بين الابتكار والضغوط الاقتصادية، تايوان تُثبت مكانتها في السباق العالمي للذكاء الاصطناعي
الإثنين، 19 مايو 2025 11:06 ص

تايوان
تحليل/ ميرنا البكري
ما حدث في معرض Computex 2025 لم يكن مجرد عرض تقني، بل كان استعراضاً حقيقياً لقوة التكنولوجيا وتطورها، ورسالة واضحة من تايوان للعالم بأكمله: “ما زلنا هنا، ولا يزال لنا دور رئيسي في تشكيل تكنولوجيا المستقبل.”، تعلن إنفيديا (عملاق الذكاء الاصطناعي)، أول "سوبر كمبيوتر للذكاء الاصطناعي" في تايوان، بالتعاون مع عمالقة مثل TSMC وفوكسكون (شركات تصنع أشباه الموصلات والإلكترونيات).
لكن في الخلفية، هناك تحدي ضخم يسمى الرسوم الجمركية الأمريكية يهدد مستقبل هذه الصناعة بالكامل.

إنفيديا تلعبها بذكاء، الذكاء الاصطناعي ليس رفاهية بل استثمار استراتيجي
يُعد إعلان "جينسن هوانج" عن بناء أول كمبيوتر فائق الذكاء الاصطناعي في تايوان ليس قرار فني، بل قرار سياسي واقتصادي بامتياز.
إنفيديا تدرك إن وجودها في قلب سلاسل التوريد التايوانية هو رهان على الجودة والابتكار، خاصة إن تايوان تنتج أغلب الشرائح الإلكترونية المتقدمة في العالم.
والهدف من ذلك ليس تسريع تطور الذكاء الاصطناعي فقط، بل أيضًا دعم البنية التحتية الرقمية للجزيرة، وخلق نظام بيئي متكامل يجعل تايوان مركز عالمي ليس في الإنتاج فقط، لكن في الابتكار والتطوير.
الرسوم الجمركية الأمريكية، قنبلة موقوتة تضغط على الصناعة
بدأت أمريكا فعلياً في ممارسة ضغط شديد على تايوان وشركاتها التكنولوجية، ولتحقيق الأمن في واردات أشباه الموصلات هذا يعني إن ترامب يستعد لفرض رسوم تصل لـ 32% على شحنات الشرائح التايوانية، وهو رقم مرعب قد يهز ميزان الصادرات التايوانية بالكامل.
يعتمد اقتصاد تايوان بشكل ضخم على التصدير، خصوصاً الشرائح، والتي تحقق لها جزء كبير من الناتج القومي. فهذه الرسوم قد تقطع الشريان الذي يغذي اقتصاد الجزيرة، وتدفع الشركات لنقل مصانعها خارج تايوان.
اقرأ أيضًا: تايوان تربح من أزمة العالم، الاقتصاد يقفز بفضل الرقائق والرسوم الأمريكية
الذكاء الاصطناعي يصنع المليارديرات، ثروة رئيس "إنفيديا" ترتفع من 80 إلى 120 مليار دولار
TSMC تتحرك، لكن هل يكفي ذلك؟
جاء الرد التايواني بشكل سريع، حيث أعلنت TSMC استثمارات إضافية بـ 100 مليار دولار في أمريكا، وذلك غير 65 مليار تم الإعلان عنهم من قبل. وأيضًا GlobalWafers ترفع استثماراتها في تكساس بـ 4 مليار أيضًا. والهدف هو ضمان دخول السوق الأمريكي بدون خسائر جمركية، لكن السؤال هنا: هل كل هذه الاستثمارات معناها إن الصناعة التايوانية ستهرب من الجزيرة؟ أم تايوان تستطيع أن توازن بين الضغط الأمريكي والتوسع المحلي؟
الدرع السيليكوني، التكنولوجيا ليس أموال فقط، بل أداة دفاع
المصطلح الذي يتكرر في الفترة الاخيرة هو "الدرع السيليكوني"، وهو معناه إن صناعة الشرائح التايوانية ليس مصدر دخل فقط، لكنها أيضًا ورقة ضغط جيوسياسية تمنع الصين من غزو الجزيرة وتحفز أمريكا على حمايتها.
لكن إذا اتجهت تايوان لنقل مصانعها تدريجياً، هل ستفقد ورقة الضغط أم لا؟ فذلك تهديد وجودي لابد أن تحسب القيادة التايوانية له ألف حساب.

