نورهان محمد يوسف تكتب.. لماذا ينخفض سعر الدولار أمام الجنيه المصري؟
الأحد، 25 مايو 2025 11:27 م

الجنيه المصري في مواجهة الدولار
نورهان محمد يوسف - باحث ماجستير - الجنيه المصري في مواجهة الدولار
شهد الجنيه المصري خلال الأيام القليلة الماضية ارتفاعًا ملحوظًا في قيمته أمام الدولار الأمريكي، إذ تراجع سعر الدولار إلى ما دون 49.8 جنيهًا لأول مرة منذ ستة أشهر، بعدما كان قد تجاوز حاجز 51 و52 جنيهًا.
فما الذي يحدث تحديدًا؟ وهل يُعزى هذا التحسن إلى تحسن حقيقي في الاقتصاد المصري، أم إلى تراجع في أداء الاقتصاد الأمريكي نتيجة قرارات سياسية مؤثرة؟
في الواقع، يُمكن القول إن هناك مجموعة من العوامل المتزامنة على المستويين المحلي والدولي تسهم في هذا التغير. ويتضح من البيانات والتقارير أن هناك تحسنًا نسبيًا في المؤشرات الاقتصادية الكلية لمصر، تزامن مع تراجع ملحوظ في أداء الدولار عالميًا.

أولًا: العوامل المحلية الداعمة للجنيه المصري
- ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي: أعلن البنك المركزي المصري مؤخرًا أن صافي الاحتياطات الدولية ارتفع إلى نحو 48.14 مليار دولار، مقارنة بنحو 33 مليار دولار قبل أشهر قليلة، وهو مستوى يُعد من الأعلى في تاريخ الاقتصاد المصري.
- زيادة تحويلات العاملين بالخارج: ساهم قرار تعويم الجنيه في مارس 2024 في زيادة تحويلات المصريين بالخارج بنسبة تُقدّر بـ 72.4%، نتيجة لتوحيد سعر الصرف الرسمي والموازي، ما شجع المغتربين على التحويل عبر القنوات الرسمية، وعزز من تدفق العملة الأجنبية للبنوك المصرية.
- نمو الصادرات وتقليص العجز التجاري: ارتفعت الصادرات المصرية غير البترولية بنسبة 27.4% خلال أول أربعة أشهر من عام 2025، لتسجل نحو 16.7 مليار دولار. وقد أدى ذلك إلى تقليص عجز الميزان التجاري بنسبة 28.3% على أساس سنوي، ما يعكس تحسنًا في القدرة الإنتاجية والتنافسية للمنتجات المصرية.
- المشروعات الزراعية القومية: أطلقت الدولة عددًا من المشروعات الزراعية الكبرى مثل "مدينة مستقبل مصر الزراعية"، والتي ساهمت في زيادة المساحات المزروعة من القمح لتتجاوز 3 ملايين فدان، محققة إنتاجًا قياسيًا بلغ 10 ملايين طن. ومن المتوقع أن تدر هذه المدينة ما يقارب مليار دولار سنويًا من صادرات المنتجات الزراعية.

- تطورات قطاع الصناعة: شهد قطاع الصناعة تطورًا ملموسًا من خلال توطين صناعات استراتيجية، خاصة في مجال السيارات، حيث بدأت مصانع مصرية في إنتاج سيارات بالتعاون مع علامات تجارية عالمية مثل "شانجان"، "جيلي"، و"جيتور"، مع استعداد شركات مثل "MG" و"بايك" للانضمام. كما شهد قطاع الإلكترونيات استثمارات مباشرة، مثل إعلان شركة "أوبو" عن إقامة ثاني أكبر مركز صناعي لها في مصر باستثمارات تُقدّر بـ30 مليون دولار.
- التعاون الاقتصادي مع الصين: دخلت مصر في مفاوضات متقدمة مع الصين لإنشاء أول بنك صيني في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ضمن خطة لإنشاء أكثر من 1000 مصنع صيني في مصر خلال السنوات الخمس المقبلة. من شأن هذه الخطوة تعزيز العلاقات التجارية الثنائية وتخفيف الاعتماد على الدولار في التعاملات الدولية.
- خفض الاعتماد على التمويل الخارجي: أعلن رئيس الوزراء المصري رسميًا أن الدولة لن تحتاج إلى برامج دعم إضافية من صندوق النقد الدولي، في إشارة إلى التوجه نحو الاعتماد على الموارد الذاتية وزيادة معدلات النمو المحلي.

