الثلاثاء، 28 أكتوبر 2025

02:43 ص

تكنولوجيا الاتصالات وعنف الأطفال والمسئولية المجتمعية

الإثنين، 27 أكتوبر 2025 02:18 م

الدكتورة سامية دسوقى عيد خبير إعلام الطفل

الدكتورة سامية دسوقى عيد خبير إعلام الطفل

بقلم الدكتورة سامية دسوقى عيد خبير إعلام الطفل

ماذا جرى لقلوب بعض الصغار ؟؟!! ، قلوبهم كأفئدة الطير لا تعرف الغل و الكراهية ، وترتبط وتحب أصدقاءها كحب صغار الطير التي تألفها ، أتذكر وكنا صغاراً إذا ضايقنا أحد زملاء المدرسة ، في اليوم التالي وببراءة الأطفال ننسى الموقف نفسه ، فلا غل ولا حقد،  فقلوب الصغار لا تعرف إلا الرحمة والحب والخير بالفطرة السوية التى فطرها الله على الإنسان . 


عدة حوادث لعنف الأطفال صدمت المجتمع وأوجعت قلوبنا جميعا وأدعو الله أن ينزل الصبر على قلوب آبائهم وأمهاتهم ويعوضهم خيرا وآخر تلك الوقائع هى :  مقتل تلميذ على يد زميله في الإسماعيلية باستخدام منشار كهربائى ، وواقعة مقتل طالب اعدادى على يد زميله بمفك فى الدقهلية .


- وواقعة تتعلق بطفل 13 عامًا، من كفر الشيخ تعرض للسحل والضرب من قبل ثلاثة أطفال، وأصيب بطلق ناري في الرأس من سلاح غير مرخص مملوك لوالده، مما أدى إلى إصابة ووفاة الطفل.


تلك الوقائع الصادمة تجعلنا نضع أمامنا مؤشرات مهمة حيث تثير التكنولوجيا القلق حول تأثيرها على سلوك الأطفال في ظل انتشار استخدام الإنترنت والألعاب الإلكترونية بين الأطفال فنسبة الأطفال الذين يستخدمون الإنترنت والألعاب الإلكترونية لأكثر من 6 ساعات يوميًا: 20%، و نسبة الأطفال الذين يعانون من أعراض إدمان الإنترنت 15 %من الأطفال بين 9 و11 سنة.، و28% من الأطفال بين 12 و15 سنة. 


وتشير بعض الدراسات إلى أن هناك علاقة بين استخدام التكنولوجيا وزيادة السلوك العدواني والعنف لدى الأطفال ، وأن استخدام الأطفال للتكنولوجيا يسبب مخاطر لهم تتمثل فى العنف والعدوانية ،ويمكن أن يؤدي تعرض الأطفال لمحتوى عنيف على الإنترنت أو في الألعاب الإلكترونية إلى زيادة السلوك العدواني والعنف لديهم ، والقلق والاكتئاب واضطرابات النوم وتأثيرات سلبية على الصحة العامة ، وضعف التركيز والانتباه وتأثيرات سلبية على الأداء الدراسى فضلا تأثيرات إدمان الإنترنت حيث لا يستطيع الأطفال التوقف عن اللعب . 

بلا شك أن المسئولية هى مسئولية الجميع بدءا من المسئولية الأسرية ومؤسسات المجتمع والقوى الناعمة المنوط بها بناء الطفل من أول ولادته حتى يشب نافعا لنفسه وأسرته ووطنه وبلدنا تستحق منا الكثير لأننا بلد شاب حيث أن معظم  تعداد سكانها من الأطفال والنشء والشباب . هناك الكثير من الجهود المبذولة التى تبذلها العديد من الجهات الحكومية والأهلية ، ومنها الجهود والمبادرات التى ينفذها المجلس القومى للطفولة والأمومة للتعلم الرقمى ورفع الوعى بمخاطر الإنترنت.


