

  أما القمح القاسى (Triticum durum) فقد نشأ فى الحبشة, وأشار Keiale ( (1979 إلى أن زراعة القمح ترجع إلى العصر الحجرى من 7000 سنه (ق.م), فى حين تقول بعض الآراء إن زراعة القمح ظهرت لأول مرة فى أراضى الخليل فى نهاية العصر الجليدى قبل 1900 سنة (ق.م), ثم انتقلت إلى العصر الحجرى, وتشمل قصة سيدنا يوسف عليه السلام في عصر الهكسوس حوالي 1977 سنة (ق.م) على ما قام به في الإشراف على القمح في سنوات القحط، حيث أجرى آنذاك أول تخزين للقمح في التاريخ، و أول تأسيس لحفظ القمح وتخزينه فى الصوامع, وأضافGrignac   ،1965 أن الشرق الأوسط هو مركز الأباء الأول للقمح ثم انتشر إلى الحوض الغربي للبحر المتوسط وجنوب الاتحاد السوفيتي والشرق الأدنى، وأكد Picard 1988 أن الحضارة الرومانية ساهمت بشكل كبير في انتشار القمح إلى البحر الأبيض المتوسط وأوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية.


 

زراعة القمح


مناطق الانتشار الجغرافى, تمتد زراعة القمح في العالم بين خطى عرض 60-30 شمال و 40-27جنوباً، وأيضاً يزرع القمح بالقرب من خط الاستواء في المناطق المرتفعة، وفى الفصول الباردة شتاءً، ومن أهم مناطق زراعة القمح عالمياً هى سهول أمريكا الشمالية، وشمال غرب أوربا، ومنطقة حوض البحر المتوسط وجنوب روسيا وشمال غرب الهند وشرق ووسط الصين والأرجنتين وجنوب شرق أستراليا, أما على مستوى دول الوطن العربى فتعتبر مصر والمغرب وسوريا والجزائر والعراق من أهم الدول إنتاجاً للقمح.


ثانيا الشعير: يعتبر الشعير من أوائل الحبوب المزروعة في الهلال الخصيب، حيث تم تهجينه من حوالي 8000 سنة قبل الميلاد من سلفه البري Hordeum spontaneum وتشير الأدلة الأثرية إلى أن زراعة الشعير تعود إلى 5000 قبل الميلاد في مصر، و2350 قبل الميلاد في بلاد ما بين النهرين و3000 قبل الميلاد في شمال غرب أوروبا و 1500 قبل الميلاد في الصين, وقد كان الشعير هو مصنع الخبز الرئيسي لليهود واليونانيين والرومان ومعظم بلدان أوروبا خلال القرن السادس عشر, تشير الدراسات الجينية إلى أن انباتات الموجودة فى هضبة التبت كانت مركزاً إيضاً لتهجين الشعير المنزرع حالياً.


الموطن الأصلى, یعتبر الشعیر من أقدم المحاصیل التي استأنسھا الإنسان وزرعھا قبل المیلاد والموطن الأصلي للشعیر ھو قارة آسیا، الشعیر محصول عشبي نجیلى حولي شتوى، والشعیر یشبه في شكله العام إلى حد كبیر نباتى القمح والشوفان قبل أن تظھر النورات وأن الجد البرى للشعیر المنزرع Hordeum vulgare  ھو تحت نوع  spontaneum الشعیر البري Hordeum vulgare Ssp spontanem، وتنتشر زراعة الشعیر في غالبیة دول العالم، ویعود ذلك إلى استعمالاته العدیدة، وإلى تعدد أصنافه القادرة على تحمل الظروف البیئیة المختلفة بما في ذلك القطب الشمالى والمناطق القریبة من خط الاستواء، حیث ینمو المحصول في معظم المناطق المعتدلة المناخ أو المناطق الصحراویة وتحت الإستوائیة، الإنتاج العالي یتركز في القارة الأوربیة، تلیھا قارة آسیا عالمیا، وذلك من حیث المساحة المزروعة والإنتاج, وأھم الدول المنتجة للشعیر, روسیا - كندا - إسبانیا- ألمانیا - فرنسا - تركیا - أوكرانیا – استرالیا الولایات المتحدة الأمریكیة، ویعتبر الشعیر من المحاصیل عالیة التحمل للملوحة والقلویة بینما یعتبر من المحاصیل الحساسة للحموضة كما وأنه من أكثر المحاصیل تحملا للبرودة إذ یزرع حتى خط عرض 71 درجة.

