الأحد، 11 مايو 2025

08:11 ص

نورهان محمد يوسف تكتب.. "تعزيز الاندماج المجتمعي للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة رؤية استراتيجية لتحقيق تكافؤ الفرص"

السبت، 10 مايو 2025 12:20 ص

نورهان محمد يوسف باحث مشترك

نورهان محمد يوسف باحث مشترك

نورهان محمد يوسف باحث مشترك - رؤية أستراتيجية لتحقيق تكافؤ الفرص 

في إطار الرؤية الاستراتيجية لجمهورية مصر العربية 2030، التي ترتكز على مبدأ "عدم تخلّف أحد عن الركب"، يُطرح تحدٍ جوهري يتمثل في تحقيق الاندماج المجتمعي الكامل للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ضمن البنية الاجتماعية للدولة. وعلى الرغم من التقدّم الملحوظ في المجال التشريعي والمبادرات الرئاسية ذات الصلة، مثل قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018، ومبادرة "حياة كريمة"، فإن البيانات الميدانية تشير إلى وجود فجوة ملموسة بين الإطار القانوني والتطبيق الفعلي على أرض الواقع. ووفقًا لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (2023)، يُقدّر عدد الأطفال ذوي الإعاقة في مصر بحوالي 2.8 مليون طفل، أي ما يمثل نحو 10% من إجمالي عدد الأطفال. ومع ذلك، لا تتجاوز نسبة من يحصلون على فرص التعليم النظامي منهم 34%، بحسب ما ورد في تقرير المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة.

   تُخفي الأرقام السابقة خلفها واقعًا مؤلمًا يتجسّد في آلاف الأطفال ذوي القدرات الاستثنائية الذين تُعيقهم يوميًا حواجز مجتمعية وإدارية عن التعبير عن إمكاناتهم الحقيقية. فكل رقم ضمن تلك الإحصاءات يُمثل حالة فردية قد تحمل بذور التميز: عالمًا واعدًا، فنانًا مبدعًا، أو رائد أعمال ناشئ؛ لولا غياب البيئة الداعمة التي تتيح لهم فرصة الانطلاق. ومن ثمّ، فإن القضية لا تندرج فقط ضمن إطار الحماية والرعاية الاجتماعية، بل تمثل تحديًا تنمويًا جوهريًا يرتبط بتوظيف الطاقات البشرية غير المستثمرة على نحو فعّال. 

وعليه، تبرز إشكالية مركزية تتمثل في كيفية الانتقال من منطق "الرعاية" إلى تبني فلسفة "الاستثمار في الإنسان". كيف يمكن للمجتمع أن يُعيد تشكيل رؤيته لهؤلاء الأطفال، لا باعتبارهم عبئًا اقتصاديًا أو اجتماعيًا، بل كقيمة مضافة وثروة وطنية كامنة؟

  1. ينطلق هذا المقال من تصور عملي يستند إلى ثلاث دعائم أساسية:
  2. تحويل التحديات إلى فرص تنموية قابلة للتنفيذ،
  3. إعادة تعريف مفهوم التكلفة بوصفها استثمارًا مستقبليًا في رأس المال البشري،
  4. تطوير نموذج مصري متكامل للدمج المجتمعي، مستلهم من التجارب الدولية الرائدة، مع مراعاة السياق الثقافي والاجتماعي المحلي.

أولا : الوضع الراهن 

  1. التحديات الاجتماعية :

الوصمة المجتمعية والنظرة الدونية التي تختزل قدراتهم في إعاقتهم. فوفقًا لمسح المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة (2023)، يعاني 65% من الأسر من تردد في إشراك أطفالهم في الأنشطة العامة خوفًا من التنمر أو العزلة. كما تُظهر بيانات وزارة التضامن الاجتماعي أن 48% من الأطفال ذوي الإعاقة في القرى الريفية محرومون من التفاعل الاجتماعي الأساسي بسبب نقص الوعي الأسري.

تتفاقم هذه المشكلة مع غياب السياسات التوعوية الفعّالة، حيث تُركّز معظم الحملات على الشفقة بدلًا من تمكين هذه الفئة. بالإضافة إلى ذلك، يُعاني الأهالي من ضغوط اقتصادية ونفسية جراء ارتفاع تكاليف الرعاية وندرة المراكز التأهيلية، ما يدفع بعضهم إلى إخفاء أطفالهم عن المجتمع. هذه العوامل مجتمعةً تُنتج حلقة مفرغة من الإقصاء، تُهدر طاقات أطفال قادرين على الإسهام في التنمية لو توفرت لهم البيئة الداعمة.

