دكتور محمد عسكر يكتب: نتنياهو كفى وهمًا.. هاتفي ليس قطعة من إسرائيل
الجمعة، 19 سبتمبر 2025 02:08 م

دكتور محمد عسكر استشارى نظم المعلومات والأمن السيبرانى
دكتور محمد عسكر
بنيامين نتنياهو بارع في صناعة الوهم، يعرف جيدًا كيف يخلط بين الدعاية السياسية والحقائق العلمية، وكيف يقدّم إسرائيل للعالم باعتبارها صاحبة اليد العليا في كل مجال، لكن تصريحه الأخير بأن " كل من يحمل هاتفاً محمولاً يحمل قطعة من إسرائيل بين يديه " يتجاوز حدود المبالغة المألوفة، ليصل إلى درجة التضليل المتعمد، والتصريح يعكس رغبة واضحة في تسويق صورة إسرائيل كقوة تكنولوجية عالمية، لكنه في الوقت ذاته يحمل قدرًا من المبالغة ويغفل حقيقة أن الهواتف الذكية هي نتاج تعاون عالمي شديد التعقيد، ولا يمكن أن يُنسب إلى أي دولة بمفردها.
الهاتف الذكي الذي نحمله في جيوبنا اليوم هو نتاج سلاسل إمداد وصناعة متشابكة تمتد عبر القارات، بل وثمرة واحدة من أعقد عمليات الإنتاج في تاريخ البشرية، المعالجات تُصمم في أميركا وبريطانيا وتُصنع في تايوان وكوريا، الشاشات التي تخطف أبصارنا لساعات كل يوم تأتي من كوريا واليابان، البطاريات تأتي من الصين، الكاميرات من شركات يابانية متخصصة، البرمجيات وأنظمة التشغيل تقودها شركات أميركية، فما نصيب إسرائيل وسط هذا كله؟ إلا مجرد مساهمات محدودة، لا يمكن بأي حال أن تبرر هذا الإدعاء الفجّ، هذا هو الواقع: هاتفك ثمرة تعاون دولي ونتاج تكامل بين قارات وشعوب، ولا يمكن لدولة واحدة أن تحتكره أو تنسبه لنفسها.
نعم، إسرائيل ساهمت في بعض جوانب هذه الصناعة، لا أنكر ذلك، يكفي أن نذكر أن شركة M-Systems الإسرائيلية كانت وراء تطوير ذاكرة الفلاش في بداياتها، قبل أن تستحوذ عليها شركة سان ديسك الأميركية وتصبح جزءًا من صناعة ضخمة متعددة الجنسيات، كذلك، طورت شركة Corephotonics الإسرائيلية بعض تقنيات الكاميرات المزدوجة التي أُستُخدمت في هواتف ذكية لاحقًا، ولا أنكر أن إسرائيل تمتلك خبرة واسعة في مجال الأمن السيبراني وخوارزميات الاتصال، لكن هذه المساهمات، رغم أهميتها، ليست أكثر من قطرات في بحر هائل من الإبتكار العالمي، فهل يعقل أن يُختزل الهاتف المحمول كله في هذه الإسهامات المحدودة؟.
نتنياهو يعلم أن الهاتف المحمول أصبح رمزًا للعصر الرقمي، وجزءاً لا يتجزأ من حياة مليارات البشر، ولذلك يحاول أن يربط اسم إسرائيل به، يريد أن يقنعك أنك لا تستطيع العيش من دون إسرائيل ويُقنع العالم أن لا أحد يستطيع الاستغناء عن إسرائيل، وأنها موجودة في جيوب الجميع، إنها بروباجندا ناعمة، لكنها في النهاية دعاية سياسية رخيصة.
المشكلة أن هذا الخطاب لا يكتفي بتزييف الحقائق فحسب، بل يسرق جهد العالم كله وينسبه إلى دولة واحدة، فالهاتف المحمول ليس صناعة إسرائيلية، بل ثمرة تعاون إنساني عالمي بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ: فيه العقل الأميركي، واليد الصينية، والبصمة الكورية، والخبرة اليابانية، والمساهمة الأوروبية، وربما لمسة إسرائيلية أيضًا، لكنه في النهاية لا يُختزل في جنسية بعينها، القول إنه "قطعة من إسرائيل" ليس مجرد مبالغة، بل تزوير للواقع واستحواذ رمزي على إنجازات تتجاوز حدود إسرائيل بمراحل.
إن خطورة تصريح نتنياهو تكمن في أنه يعكس عقلية سياسية اعتادت تضخيم الذات على حساب الآخرين، فكما يسعى في السياسة إلى رسم صورة لإسرائيل كضحية أبدية، رغم اتكائها على آلة حرب غارقة في الدم والدمار، يحاول في ميدان التكنولوجيا أن يقدّمها كمنقذ للبشرية وصانعة أدواتها الحديثة، غير أن الحقيقة الدامغة لا تحتمل هذا التزييف: فالعالم لم يدن لإسرائيل يومًا بوجود الهاتف المحمول، تمامًا كما لم يدن لها بالإنترنت أو بالذكاء الاصطناعي أو بأي ركيزة من ركائز الثورة التكنولوجية الحديثة.
المبالغة ليست جديدة في خطابات نتنياهو، وما يقوله هو خطاب سياسي بحت يسعى إلى تضخيم الدور الإسرائيلي وإيهام العالم بأن التكنولوجيا الحديثة مدينة لإسرائيل، ولكن المشكلة في مثل هذا التصريح أنه يتجاوز حدود المبالغة المسموحة في خطاب سياسي، إلى نوع من إحتكار الإنجاز، وتصريح نتنياهو لا يعكس فخرًا مشروعًا بإنجازات علمية، بل يعكس عقلية متضخمة تبحث عن الهيمنة الرمزية، هو يريد أن يقول لك: “نحن في جيبك، شئت أم أبيت،” لكن الهاتف نفسه يرد عليه: “أنا نتاج العالم كله، لا قطعة من إسرائيل.”
كفى وهمًا يا نتنياهو، فالعالم يعرف الحقيقة، وهاتفنا يفضح دعايتك، إن الهاتف الذكي هو أعظم دليل على أن التكنولوجيا لا تعترف بالحدود ولا تنحني أمام الدعاية السياسية، وإذا كان لإسرائيل فيه نصيب، فهو نصيب ضئيل وسط مساهمات عالمية متتعددة أوسع وأعمق بكثير.
هاتفي ليس قطعة من إسرائيل، ولن يكون، هو ببساطة قطعة من البشرية كلها.
اقرأ أيضًا:
سرعات تصل لألف مليار بت في الثانية ويفوق الـ«5G» بـ100 مرة، العالم على موعد مع إطلاق الـ«6G»
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص فيالصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
محمود صالح يكتب: مولانا الملك "أمنمؤوبي".. السوار ساح!!
18 سبتمبر 2025 06:26 م
د.محمد خليل يكتب.. من أجل ولادة طبيعية أسهل وتقليل مخاطر "القيصرية"
18 سبتمبر 2025 05:28 م
من المفاعلات إلى البطاريات، قفزة روساتوم نحو تخزين الطاقة عالمياً
18 سبتمبر 2025 04:08 م
أكثر الكلمات انتشاراً