زراعة القمح


الأصداء:

أشارت الحفريات القديمة (1300 سنة قبل الميلاد) إلى كلمة أصداء القمح وضررها على المحصول، عبد الرومان القدماء إله الصدأ "روبيجوس" (43 سنة قبل الميلاد) وكانوا يقدمون له القرابين لحماية محاصيلهم, كان Robigalia مهرجانا في الديانة الرومانية القديمة أقيم في 25 أبريل، سمى على اسم الإله (روبيجوس). كانت طقوسه الرئيسية هي التضحية بالخراف والكلاب ذات الفراء الحمراء لحماية حقول الحبوب من الأمراض وخاصة التراب الأحمر, أقيمت ألعاب على شكل سباقات كبرى وثانوية, وكانت Robigalia واحدة من العديد من المهرجانات الزراعية في أبريل للاحتفال وإضفاء الحيوية على موسم النمو, أعطى الكاتب الزراعي كولوميلا الأسم في المؤنث باسم Robigo، مثل الكلمة المستخدمة لشكل من أشكال مرض صدأ القمح، الذي له لون ضارب إلى الحمرة أو بني محمر, تم العثور على كل من Robigus و Robigo أيضًا باسم Rubig والذي وفقا لأصل الكلمة من خلال ارتباطها بالعصور القديمة، كان يعتقد أنها مرتبطه باللون الأحمر (Ruber) كشكل من أشكال المرض التراب الأحمر.

ظل القمح والشعير والصدأ فى تنافس وتطور معًا لعدة قرون, ولوحظت سلالات وتنوعات وتجمعات أشد ضراوة من مسببات أمراض الأصداء حول مراكز المنشأ أو في المناطق التي تُجرى فيها برامج تربية القمح والشعير وذات تنوع فى جينات المقاومة التى تحملها النباتات وهى مناطق أكثر حيوية وديناميكية للأصداء على الرغم من ذلك لا يرتبط تطور مسببات أمراض الأصداء بالقمح والشعير فقط.

يُعد صداء أوراق القمح (Puccinia triticina)، وصداء الساق فى القمح والشعير (P. graminis f. sp. tritici )، والصداء الأصفر (P. striiformis f. sp. tritici) من أمراض القمح ذات الأهمية العالمية، وتُعزى الخسائر الوبائية الناجمة عن صدأ القمح إلى التفاعل بين العوائل الحساسة والسلالات المرضية الشرسة لمسببات الأصداء والبيئة المُلائمة والمدة الزمنية, يُعدّ توافق ضراوة مسببات الصدأ وصنف القمح المُعرّض للإصابة ومرحلة نمو المحصول والبيئة المُلائمة من العوامل الرئيسية المُسببة للأوبئة, وتُعدّ مرحلة محصول القمح التي تحدث فيها العدوى بالغة الأهمية حيث تُؤدي الإصابات المُبكرة إلى خسائر أكبر من الإصابات المُتأخرة, كما تُعدّ مرحلة نمو محصول القمح مهمةً أيضًا لأن مقاومة النبات البالغ تُحفّز بعد تكوّن الورقة الثالثة وبالتالي، فإنّ الصنف المُعرّض للإصابة في المراحل الأولى قد يُصبح مُقاومًا لاحقًا، وهذا أحد أسباب ندرة أوبئة صدأ القمح حيث إن العديد من جينات مقاومة النبات البالغ غير المعروفة قد منحت مقاومةً حقليةً للنباتات.


