صعود قطاع "المساعدين عن بعد" في الفلبين، مكاسب اقتصادية غير تقليدية
الأحد، 29 يونيو 2025 12:37 م

العمل عن بٌعد
في تحول لافت يشهده الاقتصاد الفلبيني، برز قطاع "المساعدين العاملين عن بعد" كواحد من أسرع الأنشطة نمواً خارج الأطر التقليدية، مؤسساً لنموذج اقتصادي جديد قائم على تصدير الخدمات البشرية الرقمية بدلًا من المنتجات المادية.

وفي ظل تصاعد الطلب العالمي على المهارات الإدارية القابلة للتنفيذ عن بعد، تُمثل الفلبين نموذجًا مميزًا لما يمكن تسميته بـ"اقتصاد المهارات القابلة للتصدير"، وهو ما يستدعي قراءة أعمق للأبعاد الاقتصادية لهذا التحول.
التحول من اقتصاد الخدمات إلى اقتصاد العمل الرقمي
الفلبين، التي طالما اعتُبرت من أبرز الدول المصدرة للعمالة في آسيا، دخلت خلال السنوات الأخيرة مرحلة جديدة تتمثل في تصدير "الخدمات الذهنية" من خلال الإنترنت.
تشير البيانات إلى أن أكثر من مليون فلبيني يعملون كمساعدين عن بعد، يقدمون خدمات إدارية تشمل جدولة المواعيد، الفوترة، كتابة المحتوى، والتحليل البياني.
هذا التحول يُعد بمثابة انتقال نوعي من "اقتصاد الهجرة" إلى "اقتصاد العمل الحر الرقمي"، حيث لا يغادر العامل بلده، لكنه يدر دخلاً أجنبياً يعادل أو يفوق ما كان يمكن أن يحصل عليه في دول الاغتراب، وبذلك، يصبح العمل عن بعد جزءًا من الاقتصاد التصديري غير المرئي، ورافدًا جديدًا للنقد الأجنبي.
اقرأ أيضًا:
لأول مرة.. قانون العمل الجديد ينظم العمل عن بعد عبر المنصات الرقمية
ميزان التكلفة والجودة.. ميزة تنافسية مزدوجة
يستند نجاح القطاع إلى ثلاث مزايا رئيسية:
- إتقان اللغة الإنجليزية، ما يجعل العمال الفلبينيين قادرين على التعامل مباشرة مع عملاء من أمريكا الشمالية وأوروبا.
- خبرة طويلة في مراكز الاتصال، التي وفرت تدريبًا جماعيًا سابقًا في التواصل المهني وخدمة العملاء.
- انخفاض تكلفة العمالة، حيث يمكن للمساعد الفلبيني تقاضي 8 إلى 10 دولارات في الساعة، وهي تكلفة منخفضة نسبيًا بالنسبة للشركات الأجنبية لكنها مرتفعة جدًا بالنسبة للحد الأدنى للأجور في الفلبين.
هذه العوامل مجتمعة جعلت من الفلبين مركز جذب عالمي لتوظيف مساعدين عن بعد، وساهمت في نمو المنصات الوسيطة مثل Upwork وFreelancer.

إيرادات متزايدة لكنها غير منظمة بالكامل
رغم الفوائد المباشرة لهذا القطاع من حيث تشغيل العمالة وجذب العملة الأجنبية، إلا أن طبيعة العمل المستقل تُثير إشكاليات اقتصادية من زاويتين:
صعوبة تحصيل الضرائب: نظرًا لأن العمل يتم عبر منصات أجنبية أو ترتيبات مباشرة، يصعب على الحكومة تتبع الدخل الفعلي بدقة، ما يؤدي إلى فجوة ضريبية.
الافتقار إلى الحماية الاجتماعية: كثير من العاملين غير مسجلين في نظم الضمان الاجتماعي أو التأمين الصحي، ما قد يخلق فجوات في الأمن الوظيفي على المدى الطويل.
رغم ذلك، بدأت الحكومة في برامج تنظيمية وتدريبية، تشمل توفير الدورات المهنية وتوصيل الإنترنت للمناطق النائية، في محاولة لدمج القطاع ضمن الاقتصاد الرسمي، وتعزيز قدرته على الاستدامة.
اقرأ أيضًا:
وظائف عن بعد في أمريكا تصل لأكثر من 200 ألف دولار، ما هى؟
مخاطر مستقبلية منها تهديد الذكاء الاصطناعي
يُشكل الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPT تهديدًا حقيقيًا لمهام المساعدين عن بعد، خاصة تلك المعتمدة على أنماط متكررة وقابلة للأتمتة، مثل الردود على البريد الإلكتروني، إدخال البيانات، وجدولة المهام.
ومع ذلك، ما زال العنصر البشري متفوقًا في مجالات تستلزم الذكاء العاطفي، التفاوض، والتفاعل الإنساني المركب، وهي مهارات لا يمكن أتمتتها بسهولة.
وبالتالي، فإن مستقبل هذا القطاع يعتمد على قدرة العاملين فيه على تطوير مهاراتهم باستمرار، والانتقال من المهام التشغيلية البسيطة إلى الأدوار ذات القيمة المضافة العالية.

أثر اجتماعي وتنموي محتمل
على المستوى المحلي، يحمل هذا القطاع إمكانية تقليص الهجرة الخارجية وتحسين جودة الحياة للفئات المهمشة، المثال الأبرز جاء من بلدة "ماجسايساي"، حيث تم تدريب نساء من السكان الأصليين للعمل عن بعد، مما يمثل دمجًا فعالًا للفئات غير المُمثلة سابقًا في سوق العمل.
كما أن وجود منصات دعم اجتماعي رقمي وبيئات تعاونية عبر الإنترنت ساهم في تكوين اقتصاد مجتمعي رقمي، يدمج بين التكنولوجيا والعمل والتمكين الاجتماعي، وهو ما يُعد تطورًا تنمويًا غير تقليدي.
اقرأ أيضًا:
تراجع حاد في وظائف التكنولوجيا، الذكاء الاصطناعي والرسوم الجمركية يغيران قواعد اللعبة
اقتصاد لا يُرى بالعين لكنه يُدار بالدولار
يمثل قطاع المساعدين عن بعد في الفلبين نموذجًا اقتصاديًا صاعدًا يُعيد تعريف العلاقة بين الجغرافيا والعمل، ويوفر فرصًا جديدة للدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة والمهارات اللغوية الجيدة.
وبينما تتدفق الإيرادات من خلال الشاشات الرقمية إلى داخل البلاد، يبقى التحدي الأبرز هو كيفية تنظيم هذا التدفق، ودمج القطاع في الهيكل الاقتصادي الرسمي، وتحضيره لمواجهة الثورة التكنولوجية القادمة.
إنه اقتصاد جديد لا تصنعه المصانع، بل تُشكله لوحات المفاتيح وسرعة الإنترنت، فهل تدرك الحكومات قيمة ما يجري في الخلفية الرقمية؟
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ 24 ساعة، لـ أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
الذكاء الاصطناعي يهدد ويخدع ويضع العالم أمام تحدي الاستغناء عنه أو مواجهته
29 يونيو 2025 04:15 م
كشف أثري جديد في أسوان، 3 مقابر صخرية من عصر الدولة القديمة بقبة الهوا (صور)
29 يونيو 2025 12:36 م
تحول الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى عامل ضغط اقتصادي جديد
28 يونيو 2025 05:09 م


أكثر الكلمات انتشاراً