  1. التحديات المؤسسية:

تواجه مؤسسات الدولة والقطاع الخاص تحديات هيكلية تعيق تحقيق الدمج الشامل للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، أبرزها:

  • نقص البنية التحتية الدامجة:

70% من المدارس الحكومية غير مجهزة لاستقبال الطلاب ذوي الإعاقة الحركية (وزارة التعليم، 2023).

95% من المواصلات العامة غير متاحة لذوي الكراسي المتحركة (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء).

  • قصور في الكوادر المدربة:

3% فقط من المعلمين في المدارس الحكومية حاصلون على تدريب كافٍ في التعليم الدامج (المجلس الأعلى للجامعات).

  • نقص حاد في الأخصائيين النفسيين والتأهيليين، حيث تصل نسبة طبيب نفسي واحد لكل 10,000 طفل في المحافظات النائية (وزارة الصحة).
  1. رغم وجود إطار تشريعي متقدم في مصر يتمثل في القانون رقم 10 لسنة 2018 والاستراتيجية الوطنية للإعاقة 2030، والذي يعد من أكثر التشريعات تطوراً في المنطقة، إلا أن التقارير الرسمية تشير إلى وجود فجوة بين النصوص القانونية والتطبيق العملي. فبحسب تقرير المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2023، فإن نسبة تنفيذ بعض بنود القانون لا تتجاوز 55%، مما يستدعي تعزيز آليات المتابعة والرقابة

وتبرز أهم التحديات في ضعف التنسيق بين الجهات المعنية، حيث تشير البيانات إلى أن 65% فقط من المحافظات تم ربطها بالمنظومة الإلكترونية الموحدة حتى الربع الأول من 2024. كما أن بعض اللوائح التنفيذية ما زالت تحتاج إلى مراجعة لتتوافق تماماً مع روح القانون، حيث تم إنجاز 40% فقط من هذه المراجعات حسب خطة عمل المجلس.

ومن الجدير بالذكر أن الدولة تبذل جهوداً ملموسة لمعالجة هذه التحديات، حيث زادت المخصصات المالية لبرامج الدمج بنسبة 15% في موازنة 2023/2024، وتم تشكيل لجان رقابية مشتركة قامت بزيارة 1200 منشأة للتحقق من التزامها بالمعايير. هذه الخطوات تعكس إرادة حقيقية لتحقيق التكامل بين الجانب التشريعي والتنفيذي، مع التركيز على التطوير المستمر للآليات التي تضمن تفعيل هذه التشريعات على أرض الواقع.

ثانيًا: واقع تطوير تربية الاطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بمرحلة رياض الأطفال في ظل سياسة الدمج

  1. محدودية انتشار الدمج في رياض الأطفال المصرية:

على الرغم من المكاسب المحتملة لنظام الدمج، فإن تطبيقه في مرحلة رياض الأطفال بمصر لا يزال في مراحله الأولية. تشير البيانات الرسمية للعام الدراسي 2017/2018 إلى وجود 132 روضة فقط تطبق نظام الدمج من إجمالي 11,524 روضة على مستوى الجمهورية، منها 9,141 روضة حكومية و2,383 روضة خاصة. وتكشف هذه الأرقام أن نسبة الروضات الحكومية المطبقة للدمج لا تتجاوز 1.15% من إجمالي رياض الأطفال، مما يؤكد الحاجة الملحة للتوسع في هذا النظام وتعميمه على جميع المحافظات.

  1. تفوق نظام الدمج في جذب الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة:

تظهر الإحصاءات تفوقاً واضحاً لنظام الدمج في استقطاب الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة مقارنةً بالتعليم المنعزل. فقد بلغ عدد الأطفال المدمجين 252 طفلاً مقابل 120 طفلاً فقط في رياض الأطفال المتخصصة التابعة لمدارس وفصول التربية الخاصة خلال نفس العام الدراسي. وهذا التفاوت الكبير (أكثر من الضعف) يثبت أن نظام الدمج يوفر فرصاً أفضل للأطفال للالتحاق بالتعليم في البيئات الطبيعية القريبة من منازلهم، مما يحقق مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية مع أقرانهم من الأطفال العاديين.

