الأحد، 13 يوليو 2025

08:59 م

الدكتور محمد فؤاد يكتب: في ذكرى «أبو دقشوم والدفاس»

الجمعة، 11 يوليو 2025 10:40 ص

الدكتور محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي

الدكتور محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي

بقلم/ د محمد فؤاد

في المشهد الكلاسيكي من فيلم العار، كان “أبو دقشوم” و”الدفاس” هما ذراعا المعلم اللذان، يُعتمد عليهما لتنفيذ المهام الكبرى. وحين غابا، انهار كل شيء.

وفي صيف 2025، لم تكن المشاهد درامية، بل واقعية وصادمة. غابت الأذرع التنفيذية الكفؤة، وتُرك ملف حيوي كإمدادات الغاز رهينة لسوء التقدير وسوء التوقيت. فانهار “الشغل”، وتحمّل المواطن والدولة الكلفة المالية والاقتصادية.

“جاليون” 2024: سابقة لم يُحتذَ بها

في يونيو 2024، وصلت وحدة التغويز العائمة Hoegh Galleon إلى ميناء السخنة. وخلال 19 يومًا فقط (من 14 يونيو حتى 2 يوليو)، اكتملت أعمال التركيب والتشغيل واستقبال أول شحنة غاز.

لم تكن هذه السابقة استثنائية. فقد سبقتها تجارب ناجحة في 2015 لتشغيل وحدات هوج جالنت وإس بي سنغافورة، والتي تم تنفيذها أيضًا ضمن جداول زمنية مُحكمة.

وبدلًا من البناء على هذه السوابق، تم في صيف 2025 إقرار جدول زمني يُظهر انفصالًا واضحًا عن الواقع الفني والزمني الذي أثبتت التجارب المصرية إمكانية تحقيقه.

“أنرجوس باور” و”أنرجوس إسكيمو”: تأخير بلا مبرر

رغم الانخفاض الحاد في إنتاج الغاز المحلي منذ منتصف 2023 – كما تؤكده بيانات JODI – تأخّر تركيب وتشغيل وحدتي التغويز Energos Power وEnergos Eskimo رغم وصول السفينتين إلى مصر منذ فترة زمنية معتبرة:

  • وصلت Energos Power إلى ميناء السخنة في 24 مايو 2025، أي منذ 48 يومًا (حتى 11 يوليو).
  • ووصلت Energos Eskimo في 6 يونيو 2025، أي منذ 35 يومًا.

ورغم هذه الفترات الممتدة، لم يبدأ التشغيل الفعلي حتى الآن، ما يشير إلى تعثّر غير مبرر او خطة غير مُدققة.

وحتى إن وُجدت عوائق فنية أو إدارية، فإن أي خطة لإدارة مشروع لا تُدرج ضمنها مسبقًا المسارات الزمنية، والمخاطر التشغيلية، وخطوات الاعتماد الفني والربط التجاري، هي خطة فاشلة من الأساس، لأنها بُنيت على تصور نظري لا يعترف بتعقيد التنفيذ في الواقع.

هذا القصور أفضى إلى اعتماد اضطراري على وقود المازوت، رغم ارتفاع تكلفته وأثره السلبي على التوربينات و البيئة التشغيلية. وهو ما يُشير إلى خلل إداري لا يمكن تغطيته بتبريرات أو شعارات إنشائية.

بيانات انتاج الغاز و الزيت في مصر


 

نزيف يومي يُقدَّر بـ10 ملايين دولار

تشير تقديرات مركز العدل لدراسات السياسات العامة إلى أن الفرق في التكلفة التشغيلية اليومية بين تشغيل محطات الكهرباء بالغاز الطبيعي (بسعر 7.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية) واستخدام نحو 40 ألف طن يوميًا من المازوت (بسعر يتراوح بين 450 و550 دولارًا للطن) يبلغ نحو 9.77 مليون دولار يوميًا.

وهذا الرقم لا يشمل الأعباء غير المباشرة، مثل:
- تكاليف الصيانة الإضافية الناتجة عن استخدام وقود ثقيل في وحدات صُمّمت للغاز؛
 

  • الأثر البيئي المترتب على الانبعاثات؛
  • اختناقات الإمداد الصناعي المحلي؛
  • وتراجع كفاءة إدارة النقد الأجنبي بسبب فاتورة استيراد المازوت.
تقديرات فروق تكلفة التوليد


“حسب الخطة”… إنكار لا يصمد أمام الواقع

في مواجهة الأسئلة المهنية، اكتفى الخطاب الرسمي بالقول إن “كل شيء يسير حسب الخطة”. لكن أي خطة هذه التي تستغرق شهرين لتشغيل وحدة تغويز، مقابل 19 يومًا فقط لوحدة مماثلة في السنة السابقة؟

الخطة التي تتجاهل أهمية الزمن في أسواق الطاقة، وفي الصناعات كثيفة الاستهلاك، ليست خطة تنفيذ… بل وصفة خسارة.

التمسك بخطة ثبت خللها لا يُعبّر عن التزام، بل عن إنكار للواقع يفاقم الكلفة ويُطيل أمد الضرر.

من يدفع الثمن؟ المواطن والمصنع

الكلفة المؤسسية لهذا الإخفاق تتحول بسرعة إلى عبء اجتماعي واقتصادي ملموس.

حين ترتفع فواتير الكهرباء، يُقال للمواطن إن السبب هو “ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا”، بينما الحقيقة أن جزءًا معتبرًا من الكلفة يُعزى إلى تأخيرات محلية في التنفيذ يمكن قياسها رقميًا.

أما القطاع الصناعي، فتعرّضه لاضطرابات في إمدادات الغاز الطبيعي يُشكّل تهديدًا مباشرًا لاستقرار العمليات الإنتاجية، ويقوّض تنافسيته التصديرية، ويُلقي بآثار سلبية على التشغيل والنمو.


الشفافية الغائبة والمحاسبة المؤجلة

ستنتهي المشكلة بإذن الله، لكن لا يمكن أن تُستغلّ هذه النهاية في الاحتفاليات أو تجميل المشهد. المطلوب هو دراسة جادة لما جرى، واستخلاص دروس واضحة تُراكم المعرفة المؤسسية.

فبينما يتسامح التاريخ مع المخطئ المعتذر، فهو لا يسامح أبدًا المخطئ المكابر.

Short Url

search