الجمعة، 07 نوفمبر 2025

11:47 م

"أخف وأقوى وأرخص"، الذهب الصيني يغزو صناعة المجوهرات ويهدد سوق المعدن الأصفر العادي

الجمعة، 07 نوفمبر 2025 08:55 م

الذهب الصيني أرشيفية

الذهب الصيني أرشيفية

في عالم ارتبط فيه الذهب عبر آلاف السنين بمعاني الثراء والفخامة والاستقرار الاقتصادي، تبرز الصين اليوم باختراق علمي وتقني جديد ينظر إليه على أنه قد يعيد تعريف طبيعة هذا المعدن، ويغير الطريقة التي يتعامل بها الإنسان معه، وقد يبدو من غير الممكن علميًا "إعادة ابتكار" عنصر كيميائي أساسي وثابت مثل الذهب.

فيما يرى العلماء الصينيون أنهم مدفوعون بسنوات طويلة من البحث المتقدم وجهود تطوير ممنهجة، كما يؤكدون أنهم نجحوا بالفعل في تحقيق ذلك عبر تحويل الذهب النقي إلى مادة بخصائص فيزيائية جديدة، دون المساس بتركيبه الكيميائي، والتي أُطلق عليها اسم "الذهب النقي الصلب" أو "بيانج زوجين" بالصينية.

 

خصائص تتجاوز حدود الذهب التقليدي

ويقول الباحث في المختبر الوطني لعلوم المواد في شينيانج التابع للأكاديمية الصينية للعلوم هاي-جون جين، إن الذهب النقي عيار 24 (بنقاوة تصل إلى 99.9%) يتميز بخصائص ميكانيكية محدودة من حيث الصلابة، فهو شديد الليونة، وسهل الانحناء وقابل للخدش وفقدان الشكل تحت الإجهاد الميكانيكي، ولا يصلح للاستخدام اليومي.

ويضيف أن الحرفيين يلجأون تقليديًا إلى مزج الذهب بمعادن أخرى كالفضة أو النحاس، لتحسين مقاومته للتشوه وزيادة صلابته، لكن ذلك يخفض النقاوة عادة إلى ما بين 18 و14 قيراطًا، ويضعف اللمعان الأصفر العميق للذهب الخالص، فيما ظل هذا التوازن بين النقاء والمتانة تحديًا علميًا وصناعيًا لقرون، ولم يكن من الممكن إنتاج ذهب يحافظ على نقاوته العالية، دون أن يفقد متانته، لكن الابتكار الصيني الأخير كسر هذه المعادلة.

ففي الأول من مايو 2024، أعلنت الصين رسميًا، اعتماد فئة جديدة من الذهب حصلت على براءة اختراع بعد سنوات طويلة من التطوير، ودخل معيار الصناعة الجديد لمجوهرات "الذهب الخالص الصلب" حيز التنفيذ في مايو 2025، بوصفه إنجازا تقنيًا يجمع بين صفاء العنصر وخواصه الميكانيكية المتقدمة.

وهذا المعيار الذي وضعه مجلس الذهب العالمي بالشراكة مع هيئات وشركات صناعية كبرى، يحدد متطلبات جودة وسلامة هذا النوع من المجوهرات بنقاء لا يقل عن 99%، مع صلابة عالية تبدأ من 60 درجة على مقياس فيكرز، أي ما يعادل أربعة أضعاف صلادة الذهب التقليدي عيار 24 قيراطًا.

ويسهم هذا المعيار في إزالة الالتباس لدى المستهلكين، عبر توحيد مصطلحات مثل "الذهب الصلب ثلاثي الأبعاد" و"ذهب 5 جي"، ضمن تصنيف صناعي موحد، ويضمن أن "الذهب الصلب الخالص"، يلبي المتانة والجودة والسلامة الموعودة، ويحقق هذا الأداء الفريد عبر إدخال نسب ضئيلة جدًا، تتراوح بين 0.1 و1% من معادن نادرة مثل الإنديوم والزنك، دون التأثير على التركيب الكيميائي الأساسي للذهب، أو لونه الطبيعي.

