التمويل الأخضر في مفترق طرق، معايير الاستدامة الأوروبية تهدد استثمارات الطاقة في الدول النامية
الأحد، 27 يوليو 2025 12:00 م

الاستثمارات الخضراء - صورة أرشيفية
في الوقت الذي يتزايد فيه الطلب العالمي على الاستثمارات الخضراء، ومع تصاعد الاهتمام بالاستدامة البيئية والاجتماعية، يبرز السؤال، هل المعايير الأوروبية للإفصاح البيئي تسهم في تعزيز العدالة المناخية عالميًا، أم أنها تكرس فجوة استثمارية جديدة تهدد اقتصادات الدول النامية؟.
في ظل التوسع في تطبيق لوائح الإفصاح غير المالي (NFR) ومعايير التقارير الأوروبية للاستدامة (ESRS)، أثيرت مخاوف حقيقية من أثر تلك السياسات على سلاسل الإمداد العالمية، وعلى مستقبل استثمارات الطاقة المتجددة في خارج القارة الأوروبية، خاصة في دول “العالم الأغلبي Majority World ” حيث يتركز معظم سكان الأرض.
معايير أوروبية بنطاق عالمي
رغم أن لوائح الإفصاح الجديدة تنطبق على الشركات داخل الاتحاد الأوروبي، لكن نطاق تأثيرها يمتد عالميًا، ليشمل شركاء سلاسل القيمة، بما في ذلك الموردين وشركات المواد الخام في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
ومع دخول معايير ESRS حيز التنفيذ حتى عام 2029، أصبحت الشركات الأوروبية مطالَبة بالإبلاغ عن الأثر البيئي والاجتماعي لسلسلة القيمة بأكملها، حتى في حال عدم امتلاكها المباشر لتلك العمليات.

لكن هذه الخطوة، وإن كانت تهدف لتعزيز الشفافية، قد تفرض أعباء ضخمة على الشركات الصغيرة والمتوسطة في الدول النامية، وقد تُعرّضها لخطر الإقصاء من الأسواق الأوروبية، إذا لم تتمكن من الامتثال لمتطلبات الإفصاح المعقدة.
انسحاب استثماري أم ضغط تنظيمي؟
وأشار الخبراء إلى أن صعوبة تتبع البيانات في الدول النامية، إضافة إلى غياب البنية التحتية الرقمية، دفعت بعض المستثمرين الأوروبيين إلى سحب رؤوس أموالهم من هذه الدول، مفضلين الاستثمار محليًا داخل الاتحاد الأوروبي.
وهو ما يُهدد بخلق حلقة مفرغة، تقل الاستثمارات في الجنوب العالمي، فتتراجع فرص التنمية والتحول الأخضر، ويزداد الاعتماد على الوقود الأحفوري.
في دراسة حديثة نشرت في دورية Environment and Development Economics، اقترح الباحثون مجموعة من التوصيات لتعزيز عدالة لوائح الاستدامة، شملت صياغة القوانين بالشراكة مع جميع الأطراف المتأثرة، وتسهيل الوصول إلى البيانات، واحتساب الأضرار البيئية عبر الحدود، وتعزيز الشفافية المالية وسهولة الامتثال.
وتهدف هذه التوصيات إلى إشراك الدول النامية في صياغة السياسات البيئية بدلاً من فرضها عليهم من جهات عليا، بما يضمن حماية المجتمعات المحلية بدلًا من تهميشها.

العدالة الرقمية في قلب الأزمة
وأوضحت الدراسة أن المعايير الأوروبية تفرض متطلبات متزايدة على مستوى البيانات البيئية، الأمر الذي يزيد العبء على المؤسسات الصغيرة، ومن هنا تبرز أهمية التحول الرقمي في دول الجنوب، وضرورة بناء بنية تحتية رقمية عادلة للبيانات، تسمح بتدفق سلس وشفاف للمعلومات.
ويحتاج ذلك إلى شراكة مع خبراء محليين، واستثمار في التقنيات الرقمية، مع دعم من مؤسسات دولية لتقليل التكاليف، وبناء أنظمة متكاملة.
الانبعاثات من النطاق الثالث.. فجوة الإفصاح الكبرى
وأشارت الدراسة إلى أن من أبرز التحديات في النظام الحالي، غياب الإلزامية في الإفصاح عن انبعاثات النطاق الثالث (Scope 3)، وهي الانبعاثات غير المباشرة الناتجة عن عمليات خارج سيطرة الشركات، لكنها تمثل غالبية الانبعاثات الكربونية.
ويفتح هذا الفراغ التنظيمي الباب أمام شركات لتقديم صورة خضراء مضللة دون تغيير فعلي في الممارسات.
المؤسسات المالية في الواجهة
تلعب البنوك والمؤسسات المالية دورًا محوريًا في قيادة التحول نحو شفافية بيئية حقيقية، من خلال دعم المؤسسات الصغيرة بالتمويل والخبرة، وربط المستثمرين بالمشروعات الخضراء النامية، والمساهمة في بناء الثقة بين الشمال والجنوب.
لكن الواقع يظهر أن العديد من المستثمرين لا يزالون يترددون في التضحية بجزء من العوائد مقابل الأهداف البيئية، ما لم تتوفر بيانات دقيقة وواضحة تساعد في تقييم المخاطر.

لمن تكتب هذه السياسات؟
ينبّه الباحثون إلى أن أكثر من 60% من الانبعاثات داخل الاتحاد الأوروبي تأتي من الشركات الصغيرة والمتوسطة. ما يعني أن التركيز على اللاعبين الكبار فقط قد يغفل الأثر الأوسع.
كما يوجهون الضوء إلى المستهلك النهائي، الذي يتخذ قراراته بناء على ملصقات مستدامة قد لا تعكس الحقيقة الكاملة، وبالتالي، فإن رفع وعي المستهلك، وتمكينه من مساءلة الشركات، هو جزء أصيل من نجاح التحول الأخضر.
وفي النهاية، لا ينبغي أن ننسى أن هذه المنظومة تهدف بالأساس لحماية البشر وبيئاتهم وطرق عيشهم، كما إن أي تحول حقيقي نحو الاستدامة لا يكتمل إلا بإشراك الفئات المتأثرة، وتعزيز العدالة البيئية على مستوى العالم، لا فقط داخل حدود أوروبا.
اقرأ أيضًا:
صناديق الثروة السيادية، كيف تقود عملية التحول الأخضر في الشرق الأوسط؟
التحول الأخضر على الطريق السريع، مصر تستعد لتوطين صناعة السيارات الكهربائية
العناقيد الصناعية 2.0، كيف يُعيد الذكاء الاصطناعي والتحول الأخضر رسم خريطة العالم؟
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ“أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية”، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
وداعًا جوجل، الذكاء الاصطناعي يدخل عصر ما بعد محركات البحث
26 يوليو 2025 04:20 م
السعودية تُسرع التحوّل في قطاع الطاقة، مشاريع بـ20 جيجاوات بحلول 2030
24 يوليو 2025 02:29 م
من أمريكا لإفريقيا، صناعة الموسيقى تهيمن على الأسواق بعائدات تفوق 29 مليار دولار في 2024
24 يوليو 2025 12:44 م
أكثر الكلمات انتشاراً