الأربعاء، 29 أكتوبر 2025

02:44 م

"قبضة التنين"، كيف حولت بكين "فوضى التعدين" إلى سلاح جيواقتصادي يهدد أوروبا؟

الأربعاء، 29 أكتوبر 2025 11:00 ص

صراع المعادن النادرة

صراع المعادن النادرة

في الوقت الذي راهنت فيه أوروبا على تحول صناعي نظيف ومستدام، وجدت القارة العجوز نفسها فجأة أمام أزمة استراتيجية تعيدها إلى قلب لعبة النفوذ العالمي: أزمة المعادن النادرة. هذه المواد، التي قد لا يتجاوز وجودها في المنتج الواحد أجزاء من الجرام، باتت تتحكم بمصير صناعات تقدر بمئات المليارات، من السيارات الكهربائية والطائرات إلى أشباه الموصلات وتوربينات الرياح.

🇨🇳 الصين ترفع الرهان بأداة “التراخيص التقنية”

في خضم هذا التحول الجيواقتصادي، يبدو أن الصين، التي تسيطر على أكثر من 90% من عمليات تكرير هذه المعادن عالميًا، قررت أن ترفع الرهان. فبموجب نظام تراخيص جديد أعلنته بكين، أصبح تصدير أي معدات تحتوي على أكثر من 0.1% من المعادن النادرة يتطلب إذنًا رسميًا مسبقاً من الدولة، مع رفض فوري لأي طلبات موجهة للاستخدامات الدفاعية. هذا الإجراء، التقني في الظاهر، هو في جوهره إعادة صياغة لتوازن القوة الصناعية العالمي.

🇪🇺 أوروبا في مرمى العاصفة الجيواقتصادية

يصف الباحث الاقتصادي الفرنسي تيري ماير ما يحدث بأنه أكثر من مجرد أزمة توريد عادية، معتبرًا أن القرار الصيني يمثل تحولًا استراتيجيًا في موازين القوة. أوروبا، التي تستورد نحو 70% من احتياجاتها المعدنية من الصين أو عبر سلاسل توريد تابعة لها، وجدت نفسها مكشوفة أمام ضغط لم تعرف له مثيلاً منذ أزمة الطاقة في سبعينيات القرن الماضي. تُعد المعادن النادرة "نفط القرن الحادي والعشرين"، ومن يملكها يمتلك مفتاح المستقبل الصناعي، من البطاريات إلى الذكاء الاصطناعي.

قيود زمنية تهدد سلاسل الإمداد

اليوم، ليست أوروبا في موقع المستورد وحسب، بل هي في موقع التابع الذي يفتقر إلى بدائل فورية، فوفقًا للقواعد الصينية الجديدة، تُمنح تراخيص التصدير لمدة ستة أشهر فقط وتستغرق بين 40 و 60 يومًا. هذه القيود الزمنية تحول دون قدرة الشركات الأوروبية على تكوين مخزونات صناعية كافية، ما يهدد بشكل مباشر سلاسل الإمداد الحساسة، خاصة في قطاعات السيارات الكهربائية والدفاع والطيران.

المعادن النادرة الصينية

🇨🇳 بكين، من فوضى التعدين إلى هندسة النفوذ

لفهم عمق أزمة المعادن النادرة، يجب العودة إلى جذورها، وتحديدًا عام 2010، حين فشلت محاولة الصين لفرض قيود على الصادرات نحو اليابان بسبب فوضى القطاع وعمليات التهريب الواسعة، لكن المشهد تغير جذريًا اليوم، فعلى مدار 15 عامًا، خاضت بكين عملية إعادة هيكلة عميقة لقطاع المعادن النادرة، حيث لم يتبق من مئات الشركات الصغيرة سوى عملاقين مملوكين للدولة هما: مجموعة الصين للمعادن النادرة، ومجموعة الصين الشمالية للتكنولوجيا الفائقة للمعادن النادرة.