  1. الفجوة بين الالتزامات الدولية والواقع التربوي:

بالرغم من تصديق مصر على المواثيق الدولية والإقليمية الداعية لحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أن النظام التعليمي لم يحقق بعد شعارات المساواة والمشاركة الكاملة. حيث لا تزال مدارس التربية الخاصة المنعزلة تشكل النموذج السائد في رعاية هذه الفئة، كما أشارت سعاد بسيوني (1996). ويعود ذلك لعدة عوامل، منها:

  1. التردد في تبني سياسة الدمج: حيث ينقسم الرأي بين مؤيدين يفتقرون للدعم التشريعي والموارد الكافية، ومعارضين يشككون في جدواه بسبب نقص الأدلة التجريبية على فعاليته، كما أشارت رشا جمال نور الدين الليثي (2009) وآخرون.
  2. استمرار الأساليب التقليدية: حيث تعتمد مصر بشكل رئيسي على نظام العزل من خلال مؤسسات الإقامة الداخلية أو المدارس النهارية الخاصة، مما يحرم فئات كبيرة من ذوي الاحتياجات الخاصة من حقهم في التعليم الشامل، كما أكدت سعاد بسيوني (1996).

تشير هذه المؤشرات إلى أن مصر ما زالت في بداية الطريق نحو تحقيق نظام تعليمي دامج حقيقي في مرحلة الطفولة المبكرة. ويتطلب تجاوز هذه التحديات إرادة سياسية حقيقية، وزيادة المخصصات المالية، وتطوير التشريعات، وبناء قدرات الكوادر التعليمية، إلى جانب تغيير الثقافة المجتمعية تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة. فقط من خلال معالجة هذه الجوانب بشكل متكامل يمكن تحقيق مبدأ التربية للجميع بمعناه الحقيقي.

ثالثًا: أنواع الدمج في مرحلة رياض الأطفال ( الأساليب والتطبيقات الحديثة) 

  1.  الدمج التربوي (الأكاديمي):

يعتبر الدمج التربوي حجر الزاوية في تعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يتمثل في إلحاقهم بالفصول العادية مع توفير دعم تعليمي متخصص. ويقوم هذا النموذج على:

  -    تعديل المناهج والاستراتيجيات التعليمية لتناسب القدرات المتنوعة للأطفال.

  -    مسؤولية مشتركة بين معلم الفصل العادي واختصاصي التربية الخاصة.

  -    تقييم فردي يراعي الفروق الفردية في الأداء الأكاديمي.

ويتمثل الدمج التربوي في مجموعة من النماذج التكاملية التي تتنوع وفقاً لطبيعة الاحتياجات الفردية للأطفال ودرجة إعاقتهم. يأتي في مقدمة هذه النماذج الدمج الكلي (Full Inclusion) الذي يقوم على إلحاق الأطفال ذوي الإعاقات البسيطة بشكل كامل في الفصول العادية، مع توفير خدمات الدعم المتخصصة داخل الصفوف بما يتناسب مع نوع ودرجة الإعاقة، وذلك وفقاً لتوجيهات وزارة التربية والتعليم (2016). 

بينما يُطبق الدمج الجزئي (Partial Inclusion) في الحالات التي تتطلب تدخلاً تربوياً أكثر تخصصاً، حيث يشارك الطفل في الأنشطة الصفية العادية لفترات محددة، بينما يحصل على تعليم مكثف في بيئات خاصة خلال باقي اليوم الدراسي. وتشمل أشكال الدمج التربوي أيضاً نماذج الدعم المصاحبة التي تهدف إلى تعزيز فرص التعلم، ومن أبرزها فصول الموارد التي توفر جلسات تعليمية فردية أو لجماعات صغيرة، ونظام المعلم المتجول الذي يقوم على تقديم الدعم التخصصي داخل الفصل العادي، بالإضافة إلى نموذج التعليم التعاوني الذي يعتمد على الشراكة المهنية بين معلم الفصل العادي واختصاصي التربية الخاصة. وتعمل هذه النماذج المتكاملة على تحقيق التوازن بين متطلبات المنهاج العام والاحتياجات الفردية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

  1. الدمج الاجتماعي: 
  • المشاركة في الأنشطة الجماعية (فنية، رياضية، ترفيهية)
  • تعزيز القبول الاجتماعي بين الأطفال وأسرهم
  • برامج التوعية لمكافحة التنمر وتعزيز التعاطف

