استثمار أمريكي في الذكاء الاصطناعي الصيني.. بين الربح والمخاطرة الجيوسياسية
الخميس، 24 يوليو 2025 12:48 ص

صراع تكنولوجي بين واشنطن وبكين
في مشهد يعكس تزايد التوتر بين الوطنية الاقتصادية والمصالح الاستثمارية، أثار استثمار شركة بنشمارك Benchmark في شركة صينية ناشئة تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي، عاصفة من الجدل في أوساط وادي السيليكون.

ووفقا لـ"الشرق بلومبرج" فإن الصفقة تبدو من الناحية التقنية مجرد استثمار اعتيادي في شركة واعدة، لكن دلالاتها السياسية والاقتصادية تتجاوز حدود التمويل لتصل إلى قلب صراع القوى العالمي بين واشنطن وبكين.
استثمار محفوف بالمخاطر السياسية
عندما قادت بنشمارك جولة تمويل بقيمة 75 مليون دولار لشركة باترفلاي إفكت، المطورة للوكيل الذكي مانوس، لم تكن تتوقع أن تتهم بدعم خصم جيوسياسي رئيسي للولايات المتحدة.
لكن هذا بالضبط ما حدث، خاصة بعد أن سلطت وسائل الإعلام الضوء على جذور الشركة الصينية، رغم أنها نقلت مقرها إلى سنغافورة وتعتمد على نماذج لغوية أميركية مثل كلود Claude من أنثروبيك Anthropic.
هذه الصفقة وضعت بنشمارك في مرمى النيران، من مشرعين جمهوريين صوروا الاستثمار كدعم غير مباشر لحكومة بكين، إلى أصوات قوية في مجتمع رأس المال الجريء والذي تم وصفه بتمويل برنامج الفضاء الروسي خلال الحرب الباردة.
اقرأ أيضًا:
«رسوم ترامب على السفن الصينية»، قرار يهز سوق النفط العالمي
الاقتصاد والسياسة.. تصادم حتمي
الصفقة أعادت تسليط الضوء على سؤال محوري يواجهه المستثمرون الأمريكيون: هل يمكن فصل الابتكار والتكنولوجيا عن الجغرافيا السياسية؟ الواقع أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية، بل بات أحد مكونات الأمن القومي والهيمنة العالمية.
وهو ما يفسر موجة القوانين الأمريكية الصارمة، التي فعلت مطلع هذا العام، وتمنع التمويل الخارجي لتقنيات قد تستخدم في أغراض عسكرية أو استخباراتية صينية.
رغم أن بنشمارك استعانت بخبراء قانونيين أكدوا عدم تعارض الصفقة مع القوانين الأمريكية، إلا أن تلقيها رسالة من وزارة الخزانة تطالب بتوضيحات أثار القلق من احتمال فرض عقوبات أو تصفية الصفقة لاحقًا.
ومما يزيد المشهد تعقيدًا أن الشركة المستثمَر فيها مسجلة في جزر كايمان، مما يعقد تقييم امتثالها للقوانين الأمريكية.

