سوق يتخطى 100مليار ريال، البلوك تشين بوابة استثمارية واعدة في قلب الاقتصاد الرقمي السعودي

السبت، 21 يونيو 2025 10:46 ص

البلوك تشين Block Chain

تشهد السعودية حراكًا متسارعًا نحو تبني تقنية البلوك تشين كأحد ركائز التحول الرقمي، في ظل توجهات واضحة لتعزيز الاقتصاد الرقمي، وتحفيز الاستثمارات التقنية، وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.

ويعكس الزخم المتزايد حول التقنية إدراكًا متناميًا من الجهات التنظيمية والقطاعين الحكومي والخاص لأهمية تبني حلول قائمة على البلوك تشين Block Chain في تعزيز الشفافية، ورفع الكفاءة التشغيلية، وتسريع الأداء، وفتح آفاق جديدة للابتكار.

نمو متسارع وفرص استثمارية واسعة

وفقًا لبيانات هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، فإن السوق المحلي لتقنية البلوك تشين يشهد نموًا متسارعًا، حيث توقعت الهيئة في ورشة عمل نظمتها تحت عنوان "تقنية البلوك تشين وتأثيراتها في التحول الرقمي"، أن يسجل القطاع معدل نمو سنوي مركب يتجاوز 41% خلال الفترة من 2021 وحتى 2025، مدفوعًا بتزايد الطلب على حلول تقنية آمنة وموثوقة وشفافة.

وفي السياق ذاته، كشف تقرير حديث صادر عن الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة "منشآت"، أن حجم سوق تقنية المعلومات والتقنيات الناشئة في المملكة بلغ نحو 65 مليار ريال في عام 2020، بزيادة قدرها 10% عن عام 2019، متوقعة أن يرتفع حجم السوق إلى أكثر من 100 مليار ريال سعودي بحلول عام 2025 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 10%.

ويفتح هذا النمو المجال أمام المستثمرين المحليين والدوليين للاستفادة من الفرص الاستثمارية الضخمة في قطاع سلاسل الكتل وتطبيقاتها المتعددة.

توجه تنظيمي داعم واستثمارات مالية أولية

ومن جهة تنظيمية، أعلن البنك المركزي السعودي (ساما) في يونيو 2020 عن إطار تنظيمي لتقنية البلوك تشين، كجزء من حزمة تسهيلات تستهدف تعزيز كفاءة الخدمات المالية وتشجيع المؤسسات المصرفية على تبني هذه التقنية.

ويأتي ذلك في أعقاب تجربة تحويل مالي ناجحة أجراها البنك باستخدام البلوك تشين بقيمة 50 مليار ريال سعودي (13.3 مليار دولار)، ما عزز من قناعة الجهات المالية بالإمكانات الكبيرة للتقنية.

وأكد البنك أن المملكة تمر حاليًا بمرحلة بحث وتطوير نشطة على المستوى المحلي، مشيرًا إلى أن التقنية ما زالت في مراحلها الأولى من النضج، إلا أن المؤشرات الأولية تعكس فرصًا كبيرة للتوسع مستقبلاً، لا سيما في ظل بيئة تنظيمية مرنة وداعمة.

تطبيقات بارزة على المستويين الحكومي والتجاري

ولا يقتصر الحراك حول البلوك تشين على القطاع المالي فقط، بل يمتد ليشمل مبادرات حكومية وتجارية لافتة، تسعى جميعها إلى تسريع عملية التحول الرقمي وتحقيق الكفاءة.

الجمارك السعودية ومنصة TradeLens العالمية

في إطار الشراكات التقنية الدولية، ربطت هيئة الجمارك السعودية عملياتها بمنصة TradeLens العالمية بالتعاون مع شركتي Maersk وIBM، من خلال شركة "تبادل".

وأسهمت هذه المبادرة في تحسين كفاءة الإجراءات الجمركية، وتبسيط عمليات التصدير والاستيراد، وتسريع الإفراج الجمركي، بما ينعكس إيجابًا على حركة التجارة.

اتفاقيات STC في خدمات البلوك تشين وتوسيع البنية الرقمية

في القطاع التجاري، وقعت شركة الاتصالات السعودية STC اتفاقية مع شركة ConsenSys، بهدف تسريع استخدام حلول البلوك تشين في خدماتها، وتتيح هذه الاتفاقية تقليل التكاليف المرتبطة بتجربة النماذج الأولية والاختبارات، ما يشجع الشركات والهيئات الحكومية على تبني التقنية ضمن عملياتها التشغيلية.

مشروع "عابر Aber".. تعاون سعودي إماراتي

وفي القطاع المصرفي، أطلق البنك المركزي السعودي بالشراكة مع مصرف الإمارات المركزي مشروع "عابر"، لتجربة إصدار عملة رقمية مدعومة بتقنية البلوك تشين لاستخدامها في التسويات العابرة للحدود.

ويعتمد المشروع على تقنية "دفتر الحسابات الموزع" (Distributed Ledger)، ويقتصر حاليًا على التسويات المالية بين الجانبين، مع بقاء موعد الإطلاق الرسمي قيد التقييم.

ويعكس هذا التعاون بين السعودية والإمارات مدى جدية الدولتين في المضي قدمًا نحو رقمنة المعاملات المالية، خاصة في ظل ريادة الإمارات العربية المتحدة إقليميًا في مجالات البلوك تشين والعملات الرقمية.

جاهزية السوق وتوجه استراتيجي للمستقبل

ورغم أن البنية التحتية لتقنية البلوك تشين في المملكة ما زالت قيد التطوير، إلا أن هناك التزامًا حكوميًا واضحًا بتهيئة بيئة تنظيمية محفزة، وتشجيع القطاعين العام والخاص على الاستكشاف والتبني التدريجي للتقنية.

وتعتبر هذه الجاهزية عنصرًا حاسمًا في جذب الاستثمارات النوعية، ودفع عجلة الابتكار، وتعزيز مكانة السعودية كأحد أبرز اللاعبين في هذا المجال على المستوى العربي والإقليمي.

استثمار في التقنية، استثمار في المستقبل

في ظل توقعات بتخطي حجم السوق حاجز 100 مليار ريال خلال السنوات القليلة المقبلة، تتحول تقنية البلوك تشين من كونها أداة رقمية ناشئة إلى فرصة استثمارية واعدة في صميم الاقتصاد الرقمي السعودي.

ومع تزايد المبادرات الحكومية، ودعم الجهات التنظيمية، واهتمام الشركات المحلية والعالمية، يبدو أن المملكة ماضية بخطى واثقة نحو ترسيخ موقعها كقوة رائدة في عالم البلوك تشين والتحول الرقمي.