من التعافي للتغير الجذري، 6 تحولات كبرى تعيد تشكيل سوق العقارات التجارية في 2026
الأحد، 14 ديسمبر 2025 09:09 م
العقارات التجارية
ميرنا البكري
بعد عامين من الضغوط غير المسبوقة التي شهدها قطاع العقارات التجارية عالميًا، يدخل عام 2026 بملامح مرحلة جديدة لا تقتصر على التعافي الاقتصادي، بل تعكس تحولًا هيكليًا في طبيعة السوق ونماذج العمل داخله.
فمع تراجع حدة التضخم، وتزايد التوقعات بخفض أسعار الفائدة، وعودة النشاط الاقتصادي في الأسواق الرئيسية، بات واضحًا أن العقارات التجارية لا تتغير من الخارج فقط، بل من الداخل أيضًا.
يواجه قطاع العقارات التجارية ضغوط تكلفة كبيرة ونقص في المعروض، بالإضافة إلى التغير الجذري في سلوك المستخدمين، وأيضًا الذكاء الاصطناعي في هذا القطاع الذي تحول من مجرد ضجيج إعلامي إلى أداة ربح، فالمرحلة المقبلة في قطاع العقارات التجارية ليست مرحلة سوق أكثر قوة فحسب، بل مرحلة سوق أكثر ذكاءً، سنعرض تفاصيل التحول في القطاع العقاري التجاري في هذا الموضوع استنادًا على الإحصائيات الصادرة من شركة JLL (متخصصة في العقارات التجارية والاستثمار العقاري).

فخ الانتظار التكلفة الدائمة تتطلب إعادة تصميم جذرية
الخطأ الأكبر الذي قد يفعله المستثمر أو المطور العقاري في 2026 أنه ينتظر أن تتجه الظروف نحو التحسن؛ نظرًا لأن ارتفاع التكلفة في هذا القطاع أصبح أمر دائم وليس موجة عابرة.
ما زالت تكلفة التمويل مرتفعة نسبيًا، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف العمالة وندرة المهارات المطلوبة، إلى جانب استمرار الضغط التضخمي على أسعار مواد البناء والتجهيز، مما جعل إدارة التكلفة ليس بند مالي فحسب بل استراتيجية بقاء، فليس صدفةً أن 72% من قادة العقارات التجارية يضعون الكفاءة التكليفية على رأس أولوياتهم، لكن التحول الحقيقي هنا لا يكمن في التقشف أو خفض النفقات بطريقة عشوائية، بل في إعادة تصميم طريقة تشغيل العقار فكل متر مربع لابد أن يبرر وجوده، وكل جنيه يُنفق لابد أن يرفع قيمته، وكل أصل لابد أن يعمل بأقصى كفاءة.
أبرز قوانين اللعبة هو الاستثمار في الصيانة الاستباقية بدلًا من الإصلاحات الطارئة، وكذلك في إدارة ذكية للمساحات بدلًا من التوسعات العشوائية، بالإضافة إلى التشغيل الرقمي الذي يقلل المصروفات دون أن يضر بجودة الخدمة، فالكفاءة أصبحت ميزة تنافسية وليس وسيلة تقليل خسائر.
نقص المعروض يقلب موازين السوق
في الوقت الذي يعود به السوق تدريجيًا، ينكمش المعروض الجديد بشكل حاد، وهذا أحد أخطر وأهم تحولات 2026، وتتضح هذه الأزمة في كافة القطاعات، ففي المكاتب وصلت مستويات التطوير في الولايات المتحدة عند أقل مستوياتها في تاريخها، مع انخفاض التسليمات بنسبة 75% وغالبًا ما تكون المشاريع الجديدة مؤجرة من قبل بالكامل.
وفي اللوجستيات والصناعة (المستودعات والمخازن) تراجعت التسليمات بـ42% عن ذروة 2023، بالإضافة إلى تصاعد المنافسة على الأراضي بسبب مراكز البيانات والتصنيع، وفي التجزئة والسكن المتعدد، اقترب المعروض من القاع في الأسواق الناضجة.