- تحسن بعض المؤشرات الكلية: انخفضت الديون الخارجية من 168 مليار دولار إلى حوالي 154 مليار دولار، كما تراجعت معدلات التضخم من 38% إلى نحو 13% خلال فترة وجيزة، وفق تصريحات محافظ البنك المركزي.
ثانيًا: العوامل الدولية المؤثرة على أداء الدولار
- تراجع الثقة في الاقتصاد الأمريكي: منذ بداية عام 2025، انخفضت قيمة الدولار الأمريكي بنسبة تقارب 7% أمام سلة العملات العالمية، وفق تقارير "بلومبرج". ويُعزى ذلك جزئيًا إلى قرارات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي شملت فرض تهديدات تجارية ضد الاتحاد الأوروبي، وفرض رسوم مرتفعة على الشركات الكبرى مثل "أبل"، ما أثار قلق المستثمرين بشأن استقرار الاقتصاد الأمريكي.
- موجة هروب رؤوس الأموال: تسببت التوترات السياسية والتجارية في الولايات المتحدة في تحويل جزء من استثمارات المحافظ العالمية نحو أصول أكثر أمانًا مثل الذهب، الذي عاد إلى الارتفاع بعد هبوط مؤقت، ما ساهم في إضعاف الطلب على الدولار.

- تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة: للمرة الأولى، قامت وكالة "موديز" بتخفيض التصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة من "Aaa" إلى "Aa1"، نتيجة لتصاعد الدين العام وزيادة تكلفة خدمة الديون، وهو ما يعد مؤشرًا سلبيًا على المدى المتوسط.
- توقعات البنوك العالمية: أشارت مؤسسات مالية كبرى مثل "مورجان ستانلي" و"جي بي مورجان" إلى دخول الدولار في مرحلة من التراجع الهيكلي، مع توقعات بانخفاض إضافي نسبته 10% خلال العام الجاري.
الخلاصة:
تشير المؤشرات الاقتصادية إلى أن التحسن النسبي في أداء الجنيه المصري مدفوع بمزيج من العوامل المحلية الإيجابية، مثل زيادة الاحتياطي النقدي وتحسن الميزان التجاري، فضلًا عن استقرار السوق النقدية، إلى جانب ضعف في أداء الدولار عالميًا بسبب عوامل سياسية واقتصادية داخل الولايات المتحدة.
رغم ذلك، فإن استكمال مسار التعافي الاقتصادي المصري يتطلب استمرار الإصلاحات الهيكلية، وتعزيز الإنتاج المحلي، وضبط الأسواق، والتصدي للتحديات الاجتماعية والمالية المستمرة، لضمان استدامة الاستقرار النقدي والاقتصادي على المدى الطويل.
أقرأ أيضًا:
نورهان محمد يوسف تكتب.. “تعزيز الاندماج المجتمعي للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة رؤية استراتيجية لتحقيق تكافؤ الفرص”
Short Url
ليه أول ما الفائدة بتقل الناس بتجري على العقار؟
24 مايو 2025 02:59 م
أمين صالح يكتب.. اقتصاد مصر، نعم الأرقام تكذب حين تبطيء الحكومة
03 مايو 2025 02:16 م
محمد فؤاد يكتب: جهاز حماية المنافسة: ماذا كشف المؤتمر السنوي الثاني؟
29 أبريل 2025 10:40 ص


أكثر الكلمات انتشاراً