الخميس، 20 نوفمبر 2025

04:00 ص

كيف يصنع تسعير التصدير خريطة النفوذ في التجارة العالمية؟

الخميس، 20 نوفمبر 2025 12:29 ص

تسعير التصدير

تسعير التصدير

يبدو تسعير التصدير في ظاهره عملية بسيطة تعتمد على جمع التكلفة مع هامش الربح أو إضافة خدمات النقل والشحن، لكنه في الحقيقة أعمق بكثير من ذلك. 

فاختيار شركة مصدرة بين النماذج EXW أو FOB أو CIF أو DDP لا يحدد فقط شكل الفاتورة، بل يحدد حجم القيمة المضافة داخل الدولة، ونقاط القوة والضعف في سلاسل الإمداد، ومدى قدرة الاقتصاد على المنافسة عالميًا. 

وهنا يتحول “تسعير التصدير” من عملية محاسبية إلى أداة استراتيجية تعكس ملامح الاقتصاد، وقوة البنية اللوجستية، وأحيانًا النفوذ السياسي للدولة في الأسواق الخارجية.

حاويات

الاعتماد على نظام EXW

عندما تعتمد الدول أو الشركات على نظام EXW، فإنها تقدم أقل مستوى من المشاركة في سلسلة التصدير، حيث ينتهي دورها أمام باب المصنع، ويبدأ دور المشتري، وهذا الشكل من التسعير يعبر عادة عن اقتصادات ذات قدرات لوجستية محدودة أو شركات صغيرة تبحث عن تقليل المخاطر وتحقيق أسرع عملية بيع ممكنة. 

لكنه في الوقت ذاته يحرم الاقتصاد من الاستفادة من قطاعات النقل المحلي، والتخليص الجمركي، والشحن، والتأمين، وبالتالي تفقد نسبة كبيرة من القيمة المضافة الوطنية. 

ولذلك يعتبره الاقتصاديون مرحلة “البداية” التي تحتاج الاقتصادات الصاعدة إلى تجاوزها إذا أرادت بناء حضور تجاري دولي حقيقي.

التسعير وفق FOB 

أما التسعير وفق FOB فيمثل نقطة تحول مهمة، حيث يبدأ دور الشركة والدولة في التوسع داخل سلسلة القيمة، فمع نقل البضاعة إلى الميناء والتعامل مع النقل الداخلي والتخليص، تنشط قطاعات عديدة داخل الاقتصاد المحلي، ويزداد اعتماد الصادرات على منظومة وطنية متكاملة بدلًا من الاعتماد الكامل على المشتري. 

هذا المستوى يعكس عادة وجود بنية لوجستية أفضل وقدرة تنافسية أعلى، إذ يصبح التصدير نشاطًا يشمل عددًا أكبر من الشركات المحلية: النقل البري، والموانئ، وشركات الشحن، وسلاسل الخدمات المرتبطة بالموانئ. 

وهنا تبدأ الدولة في الانتقال من دور المورد الاستهلاكي إلى دور الفاعل التجاري.

الميناء البحري

الانتقال إلى نظام CIF يغير المشهد تمامًا

ومع الانتقال إلى نظام CIF، يتغير المشهد تمامًا، والشركة المصدرة لا تبيع منتجًا فحسب، بل تبيع خدمة النقل البحري والتأمين أيضًا، وهو ما يمثل قفزة مهمة في القيمة المضافة. 

فالدول التي تصدر بنظام CIF تحتفظ بجزء أكبر من الأموال المتداولة داخل سلسلة الإمداد، لأنها تتحكم في أسعار الشحن وتشتري التأمين من شركات وطنية، مما يعود بأرباح إضافية إلى الاقتصاد المحلي. 

كما يمنح CIF الشركات المصدرة نفوذًا أكبر في التعامل مع الأسواق الخارجية، إذ يصبح الطرف الذي يتحكم في الشحن هو الطرف الذي يتحكم فعليًا في تدفق البضائع ومعادلة المنافسة. 

ولهذا يعتبر CIF معيارًا للدول التي تمتلك أساطيل شحن قوية وبنية تحتية بحرية متطورة.

نظام DDP هو القمة التي يصل إليها الاقتصاد القادر

أما نظام DDP فهو القمة التي يصل إليها الاقتصاد القادر على السيطرة الكاملة على سلاسل التوزيع، ليس فقط داخل دولته، بل داخل دول الآخرين أيضًا. 