والاستخدام الآمن للانترنت ورفع وعى الأسرة والأطفال وأحدثها حملة " واعى وغالى " لحماية الأطفال من العنف والتنمر والتحرش ، والتشجيع على كسر حاجز الصمت وثقافة الإبلاغ على خط نجدة الطفل ، وكذلك جهود وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وغيرها من العديد من الجهات،  و يبدو أن تلك الحالات ووقائع عنف الأطفال هى جرس إنذار بأن هناك حالات موجودة قد تكون قنبلة موقوتة فى أى وقت ، ويجب أن يكون هناك تحرك مجتمعى للوقاية لحماية النشء من الوقوع فى تلك المخاطر، و الطفل المجنى عليه والجانى هم ضحايا بعض الممارسات التربوية الخاطئة أو قصور فى جوانب التنشئة والرعاية النفسية والاجتماعية للطفل فى ظل عالم افتراضى مفتوح لا قيود فيه .
 

وما الحل ؟؟؟؟  دور الأسرة ومؤسسات المجتمع


فالأسرة هي خط الدفاع الأول، ومن المهم أن تستمع جيدًا لأطفالها، وأن تظهر لهم الاهتمام والود، وتأهيل الأطفال لفترة المراهقة من خلال الحوار الإيجابي وتحديد عواقب واضحة للسلوك السيء. ومن المهم أن يعى الأطفال كيفية التصرف المسئول عند تعرضهم لعنف وتنمر لفظى وبدنى  يحدث بين المراهقين. كاللجوء إلى الأسرة أو الجهات الأكبر لمساعدة وحماية الطفل وأهمها خط نجدة الطفل 16000 التابع للمجلس القومى للطفولة والأمومة ودوره المهم فى مساعدة الأطفال وحمايتهم من المخاطر والاستغلال بكافة صورها   .


الأمر يحتاج إلى العمل على المدى القصير والمتوسط وعلى المدى الطويل للمستقبل فكما نقوم بتحصين أولادنا من الأمراض المعدية وغيرها مثل شلل الأطفال وبالأمصال المختلفة ، فالأمر مهم ولا يقل عن ذلك أهمية بأن يتم تحصينهم من متغيرات العصر من المواقع والمنصات التى تروج لمفاهيم مشبوهة تستهدف فساد أطفالنا ، فالأطفال بحاجة إلى تأهيلهم لكيفية التعامل الآمن مع الانترنت منذ الصغر فى البيت وفى المدرسة ، و أن تقوم وزارة التربية والتعليم بالتنسيق مع وزارة الاتصالات والتكنولوجيا والجهات المعنية وفى اطار مناهج التعليم المرتبطة بالتكنولوجيا وعلوم الحاسب والذكاء الاصطناعى بوضع مكون للتأهيل بكيفية التعامل الآمن مع العالم الافتراضى وحماية أنفسهم من مخاطر العنف وانجرافهم لعالم الجريمة بمحاكاة أفلام وفيديوهات ومشاهد يقومون بتقليدها لأن الطفل فى السن الصغير إدراكاته تكون غير مكتملة وقد لا يعرف التمييز والتفرقة بين الواقع والخيال .


