مصر وروسيا، شراكة استراتيجية ترسم خريطة الاقتصاد العالمي
الجمعة، 09 مايو 2025 07:04 م

مصر وروسيا
كتب/ كريم قنديل
في زمن التحولات السياسية والاقتصادية السريعة، استطاعت القاهرة وموسكو نسج علاقة ثنائية تمضي بخطى ثابتة نحو شراكة استراتيجية غير مسبوقة، تتجاوز حدود البروتوكولات الدبلوماسية، لتغوص في عمق المصالح الاقتصادية المتبادلة، وتضع البلدين على مسار جديد من التكامل والتنمية المشتركة.

من ضفاف النيل إلى روسيا
لم تبدأ الحكاية اليوم، فمنذ خمسينات القرن الماضي، حين ساعد الآلاف من الخبراء السوفييت في بناء السد العالي ومجمع الألومنيوم، وحتى مشروعات الطاقة النووية الحديثة، تجذرت العلاقة المصرية الروسية في تربة التعاون الإنتاجي الفعلي.
لكن المشهد في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي شهد نقلة نوعية، حيث تحولت العلاقات من تعاون تقني إلى شراكة استراتيجية شاملة، خصوصًا بعد إعلان الشراكة الرسمية عام 2018، وهو ما جعل موسكو أحد أبرز الشركاء الاقتصاديين للقاهرة في السنوات الأخيرة.
الضبعة والمنطقة الصناعية
المشروع النووي في الضبعة ليس مجرد محطة لإنتاج الطاقة، بل هو مشروع حضاري متكامل ينقل المعرفة، ويؤسس لجيل مصري جديد يتقن تقنيات الطاقة النووية السلمية، أما المنطقة الصناعية الروسية في محور قناة السويس، فهي بمثابة حجر الزاوية في خريطة التصنيع المصري، ومنصة محتملة لتصدير المنتجات الروسية إلى الأسواق الإفريقية والعربية، مما يعزز موقع مصر كمركز إقليمي للربط الصناعي واللوجستي في قلب مشروع الحزام والطريق.

3 مليارات دولار اليوم و80 مليارًا على المدى البعيد
رغم أن حجم التبادل التجاري الحالي بين مصر وروسيا بلغ 3 مليارات دولار، فإن الأفق مرصع بطموحات أكبر، الاتجاه نحو التسويات بالعملات المحلية الجنيه والروبل يفتح الباب أمام تقليل الاعتماد على الدولار، والتحرر من ضغوط السوق المالية العالمية.
وإذا مضت الشراكة على هذا النسق، فقد يصل إجمالي التبادل إلى 80 مليار دولار خلال السنوات المقبلة، مدفوعًا بشراكات في الأمن الغذائي، وتخزين الحبوب، والطاقة المتجددة.
سيناريوهات اقتصادية ترسم ملامح المستقبل
المشهد المستقبلي للعلاقات الاقتصادية بين القاهرة وموسكو مرشح لأن يأخذ أشكالًا متعددة:
- محور تصنيع وتصدير مشترك يمكن لمصر أن تصبح قاعدة لإنتاج السلع الروسية الموجهة للأسواق الإفريقية، ما يعزز التكامل مع المبادرات الروسية والصينية على حد سواء.
- تحالف تكنولوجي وبنية تحتية، وتعاون في الأمن السيبراني، وتحلية المياه، والتقنيات الصناعية يمكن أن ينقل الصناعة المصرية إلى مستوى جديد.
- انضمام مصر إلى مجموعة بريكس قد يعزز من فرص إنشاء آليات تمويل بديلة عبر صندوق مشترك للمشاريع، وتوسيع نطاق المبادلات التجارية بعيدًا عن الهيمنة الغربية.

السياحة.. البعد الشعبي للعلاقات الاقتصادية
عودة السياحة الروسية إلى شرم الشيخ والغردقة ليست مجرد إنعاش لقطاع متعثر، بل مؤشر حيوي على ثقة روسية متجددة في الأمن والاستقرار المصري، التوجه لإنشاء خطوط طيران منخفضة التكلفة، واستثمارات في البنية التحتية السياحية، يعكس استعداد الطرفين لرفع مستوى التعاون من النخب إلى الجماهير.
مصر في قلب التوازنات الجديدة
نجحت السياسة الخارجية المصرية خلال العقد الماضي في تحويل العلاقات الدولية من مجرد ردود أفعال إلى استراتيجيات استباقية، ومن خلال شراكتها مع روسيا، تثبت القاهرة أنها لم تعد مجرد مفعول به في لعبة الأمم، بل فاعل يصوغ مستقبل التوازنات الدولية، عبر أدوات اقتصادية ذكية، وتحالفات متعددة الأبعاد.
الاقتصاد بوابة الاستقرار والسيادة
في عالم يتغير كل يوم، تصبح الشراكات الاقتصادية الحقيقية لا الشعارات هي صمام الأمان لبناء دول قادرة على الصمود والتأثير، ومصر بشراكتها العميقة مع روسيا، تمضي بثقة في هذا الاتجاه، لترسم لنفسها موقعًا يليق بثقلها الحضاري، وتفتح صفحة جديدة من الاقتصاد الذي يخدم السيادة، ويصون المصالح، ويصوغ المستقبل.
Short Url
من البطاريات للثورة الصناعية، من يلحق بسباق الطاقة؟
08 مايو 2025 05:16 م
قمة كوالالمبور، الصين توسع تحالفها الآسيوي – الخليجي في مواجهة أمريكا
08 مايو 2025 12:15 م
الاقتصاد تحت القصف، أرقام الهند وباكستان في مرمى التوتر
07 مايو 2025 04:25 م


أكثر الكلمات انتشاراً