فعندما تتحمل الشركة المصدرة كل شيء، من الشحن الدولي والتأمين والتخليص في دولة أخرى وحتى التوصيل إلى باب العميل، فهي تقدم أعلى مستوى من التحكم والجودة في التجربة التجارية. 

ويعد هذا النظام الأكثر استخدامًا لدى الشركات متعددة الجنسيات التي تمتلك قدرات مالية وتشغيلية ضخمة، لكنه في الوقت نفسه يحمل مخاطر كبيرة تتعلق بتقلبات الرسوم الجمركية الأجنبية، وسياسات الاستيراد، وتغير أسعار الوقود، وتعطل سلاسل الإمداد. 

ورغم ذلك يبقى مؤشرًا واضحًا على قوة الشركة والدولة في الأسواق العالمية.

نماذج التصدير

تأثير الإنكوترمز لا يتوقف عند مستوى الشركة

قبل أن نعرف التأثير يجب أن نعرف ما هو الإنكوترمز (Incoterms)، وهي اختصار لـ "المصطلحات التجارية الدولية"، وهي مجموعة من القواعد التي تنشر بواسطة غرفة التجارة الدولية (ICC) لتوضيح مسؤوليات البائع والمشتري في عقود البيع الدولية من حيث التكاليف والمخاطر ووسائل النقل. 

وتعد هذه المصطلحات أساسية في التجارة العالمية لتحديد نقطة تسليم البضائع ومتى تنتقل المسؤولية والتكاليف من البائع إلى المشتري. 

إن تأثير الإنكوترمز لا يتوقف عند مستوى الشركة، بل يمتد ليمس الاقتصاد الوطني بالكامل، فكل خطوة انتقالية من EXW نحو DDP تعني قيمة مضافة أكبر داخل الدولة، وزيادة في فرص العمل، ونموًا في قطاعات النقل والخدمات، وجذبًا أكبر للاستثمارات الأجنبية. 

الدول التي تبيع CIF وDDP غالبًا ما تمتلك ميزانًا تجاريًا أكثر قوة واحتياطيات أكبر من العملات الأجنبية، نظرًا إلى أنها لا تكتفي بتصدير السلعة بل تصدر معها الخدمة التي تحيط بها. 

الدول التي تعتمد على EXW تحت رحمة الشركات الأجنبية

في حين تبقى الدول التي تعتمد بشكل واسع على EXW تحت رحمة الشركات الأجنبية التي تتحكم في الشحن والتأمين وسلاسل التوزيع.

ومع تطور التجارة الإلكترونية ونمو شركات مثل أمازون وعلي بابا، من المتوقع أن يزداد الاعتماد العالمي على DDP، إذ يسعى العملاء حول العالم إلى خدمة من المصنع إلى باب البيت. 

هذا التحول سيمنح دورًا أكبر للشركات اللوجستية، وسيفرض معايير جديدة على الدول التي ترغب في المنافسة في سلاسل التجارة الرقمية. 

وفي المقابل، ستبدأ الدول النامية في الانتقال التدريجي من EXW إلى FOB ثم CIF مع تحسن البنية التحتية، مما سيخلق موجة جديدة من القدرة التنافسية في الأسواق الناشئة خلال السنوات المقبلة.

النقل البحري

الإنكوترمز ليست مجرد مصطلحات لوجستية

يظهر جليًا أن الإنكوترمز ليست مجرد مصطلحات لوجستية، بل هي مرآة حقيقية لقوة الدولة الاقتصادية، وقدرتها على التحكم في سلاسل الإمداد، ونسبة مشاركتها في القيمة المضافة العالمية. 

الدولة التي تعرف كيف تبيع، وكيف توصل، وكيف تؤمن، هي الدولة التي تملك موقعًا مستقرًا في التجارة الدولية، وتتمتع بنفوذ اقتصادي قادر على الصمود في وجه تقلبات العالم. 

ولهذا فإن مستقبل التجارة لن يحدد فقط وفق ماذا نصدر، بل وفق كيف نصدر، وهي المعادلة التي ستقود القادم من السنوات.

اقرأ أيضًا:

LCL يُعيد تشكيل اللوجستيات، كيف يغير الشحن الجزئي قواعد اللعبة في سوق التجارة العالمية

«لوجستيات التجارة» شريان النمو الاقتصادي ومحرك تنافسية الدول، تفاصيل

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هُــــــــنا.

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search