الصين تعيد رسم خريطة النفوذ العالمي، حروب الموانئ والممرات البحرية تستبدل السلاح
الأربعاء، 23 يوليو 2025 12:47 ص

الموانئ الصينية
في زمن لم تعد فيه الحروب تُخاض بالسلاح فحسب، بل بالموانئ والممرات البحرية الحيوية، تبرز الصين كـمنافس استراتيجي شرس يعيد صياغة خريطة النفوذ الاقتصادي العالمي.
بخطوات محسوبة وحنكة لا تخطئ أهدافها، تثبت بكين أن القوة لا تكمن فقط في العتاد العسكري، بل في القدرة على التحكم بالشرايين الاقتصادية التي تغذي العالم.
هذا التحول يؤكد أن السيطرة على التجارة العالمية أصبحت اليوم ساحة المعركة الحقيقية، حيث تسعى الصين لفرض هيمنتها بذكاء يتجاوز المفهوم التقليدي للصراعات.

فمنذ إطلاقها مبادرة الحزام والطريق، تحولت بكين من مجرد مصدر للبضائع إلى مهندس للبنية التحتية التجارية العالمية، واضعة نصب أعينها هدفًا واضحًا، وهى السيطرة على مفاتيح التجارة الدولية من خلال شبكة موانئ تمتد من آسيا إلى أوروبا مرورًا بإفريقيا والشرق الأوسط.
الموانئ، الجبهة البحرية للنموذج الصيني
الصين تدرك أن الموانئ ليست مجرد مرافق لوجستية لنقل السلع، بل هي أوردة الاقتصاد العالمي، وامتلاكها أو التأثير فيها يعني امتلاك القدرة على التحكم في تدفقات التجارة، وتوجيهها بما يخدم المصالح الوطنية.
وفي ظل هذا الإدراك، انطلقت بكين في حملة توسعية جريئة، دمجت فيها بين الاستحواذ الذكي، والبناء من الصفر، والشراكات بعيدة المدى.
في أوروبا، على سبيل المثال، لم تكتف الصين ببناء منشآت جديدة، بل لجأت إلى ما يُعرف بـ"الاستحواذ الانتهازي"، حيث استغلت فترات الأزمات الاقتصادية لتشتري حصصًا مؤثرة في موانئ استراتيجية، كما حدث في ميناء فالنسيا الإسباني عام 2017.
هذا الميناء، الذي كان يعاني من آثار أزمة الديون، تحول بعد دخول شركة كوسكو الصينية إلى نقطة محورية لحركة الحاويات في البحر المتوسط، متفوقًا على ميناء بيرايوس اليوناني، ومعززًا نفوذ الصين في العمق الأوروبي.
اقرأ أيضًا:
تداول 16 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانى البحر الأحمر
عندما تتحول البنية التحتية إلى أدوات جيوسياسية
ما تفعله الصين اليوم هو توظيف أدوات الاقتصاد لتثبيت موطئ قدم في السياسة الدولية، السيطرة على الموانئ تتيح لبكين ليس فقط تقليص التكاليف وتحسين الكفاءة اللوجستية لصادراتها، بل تمنحها أيضًا قدرة تفاوضية أعلى في وجه القوى الكبرى، وتحديدًا الولايات المتحدة.
الدولة التي باتت ترى في هذا التمدد البحري تهديدًا صريحًا لمصالحها، كما يتضح من موقف إدارة الرئيس دونالد ترامب تجاه صفقة بيع الموانئ التابعة لشركة "سي كي هاتشيسون" حول قناة بنما.