وينتج عن ذلك ارتفاع تكلفة المساحات الجيدة، وسيضطر المستأجر لقبول بدائل أقل جودة أو الدفع أكثر، وهنا تظهر فرصة ذهبية كإعادة هيكلة القديم في أكثر من 130 مليون متر مربع مكاتب مهددة بالتقادم في أكبر 10 أسواق عالمية مما خلق اتجاه هام في هذا السوق وهو التحديث بدلًا من الهدم، وإعادة توظيف بدلًا من التوسع، وتحسين كفاءة الطاقة بدلًا من بناء عقارات جديدة والأهم “التحديث المبكر" الذي قد يتجاوز العائد حتى55%، بخلاف تقليل الانبعاثات والكُلفة الزمنية.

التجربة تحولت إلى أصل استثماري
لم يعد الأفراد يختارون المكان على أساس السعر والموقع فقط بل التجربة نفسها أصبحت ذات قيمة اقتصادية، فالموظفين والمتسوقين، والزوار أصبحوا يبحثون عن الراحة والخصوصية، مما قلب منطق سوق المكاتب رأسًا على عقب، فالمشكلة ليست العمل في المكتب بل في تجربة مكتب سيئة.
وفقًا للإحصائيات، 84% من الموظفين الراضون عن تجربة المكان، متقبلين الحضور، و73% يعتبرون الطبيعة والمساحات الخضراء عنصر رفاهية أساسي.
تحصل المكاتب في المناطق الحيوية على علاوة إيجارية 32%، مما يعني أن الشركات لم تعد تدفع الإيجار لمجرد الحصول على مساحة عمل، بل تدفعه مقابل التجربة والقيمة المضافة التي يقدمها الموقع، فالمكاتب التي تفتقر إلى هذه القيمة ستفقد مكانتها، في حين أن المكاتب في المواقع الاستثنائية ستتمتع بقوة سوقية أكبر وقدرة على رفع الأسعار.
التحول الحتمي، الذكاء الاصطناعي يعيد تصميم نموذج العمل
كانت 2025 عام تجارب بامتياز، فالجميع دخل عالم الذكاء الاصطناعي بحماس وأطلق عدة مشاريع استثمارية به، وجرب الكثير من الحلول لاستخدامه، لكن يأتي عام 2026 كعام محاكمة حقيقية، ورغم أن أكثر من 90% من الشركات بالفعل بدأت مشاريع AI، ومتوسط كل شركة تعمل على حوالي 5 حالات استخدام مختلفة للـ AI في العقارات التجارية، إلا أن الواقع يعكس أن 5% فقد الذين حققوا الأهداف المطلوبة، والسبب ليس في التكنولوجيا ذاتها، لكن في طريقة التعامل معها؛ فأغلب الشركات دخلت عالم الـ AI بعقلية تجربة عابرة بدون استراتيجية واضحة أو بنية بيانات قوية، أو خطة لإدارة التغيير داخل المؤسسة، أو حتى مواهب كافية لفهم وإدارة هذا التحول بذكاء في 2026، فهذا النوع من المشاريع العشوائية سيبدأ في الاختفاء تدريجيًا، والاستثمار الحقيقي سيذهب للشركات التي لديها رؤية متكاملة وعلى دراية باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وتتسع الفجوة هنا بين لاعبين كبار استطاعوا تحويل الـ AI لأداة استراتيجية، وبين باقية السوق الذي يجد نفسه مضطر لمراجعة حساباته، فالذكاء الاصطناعي في المرحلة المقبلة لن يكون وسيلة لزيادة الكفاءة أو تقليل التكلفة فقط، لكنه سيتحول لأداة تعيد تصميم نموذج العمل نفسه وتغير طريقة اتخاذ القرار، وتخلق ميزة تنافسية حقيقية لمن يستطيع استغلاله بطريقة صحيحة.

الطاقة في قلب التنافس، العقار أصبح منتج ومخزن للطاقة
دخلت الطاقة بعمق في صميم التنافسية العقارية مدفوعة بالطلب الهائل من مراكز البيانات، والارتفاع الجنوني الذي تخطى 200% في أسعار الكهرباء ببعض المناطق، مما جعل تكلفة الطاقة تمثل ما يصل إلى 26% من قيمة الإيجار.