ويشرح «جين»، أن هذه الإضافات الدقيقة تعدّل البنية الذرية للذهب بصورة محكمة، ما يحسن خواصه الميكانيكية بشكل واضح من دون التأثير على لمعانه وثبات لونه أو استقراره الكيميائي، مضيفًا أن هذا الابتكار يمكن تبسيطه بوصفه: ذهب نقي عيار 24 قيراطا، يتمتع بمتانة وخواص ميكانيكية، تماثل الذهب عيار 18 قيراطًا، أي أنه يجمع لأول مرة بين نقاء الذهب الخالص بنسبة 99.9% وصلابة السبائك المعدنية.


 

المنطق العلمي والتقني

وعلى المستوى الصناعي، يُنتج الذهب الصيني الجديد باستخدام الذهب الخالص نفسه، لكنه يخضع لعمليات تشكيل كهروكيميائي بالنطاق النانوي، إذ تُرسب طبقات الذهب على قوالب محددة تحت ظروف مضبوطة، ما يؤدي إلى تكوين شبكة معدنية دقيقة، ذات مسامية منخفضة وبنية حبيبية نانوية.

كما تُستخدم تقنيات السباكة الدقيقة لإعادة ترتيب بنيته البلورية الداخلية، وهو ما يزيد صلابته واستقراره الميكانيكي، دون التأثير على نقائه أو لونه، وفي أغسطس 2024 كشف فريق من العلماء الصينيين، عن تقنية جديدة تزيد صلابة الذهب النقي، دون التأثير على كتلته أو نقاوته عبر تشكيل مسام نانوية منتظمة داخل بنيته الصلبة.

وأشارت الدراسة، المنشورة في "ساينس"، إلى أن إضافة هذه المسام الدقيقة، تمنحه قدرة أعلى على تحمل الإجهاد الميكانيكي مع الحفاظ على ليونته دون أي زيادة في الوزن أو تأثيرات بيئية ضارة، وهو ما اعتُبر إنجازًا مهمًا في علم المواد، وفي الطرق التقليدية لتشكيل المعادن، تعد الفقاعات أو الفراغات الداخلية، عيوبًا بنيوية خطيرة، لكن الباحثين توصلوا إلى أن التحكم في حجم وشكل وتوزيع هذه الفقاعات قد يوفر خصائص ميكانيكية محسنة.

وتتيح هذه العمليات إنتاج قطع ذهبية متجانسة، بتصاميم هندسية معقدة ودقة متناهية وأوزان خفيفة، إذ تُشكل المصوغات غالبًا، على هيئة بنى مجوفة تقلل الكتلة دون أن تنقص من المحتوى العالي من الذهب، ويمثل ذلك تحولًا تقنيًا بارزًا يجمع لأول مرة بين نقاء 24 قيراطًا وسهولة التشكيل والصلابة.

ولم يبقَ الابتكار داخل المختبرات أو الأوراق البحثية، بل دخل الصناعة والأسواق سريعًا، فقد شهد الذهب النقي الصلب ظهوره الأول في معارض المجوهرات الصينية خلال 2025، ولفت الأنظار بتصميماته الدقيقة ومتانته.

FILE PHOTO: Gold bars are displayed to be photographed at bullion house in Mumbai December 3, 2009. REUTERS/Arko Datta/File Photo

 

الذهب الصيني يمثل 20% من مبيعات المجوهرات الذهبية بالتجزئة في الصين

وخلال فترة وجيزة، أصبح منتجًا تجاريًا واسع الانتشار، حيث تشير تقارير مجلس الذهب العالمي ومبادرة "طريق الحرير الجديد للذهب"، إلى أنه بات يمثل حاليًا 20% إلى 25% من مبيعات المجوهرات الذهبية بالتجزئة في الصين، ليصبح الأسرع نموًا والأكثر رواجًا، خصوصًا بين الشباب، نظرًا لسعره الأقل من الذهب التقليدي.