من السحابة للروبوت.. الذكاء الاصطناعي بيخرج من الكواليس
المعرض هذه السنة لا يعرض شرائح فقط، لكنه يعرض تحول جذري في استخدامات الذكاء الاصطناعي. وشركات مثل Qualcomm وMediaTek يركزوا على نقل الذكاء الاصطناعي من مراكز البيانات للحواسيب الشخصية، الروبوتات، وحتى السيارات.
هذا يعني أن المستقبل يتجه نحو عالم يحتوي فيه كل جهاز على "عقل صناعي" يساعده على الفهم واتخاذ القرارات، وبالتالي ارتفاع الطلب على شرائح أكثر تعقيداً، وبالتالي فرص استثمارية ضخمة لتايوان، لكن هناك مخاطر تنافسية من الصين وكوريا والهند الذي يحاولوا أن يلحقوا بهذا السباق بكل قوتهم.
2025 - 2026، اللحظة الفارقة لمصير صناعة أشباه الموصلات
وفقًا لما قاله الخبير بول يو: “المرحلة القادمة حاسمة، فالوقت تحول من تدريب النماذج إلى تفعيلها وتطبيقها على أرض الواقع”، وهذا يعني الطلب على الشرائح سيكون تاريخي، كما إن المنافسة بين تايوان وأمريكا والصين ستصل لذروتها، والشركات التي لا تستطيع أن تواكب هذا التطور، ستخرج خارج اللعبة.
اقرأ أيضًا: تايوان تحافظ على ريادتها في صناعة الرقائق رغم الضغوط الأمريكية

خلاصة النتائج من Computex 2025
1.تايوان تقول للعالم " مازالنا هنا، ولايزال لنا كلمة في تكنولوجيا المستقبل" من خلال معرض تقني ضخم، وجاء حضورها تأكيدًا على إنها مازالت لاعبة أساسية في تكنولوجيا المستقبل.
2.إنفيديا أعلنت أول "سوبر كمبيوتر للذكاء الاصطناعي" في تايوان بالتعاون مع TSMC وفوكسكون، وذلك ليس إنجاز تقني، بل يُعد خطوة سياسية ذكية.
3.السوبر كمبيوتر ليس مجرد جهاز، بل بمثابة مركز قوة يعطي تايوان ثقل في عالم الذكاء الاصطناعي.
4.أمريكا ناوية تفرض رسوم جمركية ضخمة (تصل لـ 32%) على شرائح تايوان، مما قد يهدد اقتصادها الذي يعتمد على التصدير.
5.TSMC ردت باستثمارات ضخمة في أمريكا (أكثر من 160 مليار دولار) لكي تضمن وجودها هناك، لكن السؤال: هل هذا يعني إنهم سيهربوا من تايوان؟
6.تايوان تحاول تحافظ على "الدرع السيليكوني"، الذي يجعلها ورقة ضغط مهمة على الصين وسبب يجعل أمريكا تحميها.
7.الذكاء الاصطناعي ليس في المعامل فقط، بل في كل شيء حولنا: لابتوبات، روبوتات، سيارات، مما يزود الطلب على شرائح أكثر وأذكى.
8.الطلب على الشرائح سيزيد بشكل كبير الفترة القادمة، مما قد يكون فرصة كبيرة لتايوان، لكن المنافسة من الصين وكوريا والهند تستمر على أعلى مستوى.
9.هذه الفترة(2025 – 2026) ستكون فاصلة، غما تتايوان تسبق أو تتأخر في السباق.
رغم كل الضغط، تايوان مازالت متمسكة بالأمل، وتحاول الموازنة بين التحديات والفرص لكي تظل في قلب ساحة التكنولوجيا العالمية
تايوان على خيط رفيع، لكنها لا تزال متمسكة بالأمل
في النهاية، تايوان تلعب لعبة توازن خطيرة جداً. من جانب، تريد أن تحافظ على مكانتها كمركز لصناعة الشرائح في العالم، ومن جانب آخر تحاول تتجنب عقوبات جمركية قد تكون مدمرة، وإنفيديا تضع ثقتها في الجزيرة، لكن الكرة الآن في ملعب الحكومة التايوانية، هل تستطيع تحافظ على "الدرع السيليكوني"؟ أم ستضطر أن تتخلى عنه لكي تشتري الهدنة التجارية مع أمريكا؟ المؤكد إن الذكاء الاصطناعي أصبح هو ميدان المعركة الجديد، وتايوان لن تنوي الخروج من الحلبة بسهولة.
Short Url
بين التفاؤل والحذر، الصين تواجه تحديات اقتصادية ضخمة رغم نمو الإنتاج الصناعي
19 مايو 2025 12:12 م
رقائق الذكاء الاصطناعي تعيد رسم ملامح التجارة العالمية
19 مايو 2025 09:32 ص


أكثر الكلمات انتشاراً