تعريفات ترامب، هل تدفع العالم إلى حافة أزمة ديون كبرى؟
الأربعاء، 30 أبريل 2025 10:30 م

دونالد ترامب
كتب/ كريم قنديل
في خضم عالم متقلب ماليًا، يُعيد دونالد ترامب، الرئيس الأميركي، والذي لا يألو جهدًا عن مفاجأة العالم، إشعال فتيل الحرب التجارية مجددًا، في مشهد يعيد للأذهان أيام التوتر الاقتصادي العالمي، التي عقبت جائحة كوفيد-19.
غير أن الفارق اليوم، يكمن في أن تلك التعريفات الجمركية التي يفرضها ترامب، قد لا تؤدي فقط إلى ركود اقتصادي أو انكماش في حركة التجارة، بل قد تكون الشرارة التي تشعل أزمة ديون عالمية غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية.
_1787_091556.jpg)
من الرسوم إلى الركود، خيوط أزمة تتشكل
والتحذير الذي أطلقه صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع، كان صريحًا ومقلقًا في آنٍ واحد، حيث الدين العام العالمي آخذ في الارتفاع بوتيرة مقلقة، مدفوعًا بموجة من السياسات الحمائية، وعلى رأسها تعريفات ترامب الجمركية، ويتوقع أن يصل الدين العالمي إلى 95.1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في 2025م، وقد يتجاوز 117% في حال تنفيذ تعريفات إضافية مصحوبة بإجراءات انتقامية دولية.
ولم تكن هذه الأرقام عبثية أو مفاجئة، بل نتيجة سلسلة مترابطة من السياسات والانعكاسات الاقتصادية، فالرسوم الجمركية التي تفرضها واشنطن تضرب قلب التجارة العالمية، وتؤدي إلى تباطؤ النشاط الصناعي، وتقلص من قدرة الدول، لاسيما النامية منها على تحقيق النمو، وهو ما يضعها أمام معضلة مستحيلة، الاقتراض لتغطية العجز، في ظل بيئة مالية تضيق فيها خيارات التمويل.

لماذا الرسوم الجمركية تضغط على الدين؟
وتؤدي الرسوم إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج، ومن ثم زيادة أسعار السلع، ما يخلق تضخمًا عالميًا، يدفع بدوره البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة، وهذا الرفع يُترجم إلى زيادة حادة في تكلفة خدمة الديون، لتجد الدول نفسها تغرق أكثر في مستنقع الاستدانة.
لكن الأمر لا يتوقف هنا، إذ إن تلك الإجراءات تؤدي إلى تراجع الثقة في الأسواق المالية، وهروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة إلى ملاذات آمنة، إلى أن تعريفات ترامب شملت رسومًا شاملة بنسبة 10% على جميع الواردات، و145% على السلع الصينية، وهي أرقام كفيلة بإحداث زلزال في التجارة العالمية.
الأسواق الناشئة، الحلقة الأضعف في العاصفة
الدول النامية والناشئة هي الأكثر تضررًا من هذه الديناميكية الجديدة، في ظل ارتفاع الفوائد وتراجع فرص الوصول إلى أسواق رأس المال، تجد هذه البلدان نفسها مضطرة لتقليص الإنفاق العام، بما في ذلك في قطاعات حيوية كالصحة والتعليم، مقابل ضخ المزيد من الموارد في خدمة الدين.
ويشير صندوق النقد، إلى أن نحو ثلث أعضائه يعانون الآن من نمو ديون أسرع مما كان عليه الوضع قبل الجائحة، وهم يمثلون 80% من الاقتصاد العالمي، في الوقت الذي تحاول فيه دول الأسواق الناشئة، إعادة هيكلة ديونها عبر خطط يقودها الصندوق ومؤسساتٍ دولية، وتبرز الصين كلاعب تمويلي رئيسي، يفرض شروطه الخاصة في مفاوضات الدين، ما يعقّد الوضع أكثر، ويهدد بنشوء نظام مالي موازٍ قد لا يخضع للمعايير الغربية التقليدية.
_1787_092126.jpg)
هل دخلنا فعلًا مرحلة الأزمة؟
ربما لم تصل الأزمة إلى ذروتها بعد، لكن إشاراتها واضحة، فعلاوة عن المخاطر على الديون، ارتفعت حالات التخلف عن السداد، حيث بدأت تتصاعد من جديد، ومع استمرار حالة الضبابية بشأن السياسة التجارية الأميركية، وخصوصًا في حال فوز ترامب بفترة رئاسية جديدة، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا، هو مزيد من عدم الاستقرار، وركودٍ محتمل يعيد خريطة التمويل العالمي إلى المجهول.
إن البيئة الحالية، باتت أكثر هشاشة بسبب تشديد الأوضاع المالية، والتراجع في المساعدات التنموية، وزيادة اعتماد الدول على آليات تمويل غير تقليدية، وهو ما قد يؤدي إلى موجة إفلاسات وعمليات إعادة هيكلة معقدة.
هل من مخرج؟
الحل لا يبدو بسيطًا ولا سريعًا، فالتنسيق الدولي بات ضرورة وليس ترفًا، والتراجع عن السياسات الحمائية، يمكن أن يُعيد شيئًا من التوازن، كما أن دور المؤسسات الدولية يجب أن يتطور، ليس فقط في تقديم القروض، بل في بناء نظم مرنة لإدارة الدين والتعامل مع الأزمات قبل وقوعها.
كما أن على الدول النامية تنويع مصادر تمويلها، وتقوية بنيتها الاقتصادية من الداخل لتقليل الاعتماد على التصدير فقط، بينما يُنتظر من الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، أن تتعامل بمسؤولية مع تداعيات قراراتها التجارية، لأن العالم لم يعد يحتمل مزيدًا من الهزات.

حرب تعريفات، أم حرب ديون؟
سياسات ترامب التجارية، قد تبدو للبعض محاولة لحماية الاقتصاد الأميركي، لكنها في حقيقة الأمر، فتحت الباب أمام سلسلة من التفاعلات المالية التي تُنذر بأزمة ديون عالمية كبرى.
فالعالم اليوم لم يعد يحتمل موجات صدمة متتالية، خاصة في وقت تتلاشى فيه أدوات المواجهة التقليدية، وإذا لم يتم احتواء هذه السياسات، فإن العنوان المقبل قد يكون، "الديون، الوجه الجديد للحرب التجارية".
Short Url
ترامب يعيد أشباح الكساد الكبير، هل يقود طوفان الرسوم الجمركية إلى أزمة عالمية جديدة؟
30 أبريل 2025 10:55 م
من الفيضانات إلى الجفاف، تأثيرات تغير المناخ على الاقتصاد والمجتمعات في عالم متغير
30 أبريل 2025 03:11 م
من الادخار إلى الاستثمار، كيف تساعد «كاكيبو» اليابانية على توفير 35% من الدخل شهريًا؟
30 أبريل 2025 03:01 م


أكثر الكلمات انتشاراً