الخميس، 01 مايو 2025

10:09 ص

الذهب الأسود في مرمى التغيرات الجيوسياسية فهل دخل النفط مرحلة اللايقين؟

الجمعة، 11 أبريل 2025 11:45 ص

النفط العالمي

النفط العالمي

تحليل/ كريم قنديل

في زمن التحولات الكبرى والاضطرابات الجيوسياسية، يبقى النفط الخام الرقم الأصعب في معادلة الاقتصاد العالمي، إذ لا تزال أسواق الطاقة ترزح تحت ضغوط العرض والطلب، والتجاذبات السياسية، والمنافسة المحتدمة بين كبار المنتجين.

الطلب العالمي على النفط

وسط اضطرابات اقتصادية عالمية وتصاعد في التوترات التجارية، يشهد سوق النفط حالة من التذبذب الحاد، حيث تتصادم مؤشرات الانتعاش مع إشارات التشبع، في مشهد يُشبه الوقوف على رمال متحركة.

آسيا تقود نمو الطلب العالمي

تتجه الأنظار هذا العام إلى آسيا، وتحديدًا الصين، التي من المتوقع أن تقود النمو في الطلب العالمي على النفط، والذي يُقدّر أن يتجاوز حاجز مليون برميل يوميًا، مقارنة بـ830 ألف برميل في عام 2024، ليصل إلى 103.9 مليون برميل يوميًا، وتساهم آسيا بنحو 60% من هذه الزيادة، بقيادة الصين لكن اللافت أن هذا النمو يُعزى بالكامل تقريبًا إلى المواد الخام البتروكيماوية، مع استقرار الطلب على الوقود المكرر في الأسواق

البقية الكبار.. من الخليج إلى القوقاز

تأتي العراق، الإمارات، الكويت، النرويج، نيجيريا وكازاخستان لتكمل قائمة العشر الكبار، حيث يتراوح إنتاجهم ما بين 3 إلى 4 ملايين برميل يوميًا، بينما يعتمدون بشكل كبير على النفط في تمويل ميزانياتهم، كما هو الحال في العراق، الذي تعتمد حكومته على النفط بنسبة 95% من الإيرادات.

النفط

بيانات مخيبة وتوقعات متراجعة

رغم هذه النظرة الإيجابية نسبيًا، جاءت البيانات الأخيرة دون التوقعات، مما دفع إلى خفض تقديرات النمو للربع الأخير من 2024 والأول من 2025 إلى 1.2 مليون برميل يوميًا فقط، هذا التراجع يُعزى إلى أداء ضعيف في كل من الاقتصادات المتقدمة والناشئة، وسط تصاعد التوترات التجارية والركود الصناعي العالمي.

المعروض يتزايد... لكن هل السوق قادر على امتصاصه؟

في الجهة المقابلة، قفز المعروض النفطي العالمي بمقدار 240 ألف برميل يوميًا في فبراير، ليصل إلى 103.3 مليون برميل يوميًا، بقيادة أوبك+، وضخت كازاخستان أعلى مستوى لها على الإطلاق مع زيادة إنتاج حقل تنغيز، بينما عززت إيران وفنزويلا تدفقاتهما قبل تشديد العقوبات. 

ومن المتوقع أن يرتفع إنتاج الدول غير الأعضاء في أوبك+ بمقدار 1.5 مليون برميل يوميًا في عام 2025، بقيادة الأمريكتين، وبعد انخفاض الإنتاج بمقدار 770 ألف برميل يوميًا العام الماضي، قد يبقى إنتاج أوبك+ ثابتًا في عام 2025 إذا استمرت التخفيضات الطوعية بعد أبريل.

الولايات المتحدة تمسك بزمام الإنتاج

تتصدر الولايات المتحدة مشهد نمو المعروض، مع إنتاج قياسي حاليًا، وتوقعات بأن تكون أكبر مساهم في النمو خلال 2025، تليها كندا، البرازيل، وغيانا.

