كيف يمكن للروبوتات تحويل النفايات الإلكترونية إلى منجم ذهبي تقني؟

الإثنين، 29 سبتمبر 2025 02:59 م

النفايات الإلكترونية

محمد السيد

تحولت النفايات الإلكترونية إلى مشكلة عالمية متفاقمة، فالغالبية العظمى من الأجهزة الإلكترونية المستهلكة يتم التخلص منها أو معالجتها في ظروف غير آمنة، إذ إن نحو 78% من المنتجات الإلكترونية لا تعاد تدويرها بشكل صحيح، فيما يتضاعف حجم هذه النفايات عامًا بعد عام.

1.22 مليار هاتف ذكي خلال عام 2024

في عام 2024 وحده، أنتج العالم 1.22 مليار هاتف ذكي، وعند إضافة مليارات أجهزة التلفاز والكمبيوترات المحمولة والمكتبية، نجد أنفسنا أمام سوق مشبعة تُغذي دورة "الاستخدام لمرة واحدة" وترمي بالمزيد من الأجهزة إلى القمامة.

النفايات الإلكترونية

تقرير صادر عن الأمم المتحدة يتوقع أن تصل كمية النفايات الإلكترونية إلى 80 مليون طن بحلول 2030، أي ما يكفي لملء 1.5 مليون شاحنة حمولة 40 طن يمكنها أن تطوف حول الكوكب، وفقًا لما قاله إريك إنغيبريتسن، المدير التجاري لشركة SK Tes، التي تدير 40 موقعًا عالميًا لمعالجة الأصول التكنولوجية وتتولى سنويًا معالجة مئات الملايين من الأرطال من الأجهزة.

روبوتات لإعادة إحياء الأجهزة

في المعهد التكنولوجي الدنماركي، يعمل الباحثون على تطوير نظام روبوتي مدعوم بالذكاء الاصطناعي يمكنه المساهمة في تقليل النفايات الإلكترونية وتعزيز صناعة تجديد الأجهزة التقنية، وقدّم ميكيل لابوري أولسن، مستشار تكنولوجيا الروبوتات وباحث في مشروع RoboSAPIENS، عرضًا تجريبيًا للنظام، وهو روبوت متخصص في إعادة تأهيل أجهزة الحاسوب المحمولة عبر أتمتة عملية استبدال الشاشات وهي مهمة يدوية مرهقة تعاني الشركات المحلية من نقص العمالة الراغبة في تنفيذها.
الروبوت مزود بذراع آلية وصندوق أدوات وكاميرا، وقد تم تدريبه على استبدال شاشات طرازين من الحواسيب المحمولة، فيما يعمل الفريق حاليًا على توسيع نطاق قدراته لتشمل المزيد من الموديلات والعلامات التجارية، ويستخدم الروبوت تقنيات الرؤية الحاسوبية والذكاء الاصطناعي للتعرف على أنواع الحواسيب المختلفة، وفك البراغي بعناية، وإزالة الشاشات دون إتلاف المكونات الأخرى، ويمكننا تقليص حجم النفايات بشكل هائل إذا استبدلنا الشاشة فقط بدلاً من التخلص من جهاز ما زال صالحًا للعمل، ثم نعيد بيعه.

القيمة الاقتصادية للنفايات الإلكترونية

تختلف أسعار الأجهزة المجددة حسب المنطقة والطراز، لكن جهازًا محمولًا مُعاد تأهيله يمكن أن يباع بحوالي 200 يورو، بينما لا تتجاوز قيمة المواد المستخرجة من إعادة تدوير الجهاز كليًا نحو 10 يورو فقط، ويضيف أولسن: "جوهر المسألة أن تغيير بعض المكونات البسيطة يخلق قيمة مضاعفة، بدلًا من الاكتفاء ببيع المواد الخام المستخلصة."
لكن تدريب الذكاء الاصطناعي الذي يشغل هذه الأنظمة يمثل تحديًا كبيرًا، فحتى التفاصيل الصغيرة، مثل اختلاف ألوان البراجي، قد تتطلب بيانات تدريبية جديدة، ولهذا السبب تبقى الحاجة قائمة لإشراف بشري في منظومات إعادة التدوير الروبوتية للتدخل عند مواجهة مواقف غير متوقعة.

صناعة بمليارات الدولارات لم تُستغل بعد

تشير تقارير إلى أن طنًا واحدًا من الهواتف الذكية المستعملة يحتوي على ذهب أكثر من طن من خام الذهب الطبيعي، وإلى جانب الذهب هناك معادن ثمينة مثل النحاس والفضة والبلاديوم والعناصر النادرة، وهي أساسية لصناعة الإلكترونيات.
لكن معظم هذه الثروات تضيع لغياب أنظمة استعادة فعالة، ويرى أولسن أن السبب يعود إلى عدم إدراك قيمة هذا المجال عالميًا بعد، رغم أن بعض الشركات بدأت تدريجيًا في استكشاف إمكانياته.
وتبقى التكاليف عائقًا رئيسيًا، إذ يقول أولسن: "الروبوتات والأتمتة باهظة الثمن ومعقدة"، كما أن التنوع الهائل للأجهزة والطرز والاختلاف في حالة النفايات الإلكترونية يزيد من صعوبة تطوير أنظمة روبوتية مرنة بما يكفي للتعامل مع هذا التباين.

مستقبل إعادة التدوير

مع تصغير أحجام الأجهزة الحديثة، أصبح المصنعون يلجأون إلى لصق المكونات بدلًا من تثبيتها بالبراجي، ما يجعل تفكيكها وإعادة تدويرها دون إتلافها أكثر صعوبة، ورغم هذه التحديات، يبقى أولسن متفائلًا، مشيرًا إلى أن شركات أوروبية ودنماركية مثل Tier 1A وRefurb وGreenmind أثبتت أن تجديد الأجهزة يمكن أن يتحول إلى نموذج أعمال مربح، حيث يستهدف بعضها تجديد ما يصل إلى 2000 جهاز يوميًا.
ويواصل فريقه العمل على تطوير النظام الروبوتي ليتمكن من التعرف على المزيد من الطرازات وتوسيع نطاق استخدامه ليخدم شركات إعادة التأهيل التكنولوجي محليًا، وتبدو رؤيته منطقية: فالروبوتات مرشحة لإعادة تشكيل مستقبل إدارة النفايات الإلكترونية، من خلال أتمتة المهام الشاقة والخطيرة، وتحسين الكفاءة، وكشف "الكنز المخفي" في النفايات الإلكترونية.