 الدمج والحصص، آليات السيطرة المطلقة

بفضل الدمج وتحديد الحصص الإنتاجية، أصبحت الصين تسيطر بشكل شبه مطلق على مراحل الاستخراج والتكرير والتصنيع، كما أطلقت بكين نظام تتبع صارمًا لمغناطيسات المعادن النادرة، يلزم الشركات بالكشف عن بيانات العملاء وكميات المعاملات، ما يمنح الدولة قدرة استخباراتية اقتصادية غير مسبوقة لمراقبة حركة السوق العالمية. بالإضافة إلى ذلك، اعتمدت الصين منذ عام 2006 نظام الحصص الإنتاجية الذي يحدد بدقة الكمية المسموح باستخراجها سنوياً. وفي عام 2024، ارتفعت هذه الحصة بنسبة 5.9% فقط، مقارنة بزيادة 21% في العام السابق، وهي إشارة واضحة إلى رغبة بكين في تشديد المعروض ورفع الأسعار العالمية.

🇪🇺 أوروبا بين الارتباط والانفصال

في مواجهة هذه القبضة الصينية المحكمة، تحاول أوروبا التحرك، حيث أقر الاتحاد الأوروبي عام 2023 "قانون المواد الخام الحرجة"، الذي يهدف إلى استخراج 30% من المعادن داخل القارة وتكرير 40% منها محليًا بحلول عام 2030، كما أُطلقت مشاريع طموحة، أبرزها مصنع Neo Performance Materials في إستونيا لإنتاج المغناطيسات، ومشروع إحياء مصفاة سولفاي في فرنسا.

 تحدي التكلفة والفجوة التكنولوجية

لكن هذه الخطوات، رغم أهميتها، لا تزال متواضعة أمام الفجوة التكنولوجية والتكلفة العالية، فالإنتاج الأوروبي أغلى من نظيره الصيني بنسبة تتراوح بين 20 و 40%، كما أن عمليات إعادة التدوير لا يمكنها أن تسد الفجوة قبل سنوات طويلة، وهكذا، تجد أوروبا نفسها اليوم أمام خيار وجودي: إما بناء توازن جديد مع بكين يقوم على الشراكة لا التبعية، أو أن تظل أسيرة لعبة القوى التي لا تملك مفاتيحها.

صراع المعادن النادرة بين واشنطن وبكين

🇺🇸 واشنطن تراقب، وبكين تتقدم

لم تمر هذه التحركات الصينية أحادية الجانب دون رد فعل غربي، ففي واشنطن، بدأ البيت الأبيض بتقييم تأثير القواعد الصينية الجديدة التي أُعلنت فجأة، في محاولة واضحة لفرض السيطرة على سلاسل إمداد التكنولوجيا في العالم بأسره، وتدرك الولايات المتحدة، التي تحاول منذ سنوات كسر هيمنة بكين على المعادن النادرة، أن الصين لا تستخدم هذه المواد كسلعة تجارية فحسب، بل كسلاح جيواقتصادي حاسم في صراع النفوذ التكنولوجي، ويرى مراقبون أن بكين تستبق المفاوضات العالمية، لا سيما مع قرب لقاء مرتقب بين الرئيسين شي جين بينج ودونالد ترامب في كوريا الجنوبية، عبر استخدام الورقة التي لا يملك أحد سواها: المعادن التي لا غنى عنها لصناعة المستقبل.

 مفترق طرق لعصر جديد

أزمة المعادن النادرة ليست مجرد مسألة توريد أو تجارة، بل هي مؤشر على نهاية مرحلة وبداية أخرى في الاقتصاد العالمي، فإذا كان النفط قد حدد موازين القوة في القرن العشرين، فإن المعادن النادرة، من النيوديميوم إلى الديسبروسيوم، هي من ستحدد من يملك مفاتيح القرن الحادي والعشرين. الصين تدرك ذلك جيدًا، وأوروبا تحاول اللحاق بالركب، بينما الولايات المتحدة تراقب بقلق، وفي هذا السباق، لا يبدو أن المنتصر سيكون من يملك المصانع فحسب، بل من يملك المواد الخام التي تصنع العالم الرقمي ذاته.

اقرأ أيضًا:

"القائمة السوداء" وسباق المعادن النادرة يُشعلان جبهة جديدة بين واشنطن وبكين

اقرأ أيضًا:

ترامب في مواجهة التنين الصيني، وساحة المعركة " المعادن النادرة"

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search