الجمعة، 20 يونيو 2025

05:02 ص

عصر البنوك بلا موظفين، بين التحول التكنولوجي ومأزق الوظائف

الخميس، 19 يونيو 2025 11:36 م

البنوك الرقمية

البنوك الرقمية

لم تكن تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، مجرد إشارة عابرة إلى توظيف الذكاء الاصطناعي في الإدارة المالية، بل حملت دلالات أعمق حول إعادة صياغة العلاقة بين رأس المال البشري والتكنولوجيا. 

جيروم باول

ففي وقت تتهيأ فيه المؤسسات المالية لحقبة جديدة، يبدو أن الاحتياطي الفيدرالي اختار أن يكون في طليعة هذا التحول، معلنًا صراحة أن جزءًا من موظفيه سيُعاد توجيههم أو ربما الاستغناء عنهم، تماشيًا مع أدوات الذكاء الاصطناعي.

هذا التصريح يحمل أبعادًا اقتصادية مركبة، تبدأ من إعادة توزيع الموارد داخل البنك المركزي، ولا تنتهي عند حدود سوق العمل الأوسع، الذي بات يتأثر بشكل مباشر بتقنيات لم تكتفي بأتمتة المهام، بل باتت تشارك في اتخاذ القرار وتحليل المعطيات.

اقرأ أيضًا:

البنوك الرقمية، ثورة مالية تكسب 16 مليار دولار في 2025 وتستعد للانفجار

هل الوظائف الإدارية في خطر؟

التحول نحو الأتمتة لم يعد افتراضًا أكاديميًا، بل حقيقة ملموسة تدعمها الأرقام، كما أن نحو 30% من الوظائف المصرفية في الولايات المتحدة معرضة للأتمتة خلال العقد المقبل، ويعني ذلك أن الوظائف التي تتسم بالتكرار أو تعتمد على معايير وإجراءات ثابتة، باتت على رأس قائمة المهددين بالإلغاء أو التبديل.

لكن في المقابل، يشهد السوق طلبًا متزايدًا على وظائف أكثر تخصصًا، مثل تحليل البيانات، تطوير البرمجيات، وإدارة أنظمة الذكاء الاصطناعي، وهنا يظهر التحدي الأبرز، هل تستطيع الحكومات والمؤسسات مواكبة هذا التحول من خلال تدريب الكوادر البشرية؟ أم أن الفجوة الرقمية ستُعمق فجوة البطالة؟

التكنولوجيا المالية

الاقتصاد الرقمي يفرض أولوياته

لا يمكن فصل هذا التوجه عن التحولات الهيكلية التي يشهدها الاقتصاد العالمي، حيث تتقدم الرقمنة كأولوية في صياغة استراتيجيات النمو، فالذكاء الاصطناعي، يمتلك إمكانات تحويلية، ما يعني أنه قادر على تغيير نماذج العمل بالكامل وليس فقط تحسينها.

في بيئة تتسم بالتقلبات الجيوسياسية والمالية، يصبح امتلاك أدوات تحليل سريعة ودقيقة أمرًا حاسمًا، ومن هنا تتسابق المؤسسات المالية نحو تبني تكنولوجيا تُتيح اتخاذ قرارات في أجزاء من الثانية، دون المرور بسلسلة طويلة من الإجراءات البشرية، وهذا ما قد يفسر أيضًا لماذا تُعتبر تصريحات باول بمثابة نقطة انعطاف قد تحتذي بها بنوك مركزية أخرى في أوروبا وآسيا.

اقرأ أيضًا:

استخدامات «البلوك تشين» في الاقتصاد الرقمي والصناعة والخدمات (انفوجراف)

من الموظف إلى المُشغل الرقمي

التغيرات لا تقف عند تقليص عدد الموظفين، بل تمتد إلى إعادة تعريف الأدوار، فالموظف في النظام المالي الجديد لم يعد ذلك الشخص الذي يُدخل البيانات أو يُراجع التقارير، بل أصبح مسؤولاً عن تشغيل الأنظمة الذكية، مراقبتها، تفسير نتائجها، وضمان موثوقيتها.

هذا التحول يتطلب مهارات جديدة بالكامل، أبرزها التفكير التحليلي، البرمجة، وفهم معمق للخوارزميات، وهنا تتضح الحاجة إلى سياسة وطنية لإعادة تأهيل القوى العاملة، حتى لا تظل الفجوة بين التكنولوجيا والبشر تتسع إلى حد يُهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

البنوك الرقمية

فرص واعدة ولكن بشروط

يمكن القول إن تصريحات باول لم تكن سوى رأس جبل الجليد لما يُمكن أن يشهده العالم المالي خلال السنوات المقبلة، فالذكاء الاصطناعي سيستمر في التغلغل داخل الأنظمة النقدية، حاملاً معه فرصًا ضخمة لتعزيز الكفاءة والسرعة وتقليل الأخطاء، لكنه في الوقت نفسه يُطلق أجراس الإنذار بشأن مصير ملايين الوظائف.

الرهان اليوم ليس فقط على التكنولوجيا، بل على قدرة الدول على إدارة هذا التحول دون التضحية بالأمان الوظيفي، ودون أن يتحول التحول الرقمي إلى معول لهدم الطبقة الوسطى في المجتمعات الحديثة.

هل البنوك بلا موظفين؟ الإجابة ليست بنعم أو لا، بل في قدرتنا على تحويل الموظف إلى شريك رقمي، وتحويل الذكاء الاصطناعي من بديل إلى مكمل للعنصر البشري.

Short Url

search