ظل صدأ القمح تحت السيطرة لفترة طويلة، وكان يُعتقد على نطاق واسع أنه قد تمت السيطرة عليه، ومع ذلك، فإن ظهور حالات ضراوة Yr 9 في سوريا وإيران في أعوام 1990 و1992 و1993، والتي تسببت في أوبئة شديدة من صدأ القمح الأصفر في غرب آسيا، قد دق ناقوس الخطر, وتسبب ظهور الطفرات المعروفة باسم Ug 99 في أوغندا خلال عام 1998 (Pretorius et al. 2000) في قلق دولي، وقد أدى ذلك إلى إبطال فعالية الجين Sr 31 بعد استخدامه لحوالي أربعة عقود، نتيجةً لذلك، أصبح حوالي 40% من محصول القمح العالمي مهددًا بوباء صدأ الساق, وخلال العقد الماضي تم تحديد 13 نمطًا مرضيًا من سلالة Ug 99 من 13 دولة (CIMMYT، 2019).


وقد ذكّرتنا هذه الأحداث بمقولة الدكتور نورمان بورلاوج "الصدأ لا ينام أبدًا"، هناك دائمًا سباقٌ مستمرٌّ على التفوق بين مُربي القمح ومُسببات أمراض الصدأ, يُطوّر المُربّون أصنافًا جديدة من القمح بينما تُطوّر مُسببات أمراض الصدأ أنماطًا أو سلالات مرضية جديدة أشد ضراوة من المسبب المرضى الأصلى تجعل الأصناف المقاومة عُرضةً للإصابة, تتطور السلالات الجديدة إما من خلال التكاثر الجنسي (في المناطق أو البلدان التي تكون فيها العوائل البديلة موجودة) والتهجين الجسدي أو الطفرات (حيث تكون العوائل البديلة غير موجودة)، وتُعد الطفرة طريقةً شائعةً جدًا لتطور الأنماط المرضية الجديدة، خاصةً عندما تكون العوائل البديلة غير موجودة.


تتميز الفطريات المسببة لأمراض الصدأ فى القمح والشعير بطول دورة الحياة وحاجاتها إلى نوعين من العوائل النباتية لإكمال دورة الحياة, يتكون عليها خمسة أنواع من الجراثيم (البازيدية – البكنية – الأسيدية – اليوريدية – التيليتيه), وتعتبر الجراثيم اليوريدية من أهم أنواع الجراثيم تأثيرا على القمح والشعير ويسمى بالطور المتكرر, بمعنى أنه يتكرر كل 12–15 يوما، حيث يظهر جيل جديد من الجراثيم اليوريدية يمكنها إصابة نباتات القمح والشعير, بجانب وجود العائل المتبادل الذى يكمل عليه فطر الصدأ دورة الحياة, تستطيع فطريات الصدأ أيضا أن تصيب بعض الحشائش النجيلية (عوائل ثانوية), ولا يوجد فى مصر العائل المتبادل (الذى يكمل عليه فطر الصدأ دورة الحياة) ولا تسمح الظروف المناخية فى مصر بتواجد جراثيم الأصداء (الجراثيم اليوريدية) أثناء فترة الصيف لارتفاع درجة الحرارة.

 تصل جراثيم الصدأ اليوريدية والأسيدية سنويا إلى مصر محمولة بواسطة الرياح من الدول المجاورة, سواء دول البحر المتوسط أو جنوب غرب آسيا التى تتواجد بها العوائل المتبادلة الأصداء تعتبر من العقبات الرئيسية التى تم تصنيفها على أنها مسببات الأمراض التاريخية، القادرة على أن تتسبب في خسائر فادحة لمحصولى القمح والشعير في جميع أنحاء العالم وهى أمراض ذات أهمية عالمية.

محصول القمح

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة لتغطية ومتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search