الأحد، 21 ديسمبر 2025

03:38 م

قفزة 170% في أسعار إيجارات أراضي الأوقاف تهدد مصادر رزق الفلاحين بالغربية

الأحد، 21 ديسمبر 2025 02:08 م

فلاحين ـ تعبيرية

فلاحين ـ تعبيرية

مي المرسي

محمد نصر، شيخ البلد في قرية شبرا بلولة بالغربية، يقف وسط أرضه الصغيرة، محاطًا بحقول البرسيم والقمح التي ورثها عن أجداده، 18 قيراطًا فقط، كانت يومًا ملاذًا لعائلته، مصدر رزقها واستقرارها، ووسيلة البقاء في قريتهم، لكن اليوم، يقف أمام واقع صارم؛ ارتفاع الإيجارات السنوية لأراضي الأوقاف والإصلاح الزراعي بنسبة تتجاوز 170%، ضاغطًا على صغار المزارعين بأرقام تكاد تكسر ميزانيتهم السنوية قبل أن تبدأ الزراعة.

من 750 جنيهًا للقيراط العام الماضي، قفزت القيمة الإيجارية لأراضي الأوقاف إلى 2,050 جنيهًا، بينما ارتفعت إيجارات الإصلاح الزراعي من 850 إلى 2,300 جنيه، أرقام قد تبدو على الورق بسيطة، لكنها على الأرض تعني عبئًا هائلًا، فالفلاحين مضطرون الآن لدفع نصف دخلهم السنوي للإيجار قبل شراء التقاوي والسماد والكيماويات، وسط أسواق متقلبة وندرة في المدخلات.

محمد نصر، مثل كثيرين، يجد نفسه مضطرًا لإعادة حساب كل شيء؛ فالأرض التي ورثها عن أجداده أصبحت عبئًا ماليًا يوميًا، التقاوي والسماد ووقود المواتير والري، كل ذلك أصبح يشكل جزءًا من حساب دقيق لا يحتمل أي زيادة غير متوقعة، فارتفاع أسعار الأسمدة والكيماويات المدعومة إلى مستويات غير مسبوقة، وفي كثير من الأحيان، تصبح متاحة فقط في السوق السوداء بأسعار تصل إلى ستة أضعاف السعر الرسمي، وهو ما يجعل العبء مضاعفًا.

الأرقام الرسمية تضيف ضغطًا آخر، فأراضي الأوقاف تشمل نحو 265 ألف فدان موزعة على المحافظات، بينما تدير هيئة الإصلاح الزراعي نحو 800 ألف فدان، ومنذ تحرير العلاقة الإيجارية تدريجيًا عام 2018، أخذت الإيجارات في الارتفاع السنوي بشكل متسلسل؛ من 500 جنيه للفدان، إلى 4,800، 6,000، 7,200، 9,600 جنيه، وصولًا للأسعار الحالية من 40 إلى 45 ألف جنيه للفدان، وهو ما يجعل الحيازات الصغيرة، التي لا تتجاوز فدانين في الغالب، معرضة لضغوط مضاعفة.

في أرض محمد نصر، الأزمة لا تقف عند الإيجارات فقط، مواطن من إحدى القرى بالغربية، رفض ذكر اسمه، يروي أن أسعار الكيماويات الرسمية 260 جنيهًا، بينما في السوق السوداء تصل إلى 1,500 جنيه، وغالبًا لا تتوفر إلا جزئيًا، ما يجبر الفلاح على شراء 4 إلى 6 شكاير لكل زرعة لبعض المحاصيل كذرة مثلا، وارتفاع الإيجار إلى نحو 50 ألف جنيه للفدان يجعل الاستمرار في الزراعة شبه مستحيل.

أرض الأوقاف لا تتجاوز مساحتها 18 قيرطًا

في منطقة الحلفاية، فلاح آخر، ـ طلب عدم الكشف عن هويتهـ ، يقول إن الأرض المؤجرة من الأوقاف لا تتجاوز مساحتها 18 قيراطًا، بينما أراضي الملك تصل إلى 24 قيراطًا، ما يزيد العبء على المستأجرين الصغار، وأكد قائلًا: «إذا استمر الوضع كما هو، سنضطر لتسليم الأرض ولن نزرعها هذا الموسم»، يقول الفلاح، وكأن الكلمة الأخيرة على أمل الزراعة قد انتهت.

الأوقاف هذا هو الهدف من تعديل الإيجارات

وزارة الأوقاف، من جانبها، تؤكد أن الهدف من تعديل الإيجارات هو تحقيق التوازن بين مصالح المستأجرين والحفاظ على أمانة الهيئة في إدارة الأوقاف، وهذا ما صرح به  الدكتور أسامة رسلان، المتحدث باسم الوزارةالأسبوع الماضي.

وأوضح أن التعديلات تأتي ضمن إجراءات لحماية المستأجرين ومراعاة واقع السوق، مع تصنيف الأراضي إلى فئات (ممتازة، جيدة، متوسطة، ضعيفة)، وقدرت الوزارة أن القيمة الجديدة للفدان تتراوح بين 40–45 ألف جنيه، مقارنة بالسعر السوقي الذي قد يصل إلى 75 ألف جنيه، لتوفير ميزة نسبية للمستأجرين.

في هذا السياق يقول المهندس المرسي محمد الباحث في معهد بحوث سخا، الواقع على الأرض يختلف، فالفلاحين يواجهون تحديات يومية لتأمين المدخلات، وارتفاع التكاليف بنسبة تتراوح بين 150–200% مقارنة بالعام الماضي، بينما أسعار المحاصيل الأساسية لم ترتفع بنفس المعدل، مما يقلص هامش الربح ويزيد المخاطرة.

وبالتحليل يظهر أن غالبية المستأجرين يملكون حيازات صغيرة، غالبًا أقل من فدانين، مما يجعل العبء النسبي للإيجار أكبر بكثير،  وإذا أخذنا أرض محمد نصر كمثال، الإيجار الجديد 37 ألف جنيه، وتكاليف المدخلات الزراعية نحو 25 ألف جنيه، أي أن نصف الميزانية السنوية تذهب للإيجار وحده، قبل أن يبدأ أي حساب لعائد المحاصيل.

هذه الأرقام ترسم صورة أزمة هيكلية، سياسات تعظيم الإيرادات من أراضي الأوقاف والإصلاح الزراعي، رغم هدفها العدالة والالتزام بالسوق، تؤدي تدريجيًا إلى إخراج صغار المزارعين من النشاط الزراعي، ما يهدد الإنتاج المحلي ويزيد الاعتماد على الاستيراد، محمد نصر لا يمثل نفسه فقط، بل آلاف الفلاحين الذين يرون في الأرض ملاذهم الوحيد، ويخوضون معركة يومية للبقاء على الزراعة في مواجهة ضغوط مالية غير مسبوقة بين ارتفاع الإيجارات، ندرة المدخلات، وغياب دعم حقيقي يعيد التوازن بين دخل الفلاح وتكاليفه.

الأزمة الحالية صورة حية لمستقبل الزراعة المصرية، وصمود الفلاحين أمام سياسات السوق الجديدة، حيث كل شبر أرض هو معركة، وكل فدان محسوب بالقرش، وكل محصول يعتمد على الحساب الدقيق بين البقاء أو الخروج من الزراعة، محمد نصر يقف هنا، كرمز لصغار المزارعين، أمام تحدي أبدي البقاء على الأرض أم التخلي عنها، بينما الدولة توازن بين السوق والوقف والأرقام، والفلاح يدفع الثمن الحقيقي.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search