الجمعة، 08 أغسطس 2025

11:19 ص

"التصويت الإلكتروني"، بين ثورة التكنولوجيا وشبح التلاعب

الأربعاء، 06 أغسطس 2025 03:22 م

الدكتور محمد عسكر خبير التكنولوجيا وأمن المعلومات

الدكتور محمد عسكر خبير التكنولوجيا وأمن المعلومات

الدكتور محمد عسكر

أصبح من الطبيعي أن تسعى الدول إلى تحديث آلياتها الديمقراطية، في عالم يتسارع فيه التطور التكنولوجي بشكل غير مسبوق، ومنها عمليات التصويت في الانتخابات، وفي هذا السياق، برز التصويت الإلكتروني كأحد أبرز الإبتكارات التي تعد بإحداث نقلة نوعية في ممارسة المواطنين لحقهم السياسي، عبر تمكينهم من الإدلاء بأصواتهم بسهولة من أي مكان، وتوفير الوقت والموارد، وتقليل الأخطاء البشرية.

لكن، وكما هي الحال مع أي ابتكار كبير، فإن الطريق نحو تطبيق التصويت الإلكتروني، ليس مفروشًا بالورود، بل يواجه تحديات ومخاطر حقيقية، تهدد نزاهته وموثوقيته، وتضعه في قلب جدل عالمي بين مؤيدين ومتحفظين.

 

السرعة في إعلان النتائج

وأحد أهم مزايا التصويت الإلكتروني، هو السرعة في إعلان النتائج، فما كان يستغرق أيامًا من العد والفرز اليدوي، يمكن أن يُنجز في دقائق معدودة، غير أن هذه الميزة مغرية أيضًا للجهات التي قد تسعى للتلاعب بالعملية الانتخابية عبر الهجمات السيبرانية.

الهجمات على الخوادم، التلاعب ببرمجيات العد، أو حتى عمليات الاختراق لتعطيل النظام كلها مخاطر واقعية، وفي حالات معينة، قد يكفي هجوم حجب الخدمة (DDoS) لتعطيل منصة التصويت ومنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم، ما يثير الشكوك حول نزاهة النتائج.

في عام 2010، على سبيل المثال، ألغت دولة أيرلندا مشروع التصويت الإلكتروني بعد سنوات من التحضير، بسبب مخاوف أمنية تتعلق بإمكانية التلاعب بالنتائج، حتى دون وقوع اختراق فعلي، فالتصويت الإلكتروني يفرض معضلة حقيقية حول الخصوصية.

ففي الانتخابات التقليدية، يضمن الصندوق الورقي سرية الصوت، أما في العالم الرقمي، فالأمر يتطلب تقنيات تشفير متقدمة وفصل كامل بين هوية الناخب وخياراته، ورغم وجود تقنيات حديثة تحقق ذلك، مثل "التشفير من طرف إلى طرف" و"التوقيع الرقمي"، إلا أن أي ثغرة، مهما كانت صغيرة، قد تؤدي إلى كشف خيارات الناخبين، ما يشكل تهديدًا لجوهر العملية الديمقراطية.

كما أن احتمالية تسريب البيانات الشخصية للناخبين تبقى هاجسًا دائمًا، خاصة في ظل تنامي سوق البيانات واستغلالها في التأثير على الرأي العام، ولا تحتاج المخاطر دائمًا إلى نوايا خبيثة، فالأخطاء البرمجية والأعطال التقنية قد تكون كافية لإرباك العملية.

تخيل أن هناك انتخابات وطنية تتوقف فيها منصة التصويت لعدة ساعات بسبب مشكلة في خادم أو خطأ في تحديث برمجي!، المعضلة الكبرى هنا أن أي فشل تقني، حتى وإن كان عفويًا، يمكن أن يقوض ثقة المواطنين في النظام بالكامل، خاصة إذا لم تتوفر آلية بديلة مثل النسخ الورقية الاحتياطية للأصوات. لذلك، تشدد المنظمات الدولية على ضرورة اختبار الأنظمة الإلكترونية مرارًا قبل استخدامها في الانتخابات الرسمية.

 

هناك أيضًا بُعد اجتماعي لا يمكن تجاهله وهو “الفجوة الرقمية”

فليس كل المواطنين يمتلكون القدرة أو المعرفة التقنية، لاستخدام منصات التصويت الإلكتروني، وكبار السن، أو سكان المناطق النائية ذات الاتصال الضعيف بالإنترنت، قد يجدون أنفسهم مستبعدين عمليًا من العملية الانتخابية، ما يخلق فجوة في التمثيل، ويؤثر على العدالة الانتخابية.

ويضع هذا التحدي على عاتق الحكومات مهمة مزدوجة، من حيث توفير بنية تحتية رقمية قوية، وبرامج تدريب وتوعية تكنولوجية، تشمل كافة شرائح المجتمع، وفي نهاية المطاف، التصويت ليس مجرد عملية تقنية، بل هو عقد ثقة بين المواطن والنظام.

وإذا شعر الناخبون أن أصواتهم قد تتعرض للتلاعب، أو أن النتائج قد لا تكون شفافة، فإن شرعية الانتخابات كلها ستصبح موضع شك، ولهذا السبب، تصر منظمات المراقبة الدولية على ضرورة أن تكون أنظمة التصويت الإلكتروني قابلة للتدقيق من قبل جهات مستقلة، وأن تُبنى على معايير مفتوحة تسمح بالكشف عن أي خلل، فالثقة تُبنى على الشفافية، وأي غموض يفتح الباب أمام الشائعات.

المشهد القانوني أيضًا قد يزيد الأمر تعقيدًا، فالكثير من التشريعات الانتخابية وُضعت في عصر الصندوق الورقي، ولا تتضمن بنودًا واضحة حول المسؤولية في حال وقوع هجوم إلكتروني أو فقدان البيانات، ولهذا السبب، تحتاج الدول إلى تحديث قوانينها لتغطية الجوانب التقنية والأمنية للتصويت الإلكتروني، بما في ذلك العقوبات على التلاعب أو الاختراق، وآليات إعادة التصويت في حال وقوع خلل كبير.

التصويت الإلكتروني يمثل خطوة جريئة، نحو تحديث الممارسة الديمقراطية، لكنه في الوقت نفسه يختبر قدرة المجتمعات على حماية إرادة شعوبها في العصر الرقمي، وأما النجاح في هذا المجال، فلن يُقاس فقط بمدى سرعة النتائج أو انخفاض التكلفة، بل بالقدرة على ضمان أن كل صوت يُسجل ويُحسب بأمان وعدالة؛ ففي النهاية، التقنية قد تغيّر شكل الصندوق، لكن الثقة تبقي أساس الديمقراطية.

اقرأ أيضًا:-

حجم اقتصاد الجرائم الإلكترونية يرتفع لـ 10 تريليون دولار، خبير يكشف التفاصيل

«سجن وغرامة ومراقبة رقمية»، كل ما يجب أن تعرفه عن قانون الجرائم الإلكترونية في مصر

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة لتغطية ومتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search