تحولات كبرى في خريطة الاستثمار
تاريخيًا، لعبت شركات رأس المال الأمريكي دورًا حاسمًا في صعود الاقتصاد الرقمي الصيني، من تمويل علي بابا Alibaba وبايت دانس ByteDance إلى دعم شركات التكنولوجيا العملاقة، إلا أن هذه الديناميكية تغيرت جذريًا خلال العقد الماضي.
منذ رئاسة جو بايدن، ثم استمرار النهج المتشدد في عهد دونالد ترامب، بدأت أمريكا تفرض قيودًا على الاستثمارات في الصين، مرفقة برسوم جمركية وعقوبات تقنية.
في المقابل، شددت بكين قواعدها على رؤوس الأموال الأجنبية، مما أدى إلى انهيار في وتيرة التمويلات، ففي عام 2024، تراجعت قيمة التمويلات الموجهة للشركات الصينية الناشئة بنحو 40% مقارنة بالعام السابق، وشاركت الاستثمارات الأجنبية في 8.5% فقط من جولات التمويل وهي أدنى نسبة منذ أكثر من 10 سنوات.
اقرأ أيضًا:
ابتكار صيني جديد، علي بابا تقدم Qwen3-Coder لمجتمع المبرمجين
معضلة الشركات الصينية.. التمويل أو العزلة
وسط هذا الوقت المشحون، تجد الشركات الناشئة ذات الجذور الصينية نفسها أمام خيارين كلاهما صعب، إما الاعتماد على تمويل داخلي والبقاء في السوق الصينية، أو قطع العلاقات مع الصين سعيًا للحصول على رأس مال أمريكي.
حتى ملف الهجرة القانونية والفعلية خارج الصين كما فعلت مانوس Manus لا يبدو كافيًا لتبديد الشكوك، إذ باتت الأصول الصينية نفسها عبئًا في أعين كثير من المستثمرين الأمريكيين.
تجربة شركة هيي جن، التي انتقلت إلى الولايات المتحدة وحصلت على تمويل من بنشمارك، تؤكد ذلك، فعلى الرغم من أن المؤسسين درسوا وتخرجوا في جامعات أمريكية، ولكن المخاوف بشأن احتمال التأثير الصيني في أعمالهم بدأ في التبلور.

صعود الاستثمارات الوطنية وانكماش العولمة
يبدو أن ما يحدث لا يتعلق فقط بالخوف من الصين، بل بتغير شامل في عقلية المستثمر الأمريكي، فشركات بارزة مثل فاوندرز فاند Founders Fund وأندريسن هورويتز Andreessen Horowitz بدأت تركز على استثمارات في الدفاع والفضاء والصناعة، وتدفع باتجاه دعم المشاريع الأمريكية فقط، ولذلك، يتحول الاستثمار إلى أداة استراتيجية، لا مجرد وسيلة للربح.
لكن هذا الميل الوطني لا يخلو من التناقضات، فعلى الأرض، لا تزال شركات أمريكية بارزة تزور الصين، تستكشف الفرص، وتحلل السوق، وإن كانت تعلن رسميًا عدم نيتها الاستثمار حاليًا.
الخوف الحقيقي بالنسبة لها ليس فقط من التشريعات، بل من تفويت فرص مربحة قد تغير مستقبل الذكاء الاصطناعي عالميًا.
استثمار بسيط.. أم مرآة لصراع عالمي؟
في النهاية، الاستثمار الذي قامت به بنشمارك ليس مجرد ضخ أموال في شركة ناشئة، إنه تجسيد لصراع أعقد بين رغبة المستثمرين في اقتناص الفرص الجديدة.
وبين عالم سياسي واقتصادي يتغير جذريًا، حيث باتت خطوط التماس بين الابتكار والسيادة، بين السوق والمصالح القومية، أكثر غموضًا من أي وقت مضى.
هذا الواقع يفرض على صناديق الاستثمار إعادة التفكير ليس فقط في أين تضع أموالها، بل لماذا ولمن و بأي ثمن، ومن يدري؟ ربما تكون صفقة مانوس مجرد بداية لسلسلة من القرارات التي ستعيد تشكيل ملامح الاستثمار العالمي في عصر الذكاء الاصطناعي.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ“أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية”، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
السعودية تُسرع التحوّل في قطاع الطاقة، مشاريع بـ 20 جيجاواط بحلول حلول 2030
24 يوليو 2025 02:29 م
من أمريكا لإفريقيا، صناعة الموسيقى تهيمن على الأسواق بعائدات تفوق 29 مليار دولار في 2024
24 يوليو 2025 12:44 م
1.4 تريليون جنيه و2.7 مليون وظيفة، كيف أعادت السياحة تشكيل الاقتصاد المصري 2024؟
24 يوليو 2025 09:24 ص
أكثر الكلمات انتشاراً