تعويضات تاريخية من فيس بوك لمستخدميه في أمريكا.. هل يبدأ عصر محاسبة عمالقة التكنولوجيا؟
الثلاثاء، 16 سبتمبر 2025 08:20 م

فيس بوك يعوض المستخدمين
في خطوة غير مسبوقة من حيث الحجم والتداعيات، بدأت شركة ميتا المالكة لموقع فيس بوك، بتوزيع تعويضات مالية ضخمة على ملايين المستخدمين الأمريكيين، ضمن تسوية قانونية تاريخية بلغت قيمتها 725 مليون دولار، على خلفية فضيحة تسريب البيانات المرتبطة بشركة كامبريدج أناليتيكا Cambridge Analytica.

هذا الحدث، الذي يعد أحد أكبر تسويات الخصوصية في التاريخ الرقمي، لا يقتصر على كونه تعويضًا ماليًا، بل يحمل في طياته تحولات جوهرية في كيفية إدارة الشركات العملاقة للبيانات الشخصية، ويرسم ملامح جديدة للعلاقة بين المستخدمين وشركات التكنولوجيا.
الجذور القانونية.. من كامبريدج أناليتيكا إلى المحكمة
تعود جذور القضية إلى عام 2018، عندما كشفت تحقيقات صحفية عن أن شركة كامبريدج أناليتيكا، وهي شركة متخصصة في تحليل البيانات السياسية، حصلت بشكل غير قانوني على بيانات ما يصل إلى 87 مليون مستخدم لفيس بوك، دون علمهم أو موافقتهم، وذلك في إطار دعمها لحملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في انتخابات 2016.
وقد وجهت إلى فيس بوك حينها تهم تتعلق بـ"الإهمال في حماية بيانات المستخدمين"، و"السماح لأطراف ثالثة بما في ذلك مطورين ومعلنين وسماسرة بيانات بالوصول إلى معلومات خاصة دون رقابة كافية".
ولم يكن هذا الانتهاك حدثًا عابرًا، بل كشف عن ثقوب كبيرة في النظام البيئي لواحدة من أكبر منصات التواصل الاجتماعي في العالم.
اقرأ أيضًا:
"ما تعملش لايف تاني".. فيس بوك يحذف فيديوهات البث المباشر خلال 30 يومًا
من مؤهل للتعويض؟ وكيف تم احتساب المبالغ؟
بحسب الوثائق القانونية التي قدمت في إطار التسوية، فإن كل مستخدم لفيس بوك في الولايات المتحدة امتلك حسابًا نشطًا بين 24 مايو 2007 و22 ديسمبر 2022، كان مؤهلاً لتقديم مطالبة مالية، حتى لو تم حذف الحساب لاحقًا.
وقد بلغ عدد المطالبات المقدمة نحو 29 مليون مطالبة، تم اعتماد نحو 18 مليونًا منها حتى سبتمبر 2023، وأشارت الوثائق إلى أن 540 مليون دولار من أصل مبلغ التسوية سيخصص بشكل مباشر لتغطية هذه المطالبات.

آلية الدفع
تم استخدام نظام نقاط التخصيص، بحيث يحصل كل مستخدم على نقطة واحدة عن كل شهر تقويمي امتلك فيه حسابًا نشطًا على فيس بوك خلال الفترة المحددة.
وهذا يعني أن مستخدمًا كان نشطًا على المنصة لمدة 10 سنوات سيحصل على عدد نقاط يفوق بكثير من استخدمها لعام أو عامين فقط، وهو ما يفسر التفاوت الكبير المتوقع في مبالغ التعويضات.
اقرأ أيضًا:
«فيس بوك» أبرزهم، نيبال تعتزم حظر منصات التواصل الاجتماعي بسبب الشائعات
تعويضات تبدأ من سبتمبر 2025
بعد سلسلة من الإجراءات القانونية، والاستئنافات التي أجلت تنفيذ التسوية، تم اعتماد الاتفاق رسميًا في 22 مايو 2025.
وفي 27 أغسطس، أمرت المحكمة ببدء توزيع التعويضات، وأشار موقع التسوية في تحديثه بتاريخ 3 سبتمبر إلى أن التوزيع بدأ رسميًا وسيستمر لمدة تصل إلى 10 أسابيع، تشمل تحويلات مالية عبر البنوك، أو خدمات رقمية مثل PayPal وVenmo، أو إرسال شيكات ورقية حسب اختيار المستخدم عند تقديم المطالبة.