دور الإعلام المهم ... وتعميم  مبادرة يوم بلا شاشات ... بلا سوشيال ميديا


وأعول على أهمية دور الإعلام التقليدى والاليكترونى ومبادرات التوعية بالمخاطر التى تستهدف الأطفال والشباب  والأسرة معا ، و أن يتم تعميم فكرة المبادرة التى أطلقتها الدكتورة منى الحديدى  أستاذة الإعلام وعضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والثقافة. "معاً.. يوم بلا شاشات .. بلا سوشيال ميديا"  لتكون أساس يمكن العمل فى اطاره على مستوى الجمهورية ، وهدفها الأساسي فتح باب للتأمل في جدوى الاستخدام المفرط للتكنولوجيا بعد تزايد مخاطرها ، والطموح بأن تأخذ لجنة تطوير الإعلام التى شكلها مؤخرا السيد الدكتوررئيس مجلس الوزراء بفكرة إنشاء قناة متخصصة للطفل بعين الاعتبار لتلبية احتياجاته وطموحاته فى العالم الرقمى الجامح ، وتفعيل الرقابة على المصنفات الفنية والدراما والابتعاد عن مشاهد العنف والقتل والخرافات التى تركز عليها الكثير من المسلسلات الدرامية كل عام ، ومنها ما يجسد البلطجى والقاتل فى صورة بطل شعبى وكأنه نموذج وقدوة لما لها من تأثيرات سلبية فى وجدان الأطفال والنشء بل ومن الممكن محاكاته وتقليده ،و أن يحاول صناع الدراما والمتخصصين معاً بإعادة النظر وتقييم الخريطة الدرامية ، والاتفاق على مدونة قواعد للعمل الدرامى الذى يساهم فى بناء الوعى وتماسك الأسرة ويحافظ على مقومات المجتمع ، وقد رأينا عدة نماذج ايجابية منها على سبيل المثال مسلسل لام شمسية الذى تبناه المجلس القومى للطفولة والأمومة وقام بتكريم فريق العمل لقيامهم بتقديم نموذج درامى ايجابى يحتذى ويراعى حقوق ومصلحة الطفل وبأسلوب فنى وعلمى    .


وأثمن عمل مبادرة "صحح مفاهيمك" التي أطلقتها وزارة الأوقاف المصرية لتصحيح المفاهيم المغلوطة وتعزيز الوعي الديني والمجتمعي، ويمكن من خلال هذه المبادرة المتميزة التوسع فى توعية الأسر والأطفال بمخاطر التكنولوجيا وكيفية التعامل معها بشكل آمن من خلال خطبة الجمعة وورش الأطفال ،وأهمية دور الواعظات فى توعية الأمهات بالتركيز على الحوار مع الأبناء وبناء الثقة وغرس القيم والمفاهيم الدينية والأخلاقية ، و رفع وعيهم بقيم التسامح والرحمة ، و كيف تتعامل الأسرة مع إدمان أبنائها للإنترنت والشاشات وعند تعرض الطفل لمشكلة أو مخاطر او مفاهيم مغلوطة  .


حجب المواقع والمنصات الاليكترونية التى تقدم  محتويات منافية للقيم والهوية الثقافية


من المهم تكاتف الجميع لحماية الأطفال من المتغيرات التي تؤثر على قلوبهم وعقولهم الملائكية البريئة  ، و بناء وعيهم وتمكينهم من مواجهة تحديات العصر بعقل ووجدان مستنير ، حتى ولو تطلب الأمر العمل على حجب ومنع مواقع معينة مثيرة للجدل بتقديمها محتويات منافية للقيم والهوية الثقافية والدينية بمضامين تتنافي مع القيم الإنسانية والأخلاقية المتعارف عليها والتى تحافظ على تماسك الأسرة والمجتمع ، خاصة أن بعض حالات العنف والعدوانية التى قام بها أطفال قاموا فيها بتقليد أفلام وألعاب إليكترونية شاهدوها على بعض المنصات والمواقع   .
ويجب ألا يغيب عنا أن الحروب فى عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى ليست حربا تقليدية والمعروف أدواتها وأساليبها ولكنها تطورت إلى العبث بالفكر والهوية والثقافة وبالأجيال الناشئة فيجب الانتباه سريعا واليوم قبل غدا للوقاية وحماية عقول ووجدان وقلوب أطفالنا والحفاظ على براءتها ، ولدينا من الآليات والقوى الناعمة والتجارب والمبادرات والتشريعات قبل أن تتفاقم التأثيرات غير المرغوبة للتكنولوجيا غير الواعية والمستهدفة الأطفال والشباب أجيال المستقبل  .

Short Url

search