عقد اللؤلؤ.. سلاسل ممتدة عبر القارات
مفهوم عقد اللؤلؤ الذي تبنته بكين يجسد هذه الرؤية الشمولية، فبدلاً من الاعتماد على ممر واحد مثل مضيق ملقا، بنت الصين منظومة موانئ تشمل جوادر في باكستان، تشابهار في إيران، الفاو في العراق، وموانئ في إفريقيا جنوب الصحراء.
هذا التنوع في البوابات البحرية يمنح الصين مرونة استراتيجية غير مسبوقة، ويسمح لها بتجاوز الاختناقات البحرية، والسيطرة على خطوط إمداد متعددة.
كما أن التكامل بين الموانئ والسكك الحديدية والطرق السريعة، إضافة إلى اعتماد أنظمة تشغيل ذكية صينية التصميم، يعزز من فعالية هذه الشبكة، ويجعلها أكثر جاذبية لشركاء التجارة حول العالم.
اقرأ أيضًا:
السعودية تستثمر في بنيتها التحتية بـ 187 مليون دولار لرؤية المملكة 2030
أبعاد اقتصادية واستراتيجية
إن السيطرة الصينية على موانئ البحر المتوسط، مثل فالنسيا وبيرايوس، تعني تحكمًا ضمنيًا في حركة السلع نحو قلب أوروبا، كما أن هذه الموانئ تحولت إلى بوابات رئيسية لصادرات صينية متطورة، أبرزها السيارات الكهربائية، والتي تشهد طفرة في الطلب داخل القارة العجوز.
لكن النفوذ الصيني لا يلقى ترحيبًا مطلقًا، فبينما ترحب بعض الدول الأوروبية بالاستثمارات القادمة من الشرق، تُبدي مؤسسات الاتحاد الأوروبي تحفظًا متزايدًا تجاه هذا التوسع، خاصة في ظل الحديث عن الأمن القومي والاعتمادية الخطرة على بكين، ومع ذلك، تبدو الصين واثقة من قدرتها على فرض شراكات تقوم على المنفعة المتبادلة، كما تصفها.
الموانئ الخضراء والملاحة الذكية
بُعد آخر يضاف إلى استراتيجية الصين الحديثة، هو توظيف التكنولوجيا البيئية والتقنيات الذكية في تشغيل الموانئ البحرية لتعزيز التجارة الدولية.
عبر أنظمة تعتمد على الطاقة النظيفة والتشغيل الآلي، تسعى بكين إلى تقديم نفسها كقائد في مجال الموانئ المستدامة، وهو ما يعزز من حضورها في الأسواق الأوروبية التي تولي أهمية قصوى للمعايير البيئية.
اقرأ أيضًا:
"انتعاش التجارة"، تعزيز اتصال الميناء بالسكك الحديدية
الصين لا تبني مجرد أرصفة
الصين لا تبني مجرد أرصفة وساحات شحن، بل ترسم خريطة جديدة للتأثير العالمي، توظف فيها الموانئ كأدوات نفوذ، وتعيد من خلالها تشكيل النظام الاقتصادي الدولي.
وبينما تتزاحم القوى التقليدية للرد على هذا التمدد، تبقى بكين ثابتة على مسارها، مستفيدة من الزمن، والتخطيط بعيد المدى، والقدرة على تحويل التجارة إلى سلاح استراتيجي يعزز موقعها كقوة عالمية صاعدة لا يمكن تجاهلها.
في عالم تقاس فيه القوة بعدد الحاويات المشحونة، والصلاحيات الموقعة في مرافئ القارات، باتت الموانئ الصينية مرآةً لاقتصاد لا يكتفي بالنمو.. بل يسعى للقيادة.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ“أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية”، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
ميناء بورسعيد يحتل المركز الـ16 كأكفأ الموانئ عالميًا (إنفوجراف)
21 يوليو 2025 10:57 م
إدارة الحشود تدخل عصر الذكاء الاصطناعي، تقنيات ذكية لحماية الجماهير وتحسين التجربة
23 يوليو 2025 12:44 م
صناعة الجمال تتجاوز 424 مليار دولار في 2024 عالميًا، والسوشيال ميديا مفتاح النمو
23 يوليو 2025 12:09 م
أكثر الكلمات انتشاراً