خبراء: المخلفات الإلكترونية ثروة مهدرة قادرة على إنعاش الصناعات المحلية

الأحد، 31 أغسطس 2025 04:12 م

المخلفات الإلكترونية

محمد السيد

تشهد مصر حراكًا متزايدًا حول قضية إدارة المخلفات الإلكترونية باعتبارها ثروة مهدرة يمكن أن تتحول إلى رافعة اقتصادية حقيقية إذا أُحسن استغلالها، فبينما يحذر خبراء الصناعة والتنمية المستدامة من خطورة هذا النوع من النفايات على الصحة والبيئة إذا لم يُدار باحترافية، وأنها تحمل في طياتها معادن ثمينة قادرة على دعم الصناعات المحلية وفتح آفاق جديدة أمام الاقتصاد الأخضر، في وقت بدأت فيه الدولة خطوات عملية عبر مبادرات لجمع المخلفات وتشجيع الاستثمار في إعادة التدوير، ما يفتح الباب أمام مستقبل واعد لمصر في هذا القطاع الاستراتيجي.

المخلفات الإلكترونية أحد التحديات الكبرى في العالم

أصبح ملف المخلفات الإلكترونية أحد التحديات الكبرى في العالم، في السنوات الأخيرة، حيث ينتج العالم أكثر من 50 مليون طن سنويًا من هذه المخلفات، بقيمة سوقية تتجاوز 62 مليار دولار، نصيب مصر لا يزال محدودًا، إذ لم تنجح حتى الآن في تحويل هذه النفايات إلى مصدر حقيقي للمواد الخام التي تدخل في الصناعات التكنولوجية، ومع ذلك بدأ الاهتمام يتزايد عبر مبادرات مثل مشروع "e-waste Egypt" الذي أطلق بالتعاون بين وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتجميع وفرز الأجهزة القديمة.

كنز من المواد الخام

وتحتوي المخلفات الإلكترونية على كنز من المواد الخام التي تستوردها مصر بكثافة، فعلى سبيل المثال، البطاريات المستهلكة غنية بعنصر الليثيوم الذي تستورده مصر سنويًا بقيمة تتجاوز 50 مليون دولار لصناعة بطاريات الهواتف والأجهزة اللوحية، كذلك فإن لوحات الدوائر المطبوعة تحتوي على معادن نادرة مثل البالاديوم، الذي يدخل في تصنيع المكونات الدقيقة لأجهزة الاتصالات، تحويل هذه النفايات إلى مصدر بديل قد يقلل من فاتورة الاستيراد ويوفر للقطاع الصناعي مواد أولية محلية بأسعار أقل.

استغلال المعادن النادرة

وتعيش مصر مفترق طرق فيما يتعلق باستغلال معادنها النادرة، وعلى رأسها المعادن المستخرجة من الرمال السوداء التي تنتشر على ساحل البحر المتوسط، ورغم أن مصر تمتلك احتياطيات تقدَّر بملايين الأطنان من هذه المعادن، فإن معظمها يُصدر خامًا إلى الخارج، ليعاد تصنيعه هناك في صناعات إستراتيجية مثل الشرائح الإلكترونية والبطاريات وأجهزة الاتصالات، هذا الوضع يحرم الاقتصاد المصري من إضافة قيمة مضافة ضخمة، إذ أن سعر الطن الخام من الزركون مثلًا لا يتجاوز 500 دولار، بينما يمكن أن تصل قيمته بعد التصنيع إلى أكثر من 5000 دولار.

تحقق عوائد مضاعفة

المعادلة الاقتصادية واضحة، بدلًا من تصدير المعادن بقيمة محدودة، يمكن لمصر أن تحقق عوائد مضاعفة إذا استثمرت في سلاسل القيمة التكنولوجية، و تشير دراسة لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار إلى أن توجيه 25% من المعادن النادرة المصرية نحو صناعة المكونات الإلكترونية قد يضيف للاقتصاد ما لا يقل عن 1.2 مليار دولار سنويًا، وهو رقم قادر على تقليص فجوة الواردات من الإلكترونيات التي تتجاوز قيمتها 2 مليار دولار سنويًا.

مجدي غازي رئيس هيئة التنمية الصناعية الأسبق: المخلفات الإلكترونية ثروة مهدرة والرمال السوداء كنز

قال المهندس مجدي غازي، رئيس هيئة التنمية الصناعية الأسبق وخبير التنمية المستدامة، إن المخلفات الإلكترونية تُعد من أخطر أنواع المخلفات لما تحتويه من مواد شديدة الخطورة، وأن التعامل معها يجب أن يتم بحرفية وبأيدٍ خبيرة تعرف جيدًا كيفية إدارتها، وأن معظم المخلفات الإلكترونية في مصر ينتهي بها الحال في المدافن الصحية، رغم أنها تحتوي على مواد ثمينة يمكن استخراجها إذا جرى تدويرها بالأساليب العلمية الصحيحة، وهو ما قد يعود بفوائد اقتصادية كبيرة على الدولة.

إدارة المخلفات كنزًا حقيقيًا

وأكد " رئيس هيئة التنمية الصناعية الأسبق"، في تصريحات خاصة لـ"إيجي إن" أن إدارة المخلفات بوجه عام، بعيدًا عن التصنيف الإلكتروني، تُعد كنزًا حقيقيًا، مشيرًا إلى أن معظم دول العالم تعيد تدوير المخلفات لتحويلها إلى مواد خام تدخل في صناعات مختلفة، وأن التدوير لا يقتصر على الاستفادة الاقتصادية فقط، بل يساهم أيضًا في التخلص من مشكلة تراكم النفايات وما قد تسببه من أضرار بيئية وصحية، وأن إدارة المخلفات علم واسع يحتاج إلى دراسات جادة واهتمام أكبر في مصر لتحقيق أقصى استفادة منه.

مزيد من الأبحاث والدراسات والاهتمام الحكومي

وأشار"غازي" إلى أن مصر تنتج كميات هائلة من المخلفات العضوية التي يمكن استغلالها في مجالات متعددة مثل إنتاج الغاز الحيوي والأسمدة، وإن الوصول إلى الحالة المثلى في التعامل مع هذه المخلفات لم يتحقق بعد، وهو ما يتطلب تقديم المزيد من الأبحاث والدراسات والاهتمام الحكومي والمؤسسي بتطوير هذا القطاع الحيوي.

توفير الحوافز اللازمة للمستثمرين

وأضاف "غازي" أن مصر تمتلك ثروة طبيعية كبيرة في معادنها النادرة، وعلى رأسها الرمال السوداء الغنية بالمواد التي تُستخدم في تصنيع الرقائق والأجهزة الإلكترونية، وأن استغلال هذه الثروة يحتاج إلى مراحل تصنيعية معقدة وتكاليف ضخمة، وهو ما يجعل من الصعب على المستثمرين وحدهم خوض هذه التجربة دون دعم الدولة، وأن الدولة بالفعل كانت قد بدأت خطوات مهمة في هذا الاتجاه بإنشاء جهاز متخصص، لكن المشروع لم يكتمل، مما يستدعي إعادة النظر فيه وتوفير الحوافز اللازمة للمستثمرين.

نسب محددة من المكونات المحلية

وأوضح "خبير التنمية المستدامة"، إلى أهمية فرض نسب محددة من المكونات المحلية في الصناعات مثل الهواتف المحمولة، شرط أن تكون هذه المكونات بالجودة والسعر المناسبين لمنافسة المستورد، حتى يُقبل المصنعون على استخدامها، وأن دعم الصناعة لا بد أن يشمل إعفاءات ضريبية وتوفير أراضٍ مدعومة وتسهيلات تأمينية لضمان استقرار المصنعين وتشجيعهم على الاستثمار، وإن الدولة الصناعية هي التي تحظى باحترام العالم، وإن الصناعة تمثل المستقبل الحقيقي لمصر، مشيرًا إلى أن دعم التصنيع المحلي على المدى الطويل أكثر فائدة وأقل تكلفة من الاعتماد على الاستيراد.

تحسين شعلة الخبير البيئي: المخلفات الإلكترونية كنز يقود مصر لعصر الاقتصاد الأخضر

قال تحسين شعلة الخبير البيئي، إن مصر تخطو خطوات متسارعة نحو تحويل المخلفات الإلكترونية من عبئ بيئي ثقيل إلى مصدر استراتيجي للمواد الخام في الصناعات التكنولوجية، وأن هذا النوع من المخلفات يحمل بين طياته كنوزًا ثمينة مثل الذهب والفضة والنحاس، وهي معادن قادرة على أن تعزز الصناعات المحلية وتفتح فرصًا جديدة أمام شركات ناشئة ومصانع متخصصة في إعادة التدوير، بما يضمن فوائد اقتصادية وبيئية مزدوجة.

لجمع المخلفات الإلكترونية من المنازل

وأضاف "الخبير البيئي"، في تصريحات خاصة لـ"إيجي إن"، أن الحكومة بدأت بالفعل في تنفيذ خطوات عملية لدعم هذا التوجه، حيث أطلقت تطبيقًا مخصصًا لجمع المخلفات الإلكترونية من المنازل بالتعاون مع شركات الاتصالات، ما ساهم في زيادة معدلات التجميع المنظمة، كما يمكن تأسيس الكثير من المصانع المتخصصًة في إعادة التدوير داخل مناطق صناعية مثل مدينة السادس من أكتوبر، و تقديم دعم مباشر لمشروعات الشباب والشركات الناشئة العاملة في هذا المجال الحيوي.

تجهيز مراكز تجميع خاصة

وأكد "شعلة"، أن الجهود لا يجب أن تتوقف عند هذا الحد، إذ يجب تجهيز مراكز تجميع خاصة داخل الجامعات والمدارس بهدف جمع الأجهزة القديمة والتالفة، ليتم بعد ذلك تفكيكها وتصنيفها وفق معايير دقيقة تتيح إعادة استخدامها في صناعات مختلفة، وهذا التوجه لا يجب أن يقتصر على إعادة التدوير فحسب، بل يشمل أيضًا رفع وعي المجتمع بأهمية التخلص الآمن من الأجهزة الإلكترونية بدلًا من إلقائها كنفايات ضارة بالبيئة.

الآليات التي يجب توافرها لإنشاء مراكز تجميع

وأشار "شعلة" إلى أن الآليات التي يجب توافرها تشمل إنشاء مراكز تجميع منظمة في أماكن استراتيجية، إلى جانب تطوير مصانع تدوير في المحافظات والمناطق الصناعية، مع تشجيع الشباب على إطلاق شركات ناشئة متخصصة في إعادة التدوير، كما يجب التركيز على اعتماد تكنولوجيا حديثة وآمنة تضمن حماية البيانات المخزنة على الأجهزة القديمة ومنع أي تسرب ضار، فضلًا عن تطبيق استراتيجيات الاقتصاد الأخضر والاستدامة لتعظيم العوائد الاقتصادية والبيئية.

مردود تدوير المخلفات الإلكترونية في مصر

وأوضح "شعلة"، أن تقديرات وزارة البيئة تشير الي أن مردود تدوير المخلفات الإلكترونية في مصر يمكن أن يقفز من نسبة 15% الحالية إلى أكثر من 70% خلال الأعوام المقبلة، وهذا التطور من شأنه أن يسهم في خلق فرص عمل جديدة للشباب، إلى جانب دفع عجلة الاقتصاد الرقمي، وتحويل مصر إلى مركز إقليمي رائد في مجال إدارة المخلفات الإلكترونية بشكل مستدام.