الإثنين، 12 مايو 2025

03:57 م

الولايات المتحدة وبريطانيا، إذا كان الاتفاق بينهم انتصارًا فكيف تكون الخسارة؟

الأحد، 11 مايو 2025 10:53 م

دونالد ترامب

دونالد ترامب

تحليل/ كريم قنديل

في خطوة بدت وكأنها محاولة لطمأنة الأسواق وتهدئة الحلفاء، أعلنت إدارة ترامب، عن اتفاق تجاري مع المملكة المتحدة، وصفه البيت الأبيض بالتاريخي، فيما اعتبره رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، نصرًا يُضاهي الانتصار على النازية.

لكن خلف هذه اللغة المُحملة بالمبالغة، يكمن واقع اقتصادي أكثر تواضعًا، وأثر تجاري لا يكاد يُرى على أرض الواقع، وتأثير اتفاقٍ تستحيل ملاحظته بالعين المجردة.

بريطانيا والولايات المتحدة

اتفاق محدود بثوب استثنائي

وما تم التوصل إليه، ليس اتفاقًا للتجارة الحرة بالمعنى التقليدي، فلا هو شامل من حيث بنية الأسواق، ولا هو عميق من حيث إزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية، فجوهر الاتفاق يتمثل في مجموعة من التنازلات الانتقائية، كخفض الرسوم على السيارات البريطانية من 27.5% إلى 10%، وإلغاء رسوم الطلب، وتقليص التهديدات المستقبلية على صادرات الأدوية.

في المقابل، حصلت الشركات الأمريكية، على دخول ميسر للسوق البريطانية، بما في ذلك صفقة طائرات لصالح بوينغ، في وقت تواجه فيه الشركة الأمريكية، منافسة شرسة من إيرباص الأوروبي، ومع ذلك، لا تزال الرسوم الأساسية البالغة 10% على معظم السلع قائمة، ما يعني أن الأساس الجمركي للعلاقة، لم يتغير بشكل جوهري.

اقتصاد بريطانيا يخرج من الركود ويسجّل نمواً فاق التوقعات : CNN الاقتصادية
الاقتصاد البريطاني

 

تأثير اقتصادي ضئيل

ومن الناحية الاقتصادية، يبدو التأثير هامشيًا على المملكة المتحدة، التي يعتمد اقتصادها بشكل أساسي على قطاع الخدمات، وليس على تجارة السلع، فوفقًا لتقديرات "بلومبرغ إيكونوميكس"، فإن المكاسب المُقدرة للاقتصاد البريطاني لا تتجاوز 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي، رقم بالكاد يُذكر في معادلات التحليل الاقتصادي الجاد.

أما من منظور التجارة العالمية، فإن حجم تجارة السلع بين الولايات المتحدة وكل من الصين أو ألمانيا أو اليابان، لا يزال أكبر بكثير من حجمها مع المملكة المتحدة، وحتى من حيث أسواق المال، لا تمثل الأسهم البريطانية، سوى أقل من 5% من المؤشر العالمي MSCI، ما يضع الاتفاق في مرتبة رمزية أكثر من كونه محوريًا.

 

رسائل إلى الأسواق وليست أوروبا 

ردود الأفعال في الأسواق جاءت فاترة إن لم تكن باردة، فالنفط صعد قليلًا، بينما بقيت الأسهم الأميركية عند مستوياتها الأخيرة، وكأن الرسالة التي فهمتها الأسواق أن هذا الاتفاق لا يغير قواعد اللعبة، بل يُجمل المشهد السياسي مؤقتًا، فالاتفاق لا يحمل الوضوح أو التأثير المطلوب، لتغيير قواعد التجارة مع الاتحاد الأوروبي أو الصين، وهما الطرفان الحقيقيان في معركة الرسوم.

Trump's Tariff Offensive Is More Than Economics: What He Really  Wants|Politics & Society|2025-04-08|web only
الرسوم الجمركية

 

الرسوم كأداة سياسية

واقع الأمر، أن الاتفاق يبدو أقرب إلى عرض سياسي منه إلى صفقة اقتصادية، حيث إن إدارة ترامب أرادت إيصال رسالة مفادها أن تهديداتها تؤتي ثمارها، وأن الضغط العالي هو طريق النجاح، لكن اللافت أن هذا الاتفاق، بدلًا من أن يُضعف الرواية الأوروبية، أعاد تفعيلها، فالاتحاد الأوروبي يدرس الآن فرض رسومٍ انتقامية على صادرات أميركية بقيمة 95 مليار يورو، ما يجعل المشهد أكثر توترًا لا أقل.

 

نهاية البداية لا بداية النهاية

في السياسة، كما في الاقتصاد، التوقيت لا يقل أهمية عن التفاصيل، هذا الاتفاق رغم كل ما أُحيط به من هالة إعلامية، ليس سوى بداية مسار تفاوضي طويل، لا يحمل مؤشرات قوية على تحولات عميقة إنه نهاية البداية، لا بداية النهاية، في حقبة تتسم بصعود الحمائية، وتآكل قواعد النظام التجاري متعدد الأطراف.

ومع استمرار الغموض بشأن نوايا ترامب إزاء الرسوم الجمركية في أوروبا، تبقى الأسواق في حالة ترقب، هل سيكون الاتفاق البريطاني نموذجًا لما هو قادم؟ أم أنه مجرد استثناء مؤقت قبل العودة إلى التصعيد؟

Short Url

showcase
showcase
search