من أداة تطوير إلى عبء مالي في الميزانيات، الوجه الخفي لـ" الحوسبة السحابية"
الإثنين، 20 أكتوبر 2025 09:41 ص

الحوسبة السحابية
حين بدأت الشركات تتجه إلى الحوسبة السحابية قبل نحو عقد من الزمن، كان الهدف الأساسي هو تقليص التكاليف، وتخفيف العبء عن البنية التحتية التقليدية، وتعزيز السرعة والابتكار.
ومع تزايد التعقيدات في بيئات الأعمال، أصبحت السحابة العامة الملاذ الأكثر مرونة في مواجهة تقلبات السوق، والتغيرات التقنية المتسارعة، خاصة في ظل التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي، وتطبيقات البيانات الضخمة، والحوسبة السحابية المتقدمة.
لكن مع دخول السحابة في صميم العمليات اليومية للمؤسسات، بدأ الوجه الآخر يظهر، فتمثل في تكلفة الاستخدام المتصاعد، والاستهلاك غير المضبوط، وغياب الحوكمة المالية الفعالة، كلها عوامل حولت الوعد بالتوفير إلى واقع من التضخم المالي، وأصبحت السحابة بئرًا بلا قاع، تصب فيها المؤسسات ميزانياتها دون أن تحقق بالضرورة العوائد المرجوة.
723 مليار دولار، هل انفجرت فقاعة السحابة؟
تشير توقعات Gartner إلى أن حجم الإنفاق العالمي على خدمات السحابة العامة سيتجاوز 723 مليار دولار في عام 2025، مقارنة بـ595 مليار دولار فقط في العام السابق.
هذه الزيادة الحادة، التي تفوق 20% خلال عام واحد فقط، تعكس شيئًا أكبر من مجرد نمو طبيعي في الطلب، إنها مؤشر على فقدان الشركات السيطرة على إنفاقها.
فالسحابة، بخلاف مراكز البيانات التقليدية، تقوم على نموذج مرن يتم فيه توفير الموارد بشكل لحظي، وتسعيرها بحسب الاستخدام، دون وجود سقف فعلي لاستهلاك الخدمات.
هذه البيئة، التي تبدو مثالية نظريًا، تتحول في الممارسة العملية إلى بيئة يصعب ضبطها، خاصة في ظل غياب آليات حوكمة مالية متطورة داخل المؤسسات.

الوعود الزائفة من التوفير إلى الهدر
على الرغم من أن الانتقال إلى السحابة كان مدفوعًا بوعود تقليص التكاليف وتسريع الابتكار، إلا أن التجارب الفعلية تثبت العكس.
وتشير الدراسات إلى أن 25% من الإنفاق السحابي يهدر فعليًا، في حين أن التكاليف الفعلية تفوق الميزانيات الموضوعة بنحو 20% في المتوسط، وهذا الهدر الكبير يرجع إلى ثلاثة أسباب رئيسية:
1. الافتراضات غير الدقيقة للاستهلاك: في كثير من الحالات، بالغت الشركات في تبسيط سيناريوهات الاستخدام، وفشلت في التنبؤ بالحجم الفعلي للطلب على الموارد.
2. الهجرة العشوائية إلى السحابة: الاعتماد على استراتيجية "Lift and Shift"، أي نقل التطبيقات كما هي دون إعادة هندستها لتتناسب مع بيئة السحابة، التي أدى إلى ضعف الأداء وارتفاع في التكاليف.
3. الإبقاء على البنية التحتية القديمة: بعض المؤسسات فشلت في إيقاف أو تفكيك بنيتها التحتية التقليدية بعد الانتقال إلى السحابة، ما تسبب في ازدواجية مكلفة بين القديم والجديد.
اقرأ أيضًا:
الحوسبة السحابية، مستقبل البيانات بإيرادات تصل لـ2.16 تريليون دولار بحلول 2030
رافعات الإنقاذ، كيف يمكن خفض التكاليف دون التأثير على الأداء؟
رغم التحديات، لا تزال هناك فرص حقيقية لتقليص النفقات وتحقيق وفورات ملموسة. التقرير حدد 13 رافعة رئيسية يمكن استخدامها لتحسين التكلفة عبر ثلاث محاور:
الاستراتيجية التعاقدية: مثل استخدام "الحجوزات المسبقة" لخدمات الخوادم، التي قد توفر ما بين 50% إلى 75% من التكاليف في حال استخدامها بذكاء.
إعادة ضبط الطلب: من خلال أدوات مثل التوسة التلقائية، التي تتيح رفع أو خفض الموارد حسب الطلب الحقيقي في الوقت الفعلي.
إعادة التصميم المعماري: مثل استخدام معالجات ARM وAWS Graviton التي قد توفر ما يصل إلى 40% من التكلفة، وهي مثالية للمهام التي لا تحتاج إلى البنية التقليدية x86.
مع ذلك، فإن العديد من الشركات لا تزال تركز فقط على الخيارات التعاقدية، وتغفل عن أدوات ضبط الاستهلاك أو إعادة تصميم البنية، وهو ما يترك جزءًا كبيرًا من الوفورات المحتملة غير مستغل.

FinOps، الإدارة المالية للسحابة أصبحت ضرورة استراتيجية
في ظل التعقيد المتزايد في البيئة السحابية، ظهر مفهوم FinOps كمنهجية إدارية متكاملة تجمع بين التقنية والمالية، وهذه المنهجية لا تكتفي بتحليل الفواتير، بل تسعى إلى تمكين الشركات من اتخاذ قرارات مالية فورية بناءً على الاستخدام الفعلي، وتحقيق توازن بين الأداء والتكلفة.
لكن تنفيذ FinOps يتطلب أكثر من أدوات مراقبة تقليدية، فالأدوات الأصلية التي توفرها AWS أو Azure، مثل Cost Explorer أو Cost Management، ليست كافية بمفردها.
الشركات المتقدمة بدأت في استخدام أدوات متخصصة مثل CloudHealth، Apptio Cloudability، وSpot.io، والتي تقدم قدرات متقدمة في:
- التنبؤ بالاستهلاك المستقبلي
- التحكم في التكاليف عبر وحدات الأعمال
- وضع سياسات آلية للإغلاق أو التقليل عند انخفاض الطلب
- احتساب التكاليف الفعلية على مستوى كل تطبيق أو خدمة
اقرأ أيضًا:
"نحو مظلة عربية رقمية"، مبادرات الأمن السيبراني تواجه تحديات التنسيق والسيادة
خارطة الطريق، كيف يمكن تحويل الإنفاق السحابي من عبء إلى فرصة؟
للخروج من فوضى الإنفاق السحابي، تحتاج المؤسسات إلى خطة تنفيذية واقعية، تبدأ بتقييم داخلي دقيق، يشمل:
- مراجعة الرافعات التي تم استخدامها سابقًا وتحديد الرافعات السريعة غير المستغلة.
- تقييم مستوى النضج في FinOps داخل فرق العمل المختلفة.
- مراجعة موارد التطبيقات الأعلى تكلفة وربطها بالعائد الفعلي.
- البحث عن فرص تمويل ذاتي عبر الوفورات الممكنة.
- إعداد خطة تضم 8 إلى 10 مبادرات عالية الأثر.
هذه الخطة ليست فقط لتقليص التكاليف، بل لتأسيس ثقافة داخلية تضع الاستهلاك المسؤول والحوكمة المالية في صلب عملية اتخاذ القرار التكنولوجي.

التحكم في التكاليف، بوابة المستقبل السحابي الذكي
إن السيطرة على التكاليف السحابية لم تعد خيارًا، بل أصبحت عنصرًا حاسمًا في استمرارية الأعمال، فمع انتقال المزيد من وظائف المؤسسات إلى السحابة، من الذكاء الاصطناعي إلى الحوسبة الفائقة، يصبح ضبط الإنفاق ليس فقط وسيلة لتقليل التكاليف، بل شرطًا أساسيًا للاستدامة والقدرة التنافسية.
الشركات التي تفشل في ضبط إنفاقها السحابي، قد تجد نفسها في المستقبل أمام خيارين أحلاهما مر، إما التراجع عن الاعتماد على السحابة بتكلفة فادحة، أو الاستمرار في دفع فواتير تضخمت خارج حدود العقل والمنطق.
أما المؤسسات التي تتقن لعبة FinOps وتعيد هندسة تعاملها مع السحابة، فستكون الأفضل استعدادًا لاستغلال كامل إمكانيات الثورة الرقمية، من دون أن تضحي بميزانيتها أو استقرارها المالي.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
شراكة جديدة بين طلعت مصطفى وقطاع الأعمال في مشروعات سياحية وفنادق تراثية (تفاصيل)
19 أكتوبر 2025 02:17 م
لماذا يفشل الذكاء الاصطناعي في تلبية أوامر المستخدمين؟ "الخبراء يكشفون"
19 أكتوبر 2025 09:15 ص
طفرة عمالية غير مسبوقة، السعودية توفر ربع مليون وظيفة خلال 3 أشهر
18 أكتوبر 2025 11:50 م
أكثر الكلمات انتشاراً