إيران تكسر القيود، الصواريخ الباليستية محلية الصنع تصل قلب تل أبيب
الإثنين، 23 يونيو 2025 09:43 ص

الصواريخ الإيرانية
في الوقت الذي تتأرجح فيه إيران على حافة الأزمات الاقتصادية المتكررة، وتقبع تحت وطأة واحدة من أكثر أنظمة العقوبات الدولية صرامة منذ عقود، تواصل طهران ضخ استثمارات ضخمة في تطوير منظومتها الصاروخية، لتصوغ بذلك معادلة فريدة تقوم على اقتصاد الردع الذاتي بدلًا من الانخراط في سباقات تسلح تقليدية أو حروب مباشرة.

الصواريخ الباليستية سلاح استراتيجي عابر للحدود، وللقارات أيضًا، ويمكن تسليح هذه الصواريخ برؤوس نووية أو كيميائية أو بيولوجية، ما يجعلها قوة ردع وتهديد.
وإيران تعتبر تكنولوجيا الصواريخ الباليستية جزءًا حيويًّا من استراتيجيتها للدفاع والردع وبسط نفوذها خارج حدودها. ومنذ أواخر الثمانينيات، اشترت إيران صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى لتفكيكها وتطويرها وفقًا لأهدافها واحتياجاتها الاستراتيجية.
اقرأ أيضًا:
عاجل | إعلام إسرائيلي: سقوط صاروخ إيراني في تل أبيب
عقيدة الصاروخ بدل الطائرة.. مزيج من الاقتصاد والسياسة
تُدرك إيران منذ عقود أن امتلاك أسطول جوي متقدم كالذي تملكه القوى الكبرى ليس خيارًا اقتصاديًا واقعيًا، خاصة في ظل حظر الأسلحة الغربية والصعوبات التقنية والمالية.
من هنا، رأت في الصواريخ الباليستية وسيلة منخفضة الكلفة نسبيًا لتحقيق أهداف استراتيجية كبرى، وهو ما يمكن اعتباره نهجًا دفاعيًا بموارد محدودة، يخلق توازن رعب إقليمي دون استنزاف ميزانية الدولة.
تُقدر كلفة تطوير صواريخ باليستية متوسطة المدى بكسور مما يتطلبه إنشاء سلاح جو حربي حديث، خاصة عندما تعتمد على إعادة تدوير التكنولوجيا كما حدث في سلسلة «شهاب» التي استُمدت من صواريخ سكود السوفيتية أو صواريخ «نودونج» الكورية، وهذا يعكس ذكاءًا اقتصاديًا في استخدام المعرفة المتوفرة بدل شراء الجاهز المكلف.
_1787_121727.jpg)
منظومات شهاب.. الوريث السوفيتي في خدمة الردع الإيراني
تستخدم الوقود السائل، وتم اختبار أول نموذج منها عام 1988، ومنها، «شهاب 1» ويعتمد على تقنيات صواريخ سكود-بي السوفيتية ويبلغ مداه 300 كم.
«شهاب 2» ويعتمد على تقنيات سكود-سي ويصل مداه إلى 500 كم، و«شهاب 3» وهو نسخة مطورة من الصاروخ الكوري الشمالي «نودونج» الذي يبلغ مداه 900 كم بحمولة نحو 1000 كجم.
بينما «قادر 1» وهو نسخة مطورة من «شهاب 3» ويصل مداه إلى 1600 كم، بحمولة نحو 750 كجم، وفي 2015 تم اختبار الصاروخ «عماد» وهو نسخة معدلة من «قادر»، فرط صوتي، ويبلغ مداه 1700 كم، بحمولة نحو 750 كجم.
لكن الملفت اقتصاديًا هو أن هذا التطوير لم يتطلب إنشاء مصانع جديدة بالكامل، بل توسعت إيران في الهندسة العكسية والتحديث على خطوط الإنتاج نفسها، وهو ما يوفر نفقات ضخمة على البنية التحتية الدفاعية، ويُنشئ فرص عمل داخلية في القطاعات الهندسية الدقيقة.
اقرأ أيضًا:
جيش الاحتلال يعترض مسيرة ويطلق عمليات موسعة ضد منشآت صواريخ إيرانية
صواريخ فاتح.. خطوة نحو الوقود الصلب
صواريخ تعمل بالوقود الصلب، ويبلغ مداها من 200 إلى 1400 كم، وتم اختبار أول نموذج منها عام 2001، وكانت في البداية من الفئة قصيرة المدى، وطورت لتشمل الفئة متوسطة المدى.
ومنها «فاتح 110»، و«فاتح 313»، كما تستخدم صواريخ «ذو الفقار» و«دزفول» و«الحاج قاسم سليماني» و «خيبر شيكان» مبادئ التصميم الأساسية نفسها لأنظمة «فاتح»، ولكن بمحركات صاروخية ذات قطر أكبر قليلاً تدفعها إلى نطاقات أطول نحو 700، 1000، 1400، 1450 كم، على التوالي، ويُعتقد أن الصواريخ الأكبر حجمًا تحمل رؤوسًا حربية يتراوح وزنها ما بين 450 و 600 كجم.

