«الهجرة العكسية للعقول».. كيف تُهدد حملة ترامب الجامعات الأمريكية وتعيد تشكيل خريطة التعليم العالمي؟
السبت، 31 مايو 2025 01:18 م

ترامب والجامعات
عندما تُغلق النوافذ في واشنطن، تُفتح الأبواب في طوكيو، وبرلين، وسنغافورة، وتلك ليست مجرد مجازفة بلاغية، فواقع جديد تُعيد فيه حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القمعية على الجامعات رسم خريطة الجذب الأكاديمي عالميًا.
إذ بينما تُضيق الولايات المتحدة الخناق على المؤسسات التعليمية والطلاب الأجانب، تتحرك دول من الشرق إلى الغرب، لاقتناص الفرصة التاريخية، واستقطاب العقول التي كانت يومًا تحلم بأمريكا.

التعليم من الحلم الأمريكي إلى المنفى الطوعي
ولطالما كانت الجامعات الأمريكية، من هارفارد إلى ستانفورد، منارات تُضيء طريق المتميزين من مختلف أنحاء العالم، لكنها اليوم تتحول بفعل قرارات إدارية متشددة إلى بيئة طاردة، لا لضعف أكاديمي، بل لحصار سياسي ومالي.
إلغاء تأشيرات، تخفيض تمويل، ووصم النخبة العلمية بالعداء لأمريكا، قرارات متتالية حولت الحلم الأمريكي إلى كابوس إداري، لا سيما بالنسبة للطلاب الصينيين الذين يُمثلون الشريحة الأكبر من الطلاب الأجانب، وأكثر من 275 ألف طالب ضختهم الصين في الجامعات الأمريكية، مولدين مليارات الدولارات في عوائد التعليم العالي، بالإضافة إلى فرصٍ إستراتيجية لشركات التكنولوجيا الأمريكية الباحثة عن أفضل الكفاءات.
اقرأ أيضًا:
جامعات أمريكية تُحذر الطلاب الأجانب من حملة ترامب على المهاجرين
حرية التعبير في خطر؟ الذكاء الاصطناعي يهدد مستقبل آلاف الطلاب الأجانب في أمريكا

أسيا وأوروبا تستعدان لنقل العرش
المعادلة واضحة، ما تخسره أميركا من طلاب، تحصده جامعات أسيوية وأوروبية برحابة صدر وسرعة بديهة، فاليابان أعلنتها صراحة، نريد 400 ألف طالب أجنبي خلال عقد.
جامعة أوساكا بدأت بمنح وإعفاءات وإجراءات انتقال مرنة للطلاب الأمريكيين المتضررين، فيما جامعتا كيوتو وطوكيو، تستعدان بخطط مماثلة، أما الصين فدخلت السباق من الباب الأوسع، حين ناشدت جامعة شيان جياوتونج طلاب هارفارد بالانتقال، ملوحة بقبول مُبسط ودعم شامل بلغة ناعمة لكنها تحمل نوايا جريئة.
هونغ كونغ، التي لطالما اتُّهِمت بالانغلاق، أعلنت فتح جامعاتها للطلاب الدوليين بعد القرار الأمريكي بحق هارفارد، لتصبح لاعبًا صاعدًا في سوق التعليم الدولي، أما في أوروبا، فـفرنسا وألمانيا وأيرلندا تتقدم كبدائل منطقية، وليس فقط لتقارب جغرافي وثقافي مع طلاب الاتحاد الأوروبي، بل بسبب استقرار تشريعي يجعل الدراسة هناك أكثر أمانًا من مغامرة غير محسوبة في أمريكا ما بعد ترامب.

التكلفة الاقتصادية.. 50 مليار دولار على المحك
ووفقًا لوزارة التجارة الأمريكية، تجاوزت مساهمة الطلاب الدوليين في الاقتصاد الأمريكي حاجز الـ50 مليار دولار في عام 2023م، نصفهم من الهند والصين، ولا يعبر هذا الرقم فقط عن رسوم جامعية وسكن ومصاريف معيشة، بل عن منظومة متكاملة من البحث العلمي، والتطوير، وبراءات الاختراع.
لكن الصورة تزداد قتامة، من انخفاض بنسبة 17.6% في زيارات الطلاب، إلى دليل الدراسة في أمريكا بحسب شركة كيو إس، وتراجع الاهتمام الهندي بأكثر من 50%، ولذلك هناك تحذيرات من هجرة أدمغة قد لا تُعوض، لأن السمعة الأكاديمية، تُبنى خلال عقود، وقد تنهار في بضعة قرارات.
اقرأ أيضًا:
الكنز الأكاديمي ينفلت من أصابع أمريكا، جامعات العالم تستقطب الطلاب بمنح وإعفاءات
الجهل قادم من البيت الأبيض، قرار جديد يهدد مليارات الجامعات ويفرّغها من العقول
الضرر الأخطر.. السمعة قبل الدولار
إن تأثير السياسات التعليمية، يظهر خلال 6 إلى 18 شهرًا، لكن الضرر في السمعة قد يدوم لسنوات، والمعادلة قاسية، فالطلاب لا يطلبون فقط جودة التعليم، بل يبحثون عن بيئة مستقرة، مثل المستقبل المهني، وحقهم في الحلم دون قلق من التأشيرة أو السياسة، وبينما تُراهن أمريكا على الانغلاق، تُراهن الجامعات حول العالم على الانفتاح المدروس وقد تكون الرابحة.

الفرصة الذهبية للجامعات الدولية
والعالم الآن أمام لحظة تحول تاريخية، فالتعليم العالي يتحرك من مركزه الأمريكي التقليدي، إلى فضاء عالمي جديد يتوزع بين الشرق الأسيوي وأوروبا الوسطى، ومن يستثمر في هذا التحول اليوم، سيقطف غدًا ليس فقط رسومًا جامعية، بل عقولًا مبتكرة، وأفكارًا تغير العالم.
وهكذا، من رحم حملة قمعية، تولد ثورة أكاديمية صامتة.. بطلتها، الهجرة العكسية للعقول.
Short Url
"بنتائج مالية إيجابية واستحواز للقطاع الخاص" أحدث التطورات الاقتصادية الأخيرة بمصر
01 يونيو 2025 08:52 م
أين تكمن المشكلة؟، 35% من مشاريع الذكاء الاصطناعي تفشل بسبب تكاليف غير متوقعة
01 يونيو 2025 03:00 م
قمة G7 على الأبواب، الدول تجهز نفسها لمواجهة اقتصادية حامية
01 يونيو 2025 01:39 م


أكثر الكلمات انتشاراً