ويقول الباحث في المختبر الوطني لعلوم المواد في شينيانج التابع للأكاديمية الصينية للعلوم هاي-جون جين، إن هذا النوع يُسوق على أنه أخف وزنًا وأكثر صلابة، بما يسمح بتصميم مشغولات دقيقة التفاصيل، ورقيقة الجدران دون إضافات معدنية، ودون فقدان المتانة أو التعرض للخدش والانحناء، خلافا للذهب التقليدي شديد الليونة، كما يحتفظ بمظهر الذهب عيار 24 قيراطًا، من حيث اللون اللامع دون الحاجة لطلاءات إضافية.

ومن الناحية البيئية، يحتفظ هذا الذهب بقدرته العالية على مقاومة العوامل البيئية مثل:- (الأكسدة والتشوه والتآكل)، فبالرغم من أن الذهب بطبيعته لا يتأكسد بسهولة، فإن البنية الدقيقة الناتجة عن المعالجة الحرارية، تمنع تراكم الإجهادات السطحية، وتقلل احتمالات التشقق أو فقدان اللمعان بمرور الزمن أو مع الاحتكاك المستمر.

وفي معرض هونج كونج الدولي للمجوهرات والأحجار الكريمة في سبتمبر 2025، عُرضت مجموعات كاملة من الذهب النقي الصلب، في مؤشرٍ واضح على توجه الصين لطرح الابتكار عالميًا، بوصفه إنجازًا علميًا وصناعيًا، يعيد تعريف مستقبل صناعة الذهب.

الذهب الصناعي الصيني.. هل يصبح بديلا للمعدن النفيس بالأسواق؟ - الوطن

الذهب النقي الصلب لا يزال يثير تساؤلات تحتاج لدراسة

ورغم الإشادة الواسعة، فإن الذهب النقي الصلب، لا يزال يثير تساؤلات تحتاج لدراسة، فحتى الآن، لم تختبر بشكل كاف استدامة بنيته الذرية الدقيقة تحت ظروف الاستخدام الطويل أو التعرض المستمر للحرارة والرطوبة، والتقارير المتاحة مبشرة، لكن معظمها صادر عن المصنعين، ما يستدعي المزيد من التحقق المستقل طويل الأمد.

كما يثار نقاش علمي حول المصطلحات، فبعض الخبراء يرون أن إضافة عناصر معدنية ضئيلة، مهما كانت صغيرة، قد يجعل وصف المادة بـ"الذهب النقي" غير دقيق كيميائيًا، رغم أن نسبة الذهب نفسها تتجاوز 99%، ومع ذلك يتفق المتخصصون على أن هذا الابتكار، يمثل نقلة نوعية في معالجة المعادن الثمينة، إذ نجح في تجاوز المفاضلة التقليدية بين النقاء والصلابة، التي رافقت الذهب عبر التاريخ.

موقع الكتائب | الصين تبتكر ذهباً جديداً سيغير صناعة المجوهرات عالمياً


ويقول «جين» إنه إذا أثبت هذا النوع كفاءته واستقراره على المدى الطويل، فقد يفتح باب تطبيقات أوسع، تتجاوز المجوهرات التقليدية، مثل الإلكترونيات الدقيقة، والموصلات الكهربائية، والوصلات الميكروية التي تتطلب مزيجًا من التوصيلية العالية والمقاومة الميكانيكية، والأجهزة الطبية الدقيقة، بفضل توافقه الحيوي، والصناعات الفضائية التي تحتاج موادًا خفيفة مقاومة للتآكل وتغيرات الحرارة.

أما بالنسبة للمستهلكين، فهذا التطور يعني ببساطة إمكانية اقتناء ذهب عيار 24 قيراطًا، يمكن ارتداؤه يوميًا دون خوف من الخدوش أو التشوهات، وهو إنجاز طالما اعتُبر حلمًا بعيد المنال في عالم صياغة الذهب.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا.

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search