أوروبا بين المطرقة الأمريكية والاستقلال العسكري، هل تنجح في كسر التبعية الدفاعية؟
الأربعاء، 12 مارس 2025 10:56 ص

دونالد ترامب والاتحاد الأوروبي
كتب/كريم قنديل
تواجه أوروبا تحديًا كبيرًا في سعيها لتعزيز قدراتها الدفاعية وتقليل اعتمادها على الأسلحة الأمريكية، في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية وسباق التسلح العالمي، مع استمرار الحرب في أوكرانيا والتغيرات المحتملة في السياسة الأمريكية، تجد الدول الأوروبية نفسها أمام معادلة معقدة: هل تستطيع بناء صناعة عسكرية مستقلة أم ستظل تحت مظلة الحماية الأمريكية؟

الاعتماد الأوروبي على السلاح الأمريكي.. أرقام ودلالات
طبقًا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، استوردت دول الاتحاد الأوروبي الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) أكثر من ثلثي أسلحتها من الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس الماضية، زادت هذه النسبة بشكل ملحوظ، حيث ارتفعت حصة الولايات المتحدة من صادرات الأسلحة إلى أوروبا من 52% بين 2015 و2019 إلى 64% بين 2020 و2024.
تضاعفت واردات أوروبا من الأسلحة مقارنة بالفترات السابقة، مما يعكس حالة الذعر الأمني في القارة عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، ومع ذلك فإن هذا الاعتماد المستمر يطرح تساؤلات حول مدى قدرة أوروبا على بناء قاعدة دفاعية مستقلة.
أسباب الهيمنة الأمريكية على التسليح الأوروبي
تتمتع الولايات المتحدة بهيمنة قوية على سوق السلاح الأوروبي لعدة أسباب:
التكنولوجيا المتقدمة: تمتلك الأسلحة الأمريكية تفوقًا تكنولوجيًا كبيرًا، حيث تُعد الطائرات المقاتلة مثل F-35 مثالًا واضحًا على ذلك.
التحالف العسكري: تُعتبر الولايات المتحدة الشريك الأمني الرئيسي لأوروبا عبر حلف الناتو، مما يجعل شراء الأسلحة الأمريكية جزءًا من استراتيجية الدفاع المشترك.
التبعية الفنية واللوجستية: تعتمد الدول الأوروبية على الدعم الفني والتحديثات المستمرة للأسلحة الأمريكية، مما يجعل الانفصال عنها عملية معقدة.
السياسات الأمريكية تجاه أوروبا: خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، ضغطت واشنطن على حلفائها في الناتو لزيادة إنفاقهم الدفاعي، مما أدى إلى مزيد من عمليات شراء الأسلحة الأمريكية.

التحديات أمام الاستقلال العسكري الأوروبي
على الرغم من الدعوات لتعزيز التصنيع العسكري الأوروبي، فإن هناك العديد من العقبات التي تواجه هذا المسعى:
الالتزامات التعاقدية: تفرض العقود طويلة الأجل لشراء الأسلحة الأمريكية قيودًا على تحول الدول الأوروبية نحو التصنيع المحلي.
العقبات المالية: يعاني الاتحاد الأوروبي من تحديات مالية كبيرة في تمويل مشروعات الدفاع، إذ أن الصندوق الذي تبلغ قيمته 150 مليار يورو لدعم الصناعة العسكرية قد لا يكون كافيًا.
ضعف البنية التحتية للصناعات الدفاعية: رغم امتلاك أوروبا بعض شركات السلاح الكبرى مثل راينميتال وبي إيه إي سيستمز، إلا أنها لا تزال غير قادرة على تلبية جميع الاحتياجات الدفاعية للقارة.
الخلافات السياسية بين الدول الأوروبية: هناك انقسامات بين فرنسا وألمانيا حول سياسات الدفاع، حيث تدفع فرنسا باتجاه استقلالية أكبر عن واشنطن بينما تميل ألمانيا إلى نهج أكثر تعاونًا مع الولايات المتحدة.
الانعكاسات الاقتصادية والسياسية لسباق التسلح الأوروبي
إن الاعتماد على الأسلحة الأمريكية يؤثر على الوضع الاقتصادي والسياسي في أوروبا بعدة طرق:
الميزانيات العسكرية المتزايدة: تؤدي الزيادة في الإنفاق الدفاعي إلى تحويل الأموال من القطاعات التنموية مثل الصحة والتعليم إلى الجيش.
التوترات بين الدول الأوروبية: تختلف وجهات النظر حول كيفية تمويل برامج الدفاع الأوروبية، مما قد يؤدي إلى خلافات داخل الاتحاد الأوروبي.
التأثير على العلاقات مع روسيا: يؤدي سباق التسلح إلى تصعيد التوتر مع موسكو، مما قد يفاقم الأوضاع الأمنية في المنطقة.
التأثير على الانتخابات والسياسات الداخلية: يمكن أن يؤدي الضغط الاقتصادي إلى صعود أحزاب سياسية تدعو إلى تقليل المواجهة مع روسيا والتركيز على التنمية الداخلية.

مستقبل التعاون الدفاعي الأوروبي الأمريكي
رغم التحديات، لا تزال الولايات المتحدة المورد الرئيسي للأسلحة الأوروبية، حيث من الصعب على أوروبا أن تتحرر بشكل كامل من هذه العلاقة في المستقبل القريب. ومع ذلك، تسعى بعض الدول الأوروبية إلى تطوير بدائل محلية وتقليل الاعتماد على واشنطن، كما تحاول تعزيز التعاون في مجال الدفاع المشترك.
مع رجوع دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية، زادت المخاوف الأوروبية من احتمال تراجع الالتزام الأمريكي بأمن القارة، مما قد يدفع الدول الأوروبية إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها الدفاعية.
يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات معقدة في تحقيق استقلاله العسكري عن الولايات المتحدة، حيث تتداخل العوامل الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية في هذه المعادلة، وبينما تسعى بعض الدول إلى تعزيز صناعاتها الدفاعية، يبقى الواقع أن أوروبا لا تزال بعيدة عن تحقيق استقلالها الكامل في هذا المجال. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ستتمكن أوروبا من بناء صناعة عسكرية قوية ومستقلة، أم ستظل تحت رحمة السياسة الأمريكية لعقود قادمة؟
Short Url
ترامب يعيد أشباح الكساد الكبير، هل يقود طوفان الرسوم الجمركية إلى أزمة عالمية جديدة؟
30 أبريل 2025 10:55 م
من الفيضانات إلى الجفاف، تأثيرات تغير المناخ على الاقتصاد والمجتمعات في عالم متغير
30 أبريل 2025 03:11 م
من الادخار إلى الاستثمار، كيف تساعد «كاكيبو» اليابانية على توفير 35% من الدخل شهريًا؟
30 أبريل 2025 03:01 م


أكثر الكلمات انتشاراً