لم يعد كما كان، تفكك سوق المدفوعات بالجملة والبنوك تسابق الزمن
السبت، 25 أكتوبر 2025 04:45 م
البنوك
طوال عقود، كانت البنوك هي العمود الفقري لعالم المدفوعات بين الشركات، فمن خلال شبكاتها المالية الضخمة، وبناها التحتية الآمنة، وهيمنتها التنظيمية، سيطرت على ما يقرب من 95% من سوق المدفوعات بالجملة عالميًا، هذا القطاع، الذي بلغت عائداته نحو 490 مليار دولار بنهاية 2022، كان بمثابة حصن مصرفي منيع في وجه أي منافس ناشئ.

لكن يبدو أن هذه الهيمنة تقترب من مرحلة حرجة، فبينما تظل علاقات البنوك مع الشركات الكبرى قوية نسبيًا، بدأت الشقوق تظهر بوضوح في جدار تعاملاتها مع الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومعاملات الدفع عبر الحدود، وهما المجالان الأكثر ربحية والأسرع نموًا.
انقسام السوق.. التكنولوجيا تعيد رسم الخريطة
تقديرات “بين آند كومباني” تشير إلى أن إجمالي إيرادات المدفوعات بالجملة سيرتفع إلى نحو 645 مليار دولار بحلول 2027، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 6%.
غير أن هذا النمو لن يصب بالكامل في جيوب البنوك، بل سيذهب جزء متزايد منه إلى شركات التكنولوجيا المالية Fintechs ومزودي البرمجيات الذين يقدمون حلول دفع ذكية ومتكاملة.
ومن المتوقع أن تفقد البنوك نحو 10% من عائدات معاملات الشركات الصغيرة والمتوسطة، وحوالي 15% من أرباحها لصالح هذه الجهات الجديدة.
أما في المدفوعات العابرة للحدود، فقد تصل الخسائر إلى 30% من الأرباح بسبب حلول منخفضة التكلفة وذات تجربة استخدام أكثر سلاسة.
من يملك واجهة العميل.. يملك السوق
تكمن الخطورة بالنسبة للبنوك في أنها لا تخسر فقط حصة من العائدات، بل تفقد السيطرة على نقاط التواصل الحيوية مع عملائها.
فعندما تتحول الشركات إلى استخدام منصات دفع وإدارة مالية من طرف ثالث، مثل Shopify، أو SAP-Taulia، أو Wise، فإن تلك المنصات تصبح المصدر الرئيسي للبيانات المالية التشغيلية، وبدون هذه البيانات، تفقد البنوك رؤيتها العميقة حول سلوك الشركات، واحتياجاتها التمويلية، وقدرتها الائتمانية.
وببساطة، من يمتلك نقطة الدخول إلى العميل يصبح هو من يتحكم في العلاقة ويملك فرص بيع خدمات أخرى، من التمويل إلى إدارة النقد إلى الاستشارات.

لماذا تتراجع البنوك؟ إرث التكنولوجيا العتيقة
رغم إنفاق البنوك المليارات سنويًا على التحول الرقمي، إلا أن معظمها ما زال رهين أنظمة تقنية قديمة، بعضها يعود إلى عقود مضت، وهذه الأنظمة المعقدة والمترابطة تجعل تحديث الخدمات أو ابتكار منتجات جديدة مهمة بطيئة ومكلفة للغاية.
وفوق ذلك، تعاني البنوك من هياكل تنظيمية جامدة، تتوزع فيها صلاحيات القرار بين وحدات متعددة، ما يعرقل التعاون الداخلي ويحد من سرعة الاستجابة لتغيرات السوق.
كما أن الثقافة المؤسسية الحذرة والميل للمخاطرة المحدودة يجعلها متأخرة في بناء شراكات فعالة مع شركات التكنولوجيا المالية، التي غالبًا ما تتسم بالسرعة والمرونة والقدرة على التجريب.
اقرأ أيضًا:
البنك بضغطة زر، التحول الرقمي يفتح باب العدالة الاقتصادية عالميًا (فيديو)
الطريق إلى الأمام.. أربعة نماذج لمستقبل المدفوعات
أمام هذا التحول الجذري، تقترح “بين آند كومباني” أن تفكر البنوك في إعادة بناء استراتيجياتها حول أربعة نماذج محتملة، تختلف حسب القدرات والرؤية وطبيعة العملاء:
نموذج “المرافق المصرفية” (Wholesale Utility): البنوك التي تركز على الاعتمادية أكثر من الابتكار، تتبع خطى المنافسين في تطوير التكنولوجيا، وتعتمد على شركاء خارجيين لتوفير الحلول التقنية، مع تركيز رئيسي على الإقراض كميزة تنافسية.
نموذج “المبتكر” (Innovator): البنوك التي تختار قيادة السوق في مجالات محددة مثل المدفوعات الفورية، أو التحويلات العابرة للحدود، أو الخدمات الغنية بالبيانات.
من أمثلتها، Citi التي تستثمر باستمرار في البنية التحتية الرقمية العالمية، وBNP Paribas التي تبني شراكات استراتيجية مع شركات التكنولوجيا المالية لتقديم حلول مضافة القيمة.
نموذج “المزود الشامل” (Universal Provider): البنوك الكبرى التي تسعى لتغطية جميع شرائح العملاء، من الشركات الصغيرة إلى العملاقة، لكنها تستثمر بذكاء في المجالات التي تمنحها ميزة نسبية.
مثال: HSBC التي تركز على المدفوعات والتجارة عبر الممرات التجارية الحيوية، وبنوك بريطانية تستخدم منصة BankiFi لتقديم حلول مدمجة للشركات الصغيرة والمتوسطة.
نموذج “التمويل المدمج” (Embedded Finance Specialist): البنوك التي تتحول إلى مزود للبنية التحتية المالية، تقدم خدمات الدفع كخدمة عبر واجهات برمجة التطبيقات (APIs) لشركات التكنولوجيا والمنصات الرقمية.
مثال: Evolve التي تمكن شركات التكنولوجيا المالية من تقديم حلول دفع للشركات الصغيرة، وKey Bank التي تبني شراكات متقدمة مع شركات مبتكرة لتوسيع قدراتها.
_1787_025002.jpg)
قرارات حاسمة في أربع جبهات
مهما كان النموذج الذي تختاره البنوك، فإن النجاح يتطلب قرارات استراتيجية واضحة في أربع مجالات محورية:
التكنولوجيا: تسريع تحديث الأنظمة الأساسية، تبني هندسة دفع موحدة وقابلة للتوسع، والاستثمار في المحركات المركزية (orchestration engines) التي توحد قنوات الدفع المختلفة.
نموذج التشغيل: إعادة توزيع الصلاحيات والحوكمة بما يسمح للفرق المختصة باتخاذ قرارات أسرع وأكثر تكاملًا، سواء عبر مجلس مركزي للمدفوعات أو وحدة مستقلة ذات هيكل مرن.
الأسلوب التجاري (Go-to-Market): تطوير عروض مخصصة حسب القطاع الصناعي، وتوسيع القنوات الرقمية عبر APIs وشركاء البرمجيات، وإعادة التفكير في هيكل الأسعار لجعل الخدمات أكثر شفافية وتنافسية.
الشراكات: تجاوز العلاقة التجارية التقليدية إلى شراكات حقيقية مبنية على تبادل القدرات والبيانات، فالبنوك لا تستطيع بناء كل شيء بنفسها، لكنها تستطيع الفوز عبر التعاون الذكي مع من يملكون التكنولوجيا.
اقرأ أيضًا:
بعد تلقي 80 طلب ترخيص، العراق يقترب من إطلاق أول بنوك رقمية
السباق بدأ فعلاً
ما زالت البنوك تهيمن على 95% من سوق المدفوعات بالجملة، لكن الهيمنة لا تعني الأمان، فالسوق يتغير بسرعة تفوق قدرة المؤسسات التقليدية على التكيف.
وإذا لم تبدأ البنوك اليوم في تحديث بنيتها التحتية وتغيير نماذج عملها وأساليب تسويقها وشراكاتها، فإنها ستجد نفسها بعد سنوات قليلة وقد خسرت ليس فقط الإيرادات، بل أيضًا علاقتها بعملائها الأساسيين.
المدفوعات كانت يومًا نشاطًا مصرفيًا بحتًا، واليوم، هي ميدان معركة مفتوح بين البنوك، والتكنولوجيا، والمنصات، ومن سيفوز في هذا السباق، لن يكون بالضرورة من يملك أكبر شبكة فروع، بل من يملك أفضل واجهة رقمية، وأذكى شراكات، وأسرع بنية تحتية.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
موعد افتتاح الرسمي المتحف المصري الكبير، اعرف أسعار التذاكر والفئات المعفاة وطريقة الحجز
25 أكتوبر 2025 06:33 م
بين الحلم والحقيقة، لماذا لم تتحقق السيارات النووية حتى الآن؟
21 أكتوبر 2025 03:00 م
تداعيات الإغلاق الأمريكي على سوق الإسكان، قروض متوقفة ومخاطر تمتد إلى البنوك
20 أكتوبر 2025 03:53 م
أكثر الكلمات انتشاراً