تتعدد التطبيقات الاجتماعية للدمج في رياض الأطفال، حيث تشمل أنماطاً صفية فعالة كالتنظيم الجماعي مع تكييف المهام، والمجموعات التعاونية لتعزيز تعلم الأقران، والتوجيه الفردي حسب القدرات. كما تبرز استراتيجيات ناجحة كنظام "الصديق المساعد" واللعب الموجه والقصص الاجتماعية. وتواكب التطورات الحديثة هذه الممارسات عبر دمج التقنيات المساعدة، وبرامج التدخل المبكر، وشراكة الأسر في وضع الخطط التعليمية الفردية، مع تأهيل المعلمات. وتؤكد الدراسات أن الدمج الشامل (أكاديمي واجتماعي) يحقق أفضل النتائج في الطفولة المبكرة، شريطة توفر البيئة الداعمة والموارد الكافية.

رابعًا : نموذج للدول التي تتبني سياسية دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة 

انطلاقاً من مبدأ المساواة الذي باتت تحرص عليه العديد من دول العالم والمجتمعات المختلفة كان الاتجاه نحو سياسة الدمج وسياسة التكامل، وذلك بعد أن اتضح للمعنيين مدى الحاجة إلى تطبيق مبدأ الدمج في سبيل تحقيق التوازن والتكافؤ بين أفراد المجتمع (مازرك ومارجريت، ١٩٩٩ (٦٦).

لذا بعد التوجه نحو دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس العادية أحد أهم التطورات التي شهدها ميدان التربية الخاصة في دول العالم المختلفة، وخاصة الدول المتقدمة، ومن الدول التي طبقت فكرة الدمج الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا السويد الترويج، بولندا وألمانيا حيث استطاعت تلك الدول أن تكفل عوامل نجاح تجربة الدمج، والتي تتمثل في تحديد الفئات التي يمكن لها الاستفادة من برامج الدمج، وتوفير التسهيلات والأدوات اللازمة لإنجاح فكرة الدمج، إعداد الإدارة المدرسية والآباء والأمهات لتقبل فكرة الدمج، تحديد شكل الدمج المراد تنفيذه الاعتماد على الأساس القانوني في قضية الدمج، وأخيراً وضع معايير التقييم فكرة الدمج من حيث نجاحها أو فشلها، وذلك بصفة مستمرة ( عبد الرحمن إبراهيم حسين، ۲۰۰۳، ۱۰۳-١٠٤).

الخاتمة والتوصيات:

في ضوء الخبرات الدولية الرائدة والدراسات السابقة في مجال دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بمرحلة رياض الأطفال، يمكن صياغة مجموعة من التوصيات الاستراتيجية لتعزيز هذا النهج التربوي:

أولاً: يتطلب تطبيق الدمج الفعال تحديداً دقيقاً لمتطلباته الأساسية، بدءاً من تخصيص ميزانيات حكومية كافية لتغطية تكاليف التجهيزات والبرامج التدريبية، وصولاً إلى تعزيز التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني لتغيير الصور النمطية وبناء ثقافة مجتمعية دامجة.

ثانياً: يجب التركيز على التطوير المهني المستمر للقائمين على العملية التعليمية، من خلال متابعة أحدث المستجدات العالمية في مجال التربية الدامجة، وإجراء بحوث تقويمية دورية للوقوف على نقاط القوة وتعزيزها، مع معالجة التحديات التي تواجه التطبيق العملي.

ثالثاً: تشير الأدلة العلمية إلى أهمية البدء المبكر بالدمج في مرحلة رياض الأطفال، مما يستدعي توفير قواعد بيانات دقيقة تسهم في التخطيط السليم، وربط نتائج الأبحاث العلمية بالممارسات التربوية اليومية.

أخيراً، ينبغي إدراج خطة زمنية واضحة في الاستراتيجيات الوطنية لتعميم الدمج تدريجياً في جميع رياض الأطفال على مستوى الجمهورية، مع وضع آليات للمتابعة والتقييم المستمر لضمان تحقيق الأهداف المنشودة.

أقرأ أيضًا: 

الإعلام الرقمي في عصر الذكاء الاصطناعي: ملامح التحول ومستقبل التأثير

Short Url

showcase
showcase
search