البعد الاقتصادي.. من حماية البيانات إلى تكلفة الثقة
تطرح هذه التسوية عدة أسئلة اقتصادية محورية، لا تتعلق فقط بحجم المبلغ المدفوع، بل بنموذج العمل الذي تعتمد عليه شركات التكنولوجيا الكبرى، وعلى رأسها ميتا.
أولًا: هل أصبحت الخصوصية سلعة قابلة للتسعير؟
باحتساب القيمة الإجمالية للتسوية مقارنة بعدد المستخدمين المؤهلين، فإن متوسط المبلغ المخصص لكل مستخدم لن يتجاوز بضعة دولارات إلى عشرات الدولارات، اعتمادًا على مدة الاستخدام.
لكن القضية ليست في الرقم الفردي بقدر ما تكمن في رمزية الاعتراف الرسمي بأن الخصوصية لها ثمن، وأن انتهاكها يمكن أن يجر تبعات مالية ضخمة.
ثانيًا: كلفة فقدان الثقة
إلى جانب التعويض المالي، تكبدت ميتا خسائر غير مباشرة، من ضمنها تراجع ثقة المستخدمين، وزيادة الضغوط التنظيمية في الولايات المتحدة وأوروبا، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الامتثال للقوانين الجديدة لحماية البيانات، مثل قانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا CCPA واللائحة العامة لحماية البيانات الأوروبية GDPR.
ثالثًا: هل تكون هذه التسوية نموذجًا عالميًا؟
التسوية الحالية مخصصة فقط للمستخدمين في الولايات المتحدة، لكن العديد من الخبراء يتوقعون أن تشكل مرجعًا قانونيًا في قضايا مماثلة حول العالم، خصوصًا مع تصاعد الدعوات في أوروبا وآسيا لإجبار شركات التكنولوجيا على دفع تعويضات لمستخدميها عند أي انتهاك للبيانات.

ميتا وتغيرات ما بعد الفضيحة
منذ حادثة كامبريدج أناليتيكا، أعلنت ميتا عن سلسلة من الإصلاحات التقنية والتنظيمية، شملت الحد من وصول التطبيقات الخارجية إلى البيانات، وزيادة الشفافية في إعدادات الخصوصية، وتوفير أدوات للمستخدمين للتحكم بكيفية جمع البيانات.
لكن برغم هذه الخطوات، لا تزال الشركة تواجه اتهامات دورية بالفشل في حماية البيانات، ما يضعها تحت مجهر المنظمين والمشرعين باستمرار.
اقرأ أيضًا:
3 ملايين و361 ألفًا حجم إنفاق الأحزاب على الحملات الإعلانية على فيس بوك
خلاصة وتحليل مستقبلي
تمثل تسوية ميتا علامة فارقة في العلاقة بين الشركات الرقمية والمستخدمين، ففي السابق، كان ينظر إلى البيانات على أنها وقود الاقتصاد الرقمي، تجمع وتحلل دون مساءلة.
اليوم، تتغير هذه المعادلة، ليصبح الحق في الخصوصية أحد أصول الاقتصاد الرقمي الجديد.

الأسئلة القادمة
- هل ستشهد شركات أخرى مثل جوجل وتيك توك وتسلا دعاوى مماثلة؟
- وهل سيطالب المستخدمون في بلدان أخرى بتعويضات مشابهة؟
- وما هو دور الحكومات في حماية بيانات المواطنين في عصر الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة؟
الزمن فقط سيجيب، لكن من المؤكد أن زمن الخصوصية المجانية يقترب من نهايته.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
مصر تُراهن على السياحة، كيف تُخطط مصر لتحقيق أعلى معدلات الاستثمار؟
16 سبتمبر 2025 09:45 م
المناطق الاقتصادية الخاصة، من الجدران الجمركية إلى المدن الذكية
16 سبتمبر 2025 11:53 ص
أكثر الكلمات انتشاراً