فهذا الواقع غير المعادلة التقليدية من جذورها؛ فلم يعد المبنى مستهلك للطاقة فحسب، بل تحول إلى وحدة تنتج وتخزن وتدير احتياجاتها بكفاءة، فالأصول التي تستثمر في الطاقة الشمسية، وحلول التخزين، وأنظمة التوليد الموزعة تحقق مزايا استراتيجية كبرى، تتمثل في الاستقرار والمرونة، بالإضافة إلى تحقيق إيرادات إضافية من المتوقع أن تصل إلى 50% فوق الإيجار الأساسي.
الاستثمار العقاري يفتح أبوابه للجميع
كانت العقارات التجارية دائمًا قطاع مقصور على المؤسسات الكبرى، إلا أن عام 2026 يأتي ليحطم هذه القاعدة، بعد التشريعات الجديدة وظهور خطط التقاعد وتوجه الثروات الخاصة نحو البحث عن دخل ثابت، بالإضافة إلى ظهور حلول مثل البلوك تشين والملكية المجزأة، بدأت تتشكل نتيجة واضحة، تدفق مستثمرين أفراد إلى أصول كانت تنحصر على المؤسسات، مما يضخ سيولة جديدة للسوق ويخلق نماذج ملكية أكثر مرونة، فهذا الانفتاح المتوقع سيؤدي إلى تغيير جذري في شكل السوق، وطريقة تسعير الأصول، وقواعد المنافسة بين اللاعبين.
يتضح أن عام 2026 يمثل نقطة تحول حقيقية في مسار العقارات التجارية العالمية، حيث تتجاوز التغيرات مجرد التعافي الاقتصادي لتصبح إعادة تصميم جوهرية للقطاع.
بالإضافة إلى ذلك أدى نقص المعروض الحاد في كافة القطاعات إلى خلق "فرصة ذهبية" لإعادة هيكلة وتحديث الأصول القديمة، فأصبحت المساحات المحدودة ذات الجودة العالية قادرة على جني مكاسب هائلة تصل إلى 55% زيادة في العائد عند تحديثها، ويتكامل هذا مع التحول في سلوك المستخدمين، فأصبحت التجربة بحد ذاتها استثمارية، والمكاتب في المناطق الحيوية تحقق علاوات إيجارية لأنها تبرر "مشوار" الموظف.
وفي الختام يؤكد نضج الذكاء الاصطناعي على أنه لم يعد مجرد أداة للكفاءة، بل قوة تعيد تصميم نموذج العمل بأكمله، بينما يشهد القطاع انفتاحاً غير مسبوق يكسر جدار "النادي المغلق" بفضل التكنولوجيا والتشريعات، ليضخ سيولة جديدة ونماذج ملكية أكثر مرونة.
التحدي في 2026 ليس في حجم الاستثمار، بل في ذكاء الاستراتيجية فمن يستوعب أن المبنى تحول لوحدة منتجة للطاقة، وأن الكفاءة أصبحت ميزة تنافسية، يربح الرهان في هذا السوق الذي تغيرت به قواعد اللعبة إلى الأبد.

اقرأ أيضًا:-
5 أسباب تجعل سوق العقارات التجارية في مصر 2025 فرصة لا تُفوت
بتكلفة 15 مليار جنيه، «الفطيم العقارية» تُطلق مشروعًا تجاريًا في مصر
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
قفزة «أمريكولد» قبل الكريسماس، هل يعكس صعود السهم تحسنًا حقيقيًا أم نشوة موسمية عابرة؟
15 ديسمبر 2025 01:00 م
لماذا لا تزال الروبوتات عاجزة عن طيّ الملابس؟
15 ديسمبر 2025 09:03 ص
الشقق الفندقية في المقدمة، سوق الإيجارات قصيرة الأجل يستهدف 400 مليار دولار بحلول 2032
14 ديسمبر 2025 05:00 م
أكثر الكلمات انتشاراً