لكن، تبقى الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على واردات النفط من كندا والمكسيك عاملاً مربكًا قد يُعيق تدفق النفط إلى السوق الأمريكية، خصوصًا أن هذين البلدين يُمثلان نحو 70% من وارداتها.

نفط

الأسعار تتراجع... وثقة السوق تهتز

شهدت أسعار النفط انخفاضًا حادًا بنحو 11 دولارًا للبرميل خلال شهرين فقط، لتصل إلى قرابة 70 دولارًا للبرميل وهو أدنى مستوى في ثلاث سنوات.

ويُعزى هذا الهبوط إلى تدهور الثقة في الاقتصاد الكلي وتصاعد التوترات التجارية العالمية، ما أثر سلبًا على شهية السوق للاستثمار في النفط.

مخزونات متقلبة تعكس حالة اللا يقين

انخفضت مخزونات النفط العالمية المرصودة بـ40.5 مليون برميل في يناير، مع تسجيل الصين لأكبر سحب، لكن بيانات فبراير تُظهر انتعاشًا طفيفًا في المخزونات، ما يعكس وفرة نسبية في المعروض، وضعفًا مستمرًا في مستويات الطلب، خاصة من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

أوبك+ وإدارة التوازن الهش

ما يسمى بتحالف أوبك+ يواجه الآن اختبارًا صعبًا في الحفاظ على توازن السوق، ففي الوقت الذي أعلنت فيه بعض الدول نيتها خفض الإنتاج، قام آخرون بزيادة إنتاجهم لتصل الزيادة إلى 1.2 مليون برميل يوميًا في فبراير وحده، ما ألقى بظلال من الشك على فعالية الاتفاق.

أوبك

في ظل هذه الفوضى المنظمة، تقف أوبك+ أمام تحدٍ كبير:
هل تواصل تخفيف التخفيضات وتغامر بإغراق السوق؟
أم تُبقي على قيود الإنتاج لدرء خطر الانهيار السعري؟
مع وجود دول تتجاوز أهدافها الإنتاجية بأكثر من 400 ألف برميل يوميًا، فإن أي تمديد غير مضبوط قد يُضيف نفس الكمية مجددًا للسوق، ويُعمّق الاختلال القائم.

مستقبل غير واضح.. وأسعار عند أدنى مستوياتها

في ظل هذه التباينات، لا عجب أن أسعار خام برنت تتداول حاليًا عند أدنى مستوياتها منذ ثلاث سنوات، قرب حاجز 70 دولارًا للبرميل، وهذا انعكاس مباشر لحالة القلق الاقتصادي العالمي، والصراعات الجيوسياسية، والمخاوف من الركود.

النفط

مشهد ضبابي ومخاطر مفتوحة

بين نمو مدفوع بالصين، وإنتاج أمريكي غير مسبوق، وتوترات جيوسياسية وتجارية لا تهدأ، يبقى سوق النفط رهينة لتقلبات متعددة الأطراف.
وفي حين تشير التقديرات إلى أن المعروض سيتجاوز الطلب بمقدار 600 ألف برميل يوميًا هذا العام، فإن أي خطأ في الحسابات أو التقديرات قد يقلب الطاولة في لحظة.

ما القادم؟

يظل النفط سلعة استراتيجية، لكن اللايقين هو العنوان الأكبر للسوق حاليًا، استمرار الحرب في أوكرانيا، وتداعيات العقوبات على إيران وفنزويلا، وتحركات أوبك+، كلها ستحدد مستقبل الأسعار.

في المقابل، يواجه المنتجون تحديات كبيرة في ضمان استمرارية الاستثمار في الطاقة التقليدية، وسط تزايد الضغوط نحو التحول الأخضر، هل نشهد ينهاية 2025 استقرارًا حقيقيًا أم موجة جديدة من التقلبات؟

Short Url

search