السياحة الطبية تحت المجهر، كيف توازن الإمارات بين التكلفة العالية والتقدم التكنولوجي لجذب المرضى الدوليين؟

تشهد الإمارات تحولًا متسارعًا نحو ترسيخ مكانتها كوجهة عالمية رائدة في السياحة الطبية، مستفيدة من بنية تحتية صحية متقدمة، واستثمارات ضخمة في التقنيات الحيوية والذكاء الاصطناعي، إلى جانب منظومة سياحية قوية تضم فنادق، وخدمات سفر، وأنظمة نقل عالمية المستوى.

وبالتزامن مع النمو المتواصل لقطاع السفر والسياحة في الإمارات، تتجه الدولة إلى دمج أحدث الابتكارات الصحية والتقنية، ما يجعل تجربتها في السياحة العلاجية أكثر تطورًا وشمولية، ويعزز قدرتها على جذب المرضى الدوليين الباحثين عن جودة الرعاية وسرعة الخدمات الطبية المتقدمة.

قطاع السياحة في الإمارات.. نمو قتصادي قوي يدعم صناعة السياحة الطبية

واصلت الإمارات تعزيز موقعها كوجهة عالمية للسياحة، لفضل البنية التحتية المتطورة وقدرات تشغيلية عالية في قطاعي الفنادق والطيران.

وبلغت مساهمة القطاع السياحي في اقتصاد الدولة نحو 257.3 مليار درهم عام 2024، دعمت أكثر من 898,600 وظيفة، كما سجل إنفاق الزوار الدوليين 217.3 مليار درهم، وبلغ إنفاق الزوار المحليين 57.6 مليار درهم.

أشارت بيانات المجلس العالمي للسفر والسياحة إلى أن إنفاق الزوار الدوليين مرشح للوصول إلى مستوى قياسي يبلغ 228.5 مليار درهم في 2025، بزيادة 37% عن مستويات 2019، كما يتوقع أن تبلغ مساهمة القطاع نحو 267.5 مليار درهم، أي ما يقرب من 13% من الناتج المحلي الإجمالي.

وارتفعت إيرادات المنشآت الفندقية إلى 45 مليار درهم في 2024، وبلغ معدل الإشغال 78%، بعدد 1,251 فندقًا يضم 216,966 غرفة، واستقبلت الدولة 30.8 مليون نزيل بزيادة 9.5% عن العام السابق.

التقنية الحيوية.. محرك الابتكار والتطوير في قطاع السياحة الطبية

ووفقًا لتقرير حديث صدر عن جي وورلد، بعنوان " السياحة الطبية في الإمارات ودور التقنية التقنية الحيوية"، تعد التقنية الحيوية أحد أسرع القطاعات العالمية نموًا، لما تقدمه من حلول تعتمد على الهندسة الوراثية، والبيولوجيا الجزيئية، وعلم الجينوم، لتطوير أدوية، لقاحات، تشخيصات، ومواد بيولوجية مبتكرة، وتشمل تطبيقاتها الحيوية في الصحة، اكتشاف الأدوية، العلاج الجيني، الطب الدقيق، والمنتجات البيولوجية.

وتتصدر التقنية الحيوية للرعاية الصحية القطاعات الفرعية الأكثر نموًا، بفضل الابتكارات التي تدعم التشخيص السريع، العلاج الشخصي، تطوير الدواء، وإنتاج المواد البيولوجية، وهي التطبيقات التي أصبحت الإمارات تسخرها لرفع مستوى خدماتها العلاجية.

تقنيات حيوية تقود مستقبل السياحة الطبية في الإمارات

1 . الذكاء الاصطناعي في الطب الحيوي

تعمل الإمارات على دمج الذكاء الاصطناعي في منظومتها الصحية، ومن أبرز الأمثلة تعاون جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي مع شركة "SEHA صحة" لتطوير خوارزميات تتنبأ بالنوبات القلبية قبل حدوثها، ما يمكّن من التدخل المبكر ويعزز الطب الوقائي، كما عززت شراكة G42 ومبادلة لتأسيس كيان M42 مكانة الإمارات كمركز عالمي لتطوير حلول الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية والطب السريري.

2. علم الجينوم والطب الشخصي

تستثمر الإمارات بقوة في برامج الجينوم، وعلى رأسها برنامج الجينوم الإماراتي الذي يهدف لرسم خريطة جينية شاملة لسكان الدولة، ويسمح هذا البرنامج بالتنبؤ بالأمراض الوراثية والمزمنة قبل ظهورها، وتطوير علاجات دقيقة تستهدف كل مريض بشكل منفرد، ما يمهد لثورة في الطب الشخصي ويقلل تكاليف العلاج على المدى الطويل.

3. مشروع “نادر” لدراسة الأمراض الوراثية النادرة

بدعم دائرة الصحة، أبوظبي، أطلق مشروع “نادر” بالتعاون بين برجيل القابضة وشركة بريدج بيو فارما الأميركية، للعمل على دراسة الأمراض النادرة وتطوير علاجات مبتكرة لها، وتمثل أبوظبي منصة للتجارب السريرية بفضل بنيتها التحتية المتقدمة في علوم الحياة، مما يعزز موقعها كحاضنة بحثية إقليمية.

4. التشخيص الفوري Point-of-Care Diagnostics

حقق فريق جامعة NYU أبوظبي طفرة بابتكار شريحة ورقية RCP-Chip قادرة على تشخيص الأمراض المعدية خلال أقل من 10 دقائق دون الحاجة لمختبر. وتعد هذه التقنية مثالية للسياحة الطبية، تسمح بإجراء فحوص سريعة قبل السفر أو خلاله، وتعزيز الاستجابة لتفشي الأمراض.

5. الجراحة الروبوتية

أدخلت الإمارات أنظمة الجراحة الروبوتية مثل "دافنشي" إلى العديد من مستشفياتها، ما يتيح عمليات أكثر دقة، وأقل تدخلًا جراحيًا، وأسرع في التعافي، وهي عوامل حاسمة للمرضى الدوليين الذين يرغبون في فترة إقامة طبية قصيرة.

6. هندسة الأنسجة والطب التجديدي

يشكل تطوير الأنسجة الحيوية البديلة من خلال الزراعة الخلوية والهندسة الحيوية خطوة محورية في مستقبل الطب، وتفتح هذه التقنيات الباب أمام حلول لعلاج أمراض القلب والسكري وفشل الأعضاء، وتقلل الاعتماد على متبرعين بشريين.

7. الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين في الطب التجديدي

يساعد الذكاء الاصطناعي على تحسين هندسة الأنسجة عبر اختيار الخلايا المناسبة وضبط بيئة نموها، بينما توفر تقنية البلوك تشين سجلًا آمنًا لتتبع مراحل تطوير الأنسجة وضمان جودة البيانات، ويمكّن الدمج بين التقنيتين من تطوير علاجات شخصية دقيقة عالية الموثوقية.

8. إنترنت الأشياء الطبية (IoMT)

يمثل IoMT أحد أهم التقنيات الداعمة للسياحة الطبية، حيث يتيح مراقبة المريض عن بُعد، وإرسال بيانات مستمرة للطبيب، خصوصًا في جراحات العظام التي تعد من خدمات السياحة العلاجية الأكثر طلبًا، ويساعد IoMT في متابعة إعادة التأهيل والتأكد من التزام المرضى بالتمارين العلاجية.

9. الطباعة ثلاثية الأبعاد في الطب

تقدم الإمارات فرصاً بحثية وعلاجية متقدمة في الطباعة ثلاثية الأبعاد، خاصة في تصنيع الأطراف الاصطناعية، النماذج التشريحية، والزراعة الخلوية، وتدعم هيئة الصحة بدبي استراتيجية وطنية للطباعة ثلاثية الأبعاد لتحفيز إنتاج حلول طبية مبتكرة.

10. إنتاج المغذيات والأغذية الوظيفية

تسهم التقنية الحيوية في إنتاج مكملات وأغذية وظيفية تعزز صحة السائح الطبي، مثل البروبيوتيك والأحماض الدهنية وأغذية مضادة للأكسدة، مع دور متزايد في الوقاية من السمنة والسكري والقلب. كما تتيح حلولًا مستدامة للحفاظ على صحة البيئة عبر معالجة التلوث، ورفع جودة الهواء والماء والتربة.

التحديات التي تعرقل توسع السياحة الطبية في الإمارات

رغم التطور السريع الذي تشهده الإمارات في بناء منظومة رعاية صحية متقدمة، ونجاحها في تبني التقنيات الحيوية الحديثة لتعزيز قدرتها التنافسية في سوق السياحة العلاجية، إلا أن هذا القطاع ما زال يواجه مجموعة من التحديات الهيكلية والفنية التي قد تبطئ وتيرة نموه في المرحلة المقبلة، وهي:

 1 . محدودية الكفاءات البحثية المتخصصة

لا تزال الإمارات تعتمد على منظومة بحثية محلية محدودة من حيث عدد الخبراء المتخصصين في مجالات التقنية الحيوية، وعلم الأدوية، والبحث السريري، والابتكار الطبي، ورغم حجم الاستثمارات الكبير في تطوير بيئة علوم الحياة، إلا أن نقص المواهب المتقدمة يشكل عائقاً أمام تطوير حلول طبية مبتكرة أو تعزيز التكامل بين التكنولوجيا الحيوية والسياحة الطبية على المدى الطويل.

2. تركز قطاع علوم الحياة في نطاق جغرافي ضيق

يتركز النشاط الحيوي لقطاع علوم الحياة داخل عدد محدود من المناطق المتخصصة مثل مدينة دبي الطبية (DHCC) ومجمع دبي للعلوم ومدينة مصدر، ما يجعل نمو القطاع غير متوازن على مستوى الدولة، ورغم التوسع المضطرد لهذه المراكز، إلا أن بناء منظومة علمية متكاملة تضاهي الأسواق العالمية الناضجة لا يزال بحاجة إلى وقت واستثمارات أكبر.

3. توجهات المستثمرين نحو القطاعات الأسرع عائداً

يميل عدد كبير من المستثمرين في الإمارات إلى ضخ رؤوس أموالهم في قطاعات تحقق عوائد سريعة مثل العقارات والذكاء الاصطناعي والخدمات اللوجستية، على حساب الاستثمارات طويلة الأجل في مجالات التقنية الحيوية، التي تتميز بارتفاع المخاطر وطول دورة التطوير.

ونتيجة لذلك، تجد الشركات الناشئة المحلية في قطاع علوم الحياة صعوبة في الحصول على تمويل كافٍ للتوسع، ما يدفع بعضها للانتقال إلى منظومات بحثية أكثر نضجاً في الخارج.

4. تكلفة دمج التقنيات الحيوية بالسياحة الطبية

يتطلب الربط بين الخدمات الطبية المتقدمة والتقنيات الحيوية، مثل الطب الدقيق أو الاختبارات الجينية قبل السفر، بنية تحتية عالية الجودة تضمن موثوقية المعامل وسهولة الوصول إلى الفحوصات.

إلا أن هذه الخدمات غالباً ما تكون مرتفعة التكلفة، ما يجعل تعميمها على نطاق واسع تحدياً أمام المرضى الدوليين وحتى أمام مزودي الخدمات.

5. ارتفاع أسعار الخدمات الطبية

تتمتع الإمارات ببنية صحية متطورة، إلا أن ارتفاع أسعار العلاجات والخدمات الطبية يظل أحد أبرز التحديات أمام تعزيز تنافسية الدولة مقارنة بوجهات سياحية علاجية أخرى تقدم خدمات عالية الجودة بأسعار أقل. وهو ما قد يحد من قدرة القطاع على جذب شرائح أوسع من المرضى حول العالم.

6. منافسة قوية من الأسواق الإقليمية والعالمية

تواجه الإمارات منافسة شديدة من دول تمتلك خبرة طويلة في قطاع السياحة الطبية مثل الهند وتايلاند وسنغافورة وكوريا الجنوبية، والتي تجمع بين الأسعار التنافسية والمرافق الطبية المتقدمة والاعتمادات الدولية واسعة الانتشار، وتضيف هذه المنافسة ضغوطاً إضافية على القطاع الإماراتي للحفاظ على مكانته وتعزيز ميزاته التنافسية.

تحليل سوق السياحة الطبية في الإمارات.. نمو متواصل حتى 2033

يبلغ حجم سوق السياحة الطبية في الإمارات نحو 998.69 مليون دولار في 2023، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل سنوي مركب 8.7% ليصل إلى 1.5 مليار دولار بحلول 2028، ثم يواصل صعوده ليبلغ نحو 2.3 مليار دولار في 2033.

ويعكس هذا النمو المتسارع الطلب المتزايد على الخدمات الطبية عالية الجودة، وتطور البنية التحتية، والاعتماد المتنامي على التقنيات الحيوية التي تعزز ثقة المرضى الدوليين وتجذب استثمارات جديدة إلى القطاع.

قدم الإمارات نموذجاً متقدماً في دمج التقنية الحيوية بالسياحة الطبية، ما يعزز قدرتها على استقطاب المرضى الدوليين عبر خدمات علاجية متطورة وتجربة صحية متكاملة.

ومع استمرار الاستثمارات في الجينوم، والذكاء الاصطناعي، والطب التجديدي، والطباعة ثلاثية الأبعاد، من المتوقع أن تواصل الدولة ترسيخ موقعها كمركز رائد عالمياً في الطب المتقدم والسياحة العلاجية خلال العقد المقبل.

اقرأ أيضًا:

قطاع مزدهر يضخ المليارات، كيف تتحول السياحة الطبية إلى محرك اقتصادي جاذب للاستثمار؟

سوق يتجاوز 2.3 مليار دولار، السياحة الطبية في الإمارات تُعيد رسم خريطة الرعاية الصحية

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا.

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ“أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية”، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

أخبار متعلقة

قطاع مزدهر يضخ المليارات، كيف تتحول السياحة الطبية إلى محرك اقتصادي جاذب للاستثمار؟

10 ديسمبر 2025 01:00 م

سوق يتجاوز 2.3 مليار دولار، السياحة الطبية في الإمارات تُعيد رسم خريطة الرعاية الصحية

08 ديسمبر 2025 08:47 ص