من 100 دولار إلى إمبراطورية مالية، كيف غير "بافيت" قواعد اللعبة في وول ستريت؟
الإثنين، 12 مايو 2025 06:43 م

وارن بافيت
تحليل/ كريم قنديل
في عام 1993، عندما أصدرت مجلة فوربس Forbes قائمتها لأغنى أغنياء أمريكا، برز اسم واحد بأسلوب مختلف تمامًا عن باقي الـ69 اسمًا في القائمة، ألا وهو وارن بافيت، بثروة قُدرت حينها بـ8.3 مليار دولار.

لم يرث أمواله، ولم يبني شركة تقنية، بل صنع ثروته بالكامل من سوق الأوراق المالية، ليصبح حالة استثنائية في عالم يزدحم بأصحاب المليارات والثروات النفطية والتكتلات الصناعية.
لكن كيف بدأ هذا الرجل رحلته من مقاعد جامعة نبراسكا إلى قمة هرم المال والاستثمار؟ الإجابة تكمن في مزيج نادر من الذكاء، الانضباط، والتعلم العميق من اثنين من عمالقة الاستثمار في القرن العشرين، بن غراهام وفيليب فيشر.
الرهان على القيمة وليس على الصخب
تأثر بافيت في بداياته بكتاب "المستثمر الذكي" لبن غراهام، الذي كان بمثابة نقطة التحول الكبرى في مسيرته، قرر بعد قراءته الانتقال إلى نيويورك للدراسة على يد مؤلف الكتاب نفسه بكلية إدارة الأعمال في جامعة كولومبيا.
وتشبع بافيت بفلسفة هامش الأمان وهي النظرية التي تقول إن الاستثمار في الأسهم يجب أن يعتمد على شراء الأصول بأقل من قيمتها الحقيقية، مستندًا إلى معايير رقمية صارمة، أما تقلبات السوق اليومية؟ فهي ضوضاء لا تستحق المتابعة.
لكن بافيت لم يتوقف عند غراهام، أضاف إلى منهجه لمسة استراتيجية مستوحاة من فيشر، الذي شدد على أهمية تقييم جودة الإدارة وقدرتها على تعزيز القيمة طويلة الأجل للشركة.
وهنا ظهر جوهر فلسفة بافيت، التركيز على شركات ممتازة، بإدارات ذات كفؤ، تُدار على المدى الطويل، مع الابتعاد عن التنويع المفرط الذي قد يشتت الانتباه.

شراكة بدأت بـ100 دولار وانتهت بملايين
في عام 1956، أطلق بافيت شراكة استثمارية خاصة كان نصيبه فيها 100 دولار فقط، بينما ساهم شركاؤه المحدودون بمبلغ 105 ألف دولار.
كان الاتفاق بسيطًا ولكن ذكيًا، يحصل الشركاء على فائدة 6% سنويًا، وما فوق ذلك يُقسم بنسبة 75% لهم و25% له.
النتيجة؟ خلال 13 عامًا، حققت الشراكة معدل عائد سنوي بلغ 29.5%، مما مكن بافيت من تكوين ثروة شخصية بلغت 25 مليون دولار.
بيركشاير.. من نسيج إلى آلة استثمارية
بذكاء استراتيجي، استخدم بافيت أرباحه في شراء شركة نسيج متعثرة تُدعى "بيركشاير"، ثم دمجها مع "هاثاوي"، وأعاد توجيهها إلى قطاع التأمين، حيث وجد فرصًا كبيرة لتوليد تدفقات نقدية مستقرة تُستثمر في أسواق الأسهم، وبحلول عام 1967، تم تغير اسم الشركة المندمجة إلى “بيركشاير هاثاواي”.
ثم بدأ بافيت في جني ثمار دهائه، حيث قفزت محفظة الشركة من 7.2 مليون دولار إلى 42 مليون دولار، وفي السبعينيات، استمر بافيت في توسيع شبكة التأمين وأغلق نشاط النسيج بالكامل، محولًا بيركشاير إلى شركة قابضة عملاقة تمتلك شركات ناجحة لا تعتمد على الديون.
اليوم، تُعتبر بيركشاير هاثاوي واحدة من أنجح التكتلات الاستثمارية، وتبلغ قيمتها أكثر من 10.2 مليار دولار، مقارنة بـ22 مليون دولار فقط عندما تولى بافيت السيطرة.

سهم من 19 دولارًا إلى أكثر من 22 ألف دولار
منذ عام 1964، ارتفع سعر سهم بيركشاير من 19 دولارًا إلى أكثر من 22 ألف دولار، بفضل معدل نمو مركب بلغ 23.2% سنويًا على مدار ربع قرن متجاوزًا هدف بافيت الأصلي البالغ 15%، كل هذا من دون توزيع أي أرباح، فالشركة تعيد استثمار كل سنت لتحقيق نمو رأسمالي طويل الأمد.
درس بافيت للعالم.. لا تطارد السوق، استثمر بالعقل
إن قصة وارن بافيت ليست فقط قصة نجاح مالي، بل درسًا في الصبر، التحليل، والانضباط، في عالم تهيمن عليه الصفقات السريعة والمضاربات، يظل بافيت يثبت أن الاستثمار طويل الأجل المبني على القيمة الحقيقية والإدارة الرشيدة يمكنه أن يصنع المعجزات حتى لو بدأت الرحلة بـ100 دولار فقط.
Short Url
الجلوس على طاولة الاتفاق، هل تؤدي المفاوضات بين أميركا والصين لتهدئة الأسواق؟
11 مايو 2025 09:34 م
%31,4 من الصفقات لصالح التقنية المالية، السعودية تبهر العالم
11 مايو 2025 05:45 م
اشتباك على ضفاف السند، معركة الهند وباكستان على الأمن المائي
10 مايو 2025 04:34 م


أكثر الكلمات انتشاراً