الوقود الصلب.. استثمار في الاستقلالية التصنيعية
الصواريخ التي تعتمد على الوقود السائل مثل «شهاب» و«خرمشهر» تُعد تقليدية لكنها أقل مرونة لوجستيًا، بالمقابل، سمح التوجه نحو الصواريخ ذات الوقود الصلب، كما في أنظمة «فاتح» و«سجيل»، بتقليل زمن الإعداد والإطلاق، ورفع الجاهزية الدفاعية، مع ما تحققه من كفاءة اقتصادية في التشغيل والصيانة.
من الناحية الصناعية، فإن تصنيع الوقود الصلب محليًا يعزز الاكتفاء الذاتي الدفاعي، ويخلق سلاسل توريد داخلية تتقاطع مع صناعات الكيماويات، والمعادن، والتكنولوجيا الدقيقة، ما يُغذي قطاعات اقتصادية متعددة داخل إيران.
صواريخ سجيل.. فئة متوسطة ولكن مدمرة
تستخدم الوقود الصلب، وتم اختبار أول نموذج منها عام 2008، وتُعد من الفئة متوسطة المدى، وتوفر العديد من المزايا الاستراتيجية، لا سيما سجيل-2، فهو صاروخ أرض أرض، محلي الصنع، فرط صوتي.
ويبلغ مداه نحو 2000 كم، عند حمل رأس حربي يزن نحو 750 كجم، ما يتيح لإيران استهداف أي مكان يهددها، وتعمل إيران على تطوير تقنيات «سجيل 1 و2» لإنتاج صاروخ يبلغ مداه 3700 كم.
اقرأ أيضًا:
وكالة الأنباء الإيرانية: صاروخ إيراني سقط على مطار بن غوريون في إسرائيل
صواريخ قيام.. دفاعات من إصدار الجيل الثاني
يوجد إصداران من صاروخ «قيام»، يتراوح مداهما بين 700 و 800 كم وذلك عند تزويدهما برأس حربي يزن من 500 إلى 600 كجم.
وقد تم اختبار أول نموذج منه عام 2010، وهو تطوير لصاروخ «شهاب-2» ويُعد من الفئة قصيرة المدى، ويستخدم رأسًا حربيًّا قابلاً للفصل، ما يقلل من تعرضه للدفاعات الصاروخية، وظهر إصدار الجيل الثاني من «قيام» مزودًا برأس حربي لتحسين دقته.
الردع الاقتصادي.. صاروخ واحد يساوي مليار دولار من الدفاعات
في الميزان الاقتصادي، فإن صاروخًا واحدًا بتكلفة عدة ملايين دولارات يمكن أن يُجبر خصمًا مثل إسرائيل أو الولايات المتحدة على تفعيل منظومات دفاعية تكلف عشرات أو مئات الملايين من الدولارات، مثل باتريوت أو القبة الحديدية.
هنا، تبرز كفاءة الردع غير المتكافئ، استثمار منخفض يولد تكلفة مرتفعة للعدو، وهذا بحد ذاته استراتيجية اقتصادية في الحرب.
اقرأ أيضًا:
عاجل | سقوط صاروخين إيرانيين في الشمال وآخر في النقب
صواريخ خرمشهر.. دفاع إيراني من الجيل الرابع
تم أول اختبار لصاروخ «خرمشهر» عام 2017، وأعلن عن «خرمشهر 2» في فبراير 2019، وعُرضت نسخة ثالثة منه بعدها بنحو 7 أشهر.
وفي يونيو 2023، كشفت إيران عن الجيل الرابع من «خرمشهر» ويُسمى «فتاح 1» أو «خيبر»، ويعمل بالوقود السائل، ويبلغ مداه 1400 كم، وهو صاروخ فائق السرعة الصوت «فرط صوتي»، ويمكنه السفر في مسار معقد، ما يمنحه القدرة على المناورة، ويجعل من الصعب إسقاطه أو اعتراضه، وفي نوفمبر 2023، كشفت إيران عن النسخة المطورة منه فتاح 2» الذي يصل مداه إلى 1500 كم.

بين العقوبات والتصنيع المحلي.. كيف تمول طهران هذا البرنامج؟
رغم العقوبات الأمريكية المشددة التي استهدفت القطاع المالي والنفطي، استمرت إيران في تمويل برنامجها الصاروخي، يُعتقد أن التمويل يتم عبر ثلاث قنوات رئيسية:
عوائد النفط المهرب، خاصة نحو دول آسيوية، حيث تُباع الشحنات بأسعار مخفضة تُحوّل أرباحها مباشرة إلى الحرس الثوري.
موازنة الدفاع