حرارة الأرض تُشعل سباق الطاقة النظيفة وتفتح شهية الاستثمارات العالمية
السبت، 18 أكتوبر 2025 12:28 م

مشروع شركة Fervo Energy
في قلب صحراء ولاية يوتا الأمريكية، يتشكل مشهد جديد في معركة البشرية مع تغير المناخ، فلم يعد يتم حفر الآبار لاستخراج النفط، بل لاستخراج الحرارة، ويشير مشروع شركة Fervo Energy، الذي يستند إلى تقنيات متطورة مستمدة من صناعة النفط والغاز، إلى بداية مرحلة قد تغير مستقبل الاقتصاد العالمي للطاقة، كالطاقة الحرارية الجوفية المعززة (Enhanced Geothermal Energy).
وتقوم هذه التكنولوجيا، على مبدأ بسيط ومبهر في الوقت نفسه، وهو استخدام الحفر العميق والتكسير الهيدروليكي؛ للوصول إلى الصخور الساخنة في باطن الأرض، ثم ضخ المياه عبرها لاستخلاص حرارة، يمكن تحويلها إلى كهرباء نظيفة، تغذي الشبكات على مدار الساعة.
ويعد هذا النوع من الطاقات، من الأنواع التي لا تنضب تقريبًا، حيث تعمل باستمرار دون الاعتماد على الشمس أو الرياح، وهو ما يجعلها هدفًا اقتصاديًا مغريًا، في عالم تتزايد فيه الحاجة إلى طاقة مستقرة وقابلة للتخزين.

تحول اقتصادي مدفوع بالتقنيات النفطية
اللافت أن هذه الثورة الخضراء، تنبثق من رحم الصناعة التي طالما كانت متهمة بتلويث الكوكب، فشركات مثل:- (Fervo) توظف خبرات ومعدات الحفر الخاصة بالنفط والغاز، لكنها توجهها نحو هدف مغاير، وهو استخراج الطاقة النظيفة من باطن الأرض، بدلًا من الوقود الأحفوري.
وهذا الدمج بين الخبرة القديمة والهدف الجديد، يجعل القطاع أكثر جاذبية للمستثمرين، لأنه يستفيد من بنية تحتية قائمة، وعمالة مدربة وسلاسل توريد جاهزة، وبمعنى آخر، يمكن للنظام الاقتصادي، أن ينتقل من “النفط إلى الحرارة” دون انهيار أو خسارة للمهارات، وهو عنصر نادرٌ في التحولات الكبرى للطاقة.
وتقدر الوكالة الدولية للطاقة (IEA)، أن الطاقة الحرارية الجوفية، قادرة نظريًا على تلبية الطلب العالمي على الكهرباء 140 مرة، في حال توفرت التقنيات المناسبة، وهذه الأرقام وحدها كافية لجعل المستثمرين وصناديق التمويل الكبرى، ينظرون إلى هذا القطاع كـ”ذهب حراري” لم يستخرج بعد.

الاقتصاد في مواجهة الجيولوجيا
ورغم وعودها الضخمة، تواجه مشاريع الطاقة الحرارية المعززة، تحديات مالية وهندسية معقدة، فتكلفة الحفر التي تصل إلى أعماق ثلاثة أميال، تتجاوز مئات الملايين من الدولارات، إضافة إلى مخاطر الزلازل الناتجة عن ضخ المياه عالية الضغط في الصخور الصلبة.
وتجربة كوريا الجنوبية عام 2017، حين تسبب مشروع حراري بزلزال مدمر، ما زالت تلقي بظلالها على المستثمرين والجهات التنظيمية، لكن شركات مثل (Fervo)، ترى أن هذه المخاطر قابلة للإدارة بفضل المراقبة الدقيقة للحركة الزلزالية، واستخدام تقنيات أكثر أمانًا.
وفي المقابل، تظهر شركات أخرى مثل (Eavor) الكندية بنموذج “الحلقة المغلقة”، الذي لا يعتمد على التكسير بل على تدوير المياه داخل أنابيب عميقة تشبه رادياتير تحت الأرض، حيث يقلل ذلك المخاطر الزلزالية، ويرفع كذلك في نفس الوقت من التكاليف بشكل كبير.
وهنا يظهر التحدي:- من يستطيع إنتاج الميجاوات الحراري بسعر تنافسي؟، حتى الآن لا تزال الكفة تميل إلى مشروعات (Fervo)، والتي نجحت في بناء أول محطة تجريبية تجارية في نيفادا، وأطلقت أكبر مشروع حراري في العالم بيوتا بطاقة مستهدفة 500 ميجاوات بحلول 2028، تكفي لتغذية نحو 375 ألف منزل أمريكي.
اقرأ أيضًا:-
أقوى 10 دول تسيطر على عالم الطاقة الحرارية الأرضية، الأرقام مدهشة
البعد الجيوسياسي.. طاقة جديدة وتوافق نادر
وعلى غير عادة ملفات الطاقة، يحظى قطاع الطاقة الحرارية الجوفية، بدعم نادر من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، فالديمقراطيون يرونها مصدرًا نظيفًا ضروريًا، لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات، والجمهوريون يعتبرونها امتدادًا طبيعيًا لصناعة الحفر الأمريكية، ما يحافظ على الوظائف، ويعزز استقلال الطاقة الوطني.
ويخلق هذا التوافق، بيئة سياسية مستقرة نسبيًا للاستثمار، وهو عامل حاسم في اقتصاد الطاقة، حيث تتقلب السياسات عادة بين دعم الطاقة النظيفة، وتخفيض مخصصاتها، فيما دعمت وزارة الطاقة الأمريكية، مشاريع البحث بمئات الملايين من الدولارات.
وعقدت كذلك Fervo في الوقت ذاته اتفاقات مع شركات عملاقة، مثل Google لتزويد مراكز بياناتها بالكهرباء النظيفة، ومع شركات مرافق مثل (Cal Edison) لتوريد 600 ميجاوات من الطاقة خلال السنوات المقبلة.

المستقبل الاقتصادي للطاقة الحرارية
ومن منظور الاقتصاد الكلي، تمثل هذه المشاريع تحولًا إستراتيجيًا طويل الأمد، نحو طاقة مستدامة ذات عائدٍ ثابت ومخاطر تشغيلية منخفضة، فإذا نجحت الشركات في تخفيض تكاليف الحفر بنسبة 30 إلى 40% خلال العقد القادم، يمكن للطاقة الحرارية، أن تصبح أحد أعمدة الاقتصاد الطاقي الأمريكي، إلى جانب الرياح والشمس.
كما أنها قد تمنح الولايات المتحدة، تفوقًا تكنولوجيًا في سوق الطاقة العالمية، في مواجهة الصين التي تهيمن على الصناعات الشمسية، وروسيا التي تحتكر الوقود النووي، غير أن الطريق ما يزال طويلًا، فبعض الخبراء، مثل عالمة الجيولوجيا جيليان فولجر من جامعة دورهام، يرون أن التحول التجاري الكامل، قد لا يتحقق قبل عقدين على الأقل.
اقرأ أيضًا:-
«وداعًا للوقود الأحفوري» تكنولوجيا جديدة تفتح آفاقًا واسعة للطاقة الحرارية الأرضية
الرهان الاقتصادي أصبح واضحًا
ومع ذلك، يبقى الرهان الاقتصادي واضحًا، من ينجح في تسخير حرارة الأرض أولًا، سيحصد سوقًا بقيمة مئات المليارات من الدولارات، كما تبدو حرارة الأرض اليوم مشابهة لما كان عليه النفط في مطلع القرن العشرين، موردًا مجهولًا يحمل وعودًا هائلة.
وإذا استطاعت الشركات الأمريكية أن تتغلب على عقبات التكلفة والتقنية، فقد تدخل البشرية عصرًا جديدًا من الطاقة اللانهائية، حيث تصبح الأرض نفسها مولدًا طبيعيًا يغذي الاقتصاد العالمي لقرون قادمة، فبين واقعية العلماء وتفاؤل رواد الشركات، تتبلور معادلة واحدة، من يملك مفاتيح باطن الأرض اليوم، قد يملك مستقبل الطاقة غدًا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ“أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية”، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
مليارات الخليج تنعش الساحل الشمالي، مصر على موعد مع طفرة استثمارية
18 أكتوبر 2025 10:24 ص
مكاسب تاريخية للذهب تصل لـ60% تثير قلق الاقتصاديين من جمود الأموال
15 أكتوبر 2025 03:54 م
الأسهم تتصدر والعقارات تتراجع، التحولات الجديدة للثروة العالمية في 2024
15 أكتوبر 2025 03:01 م
أكثر الكلمات انتشاراً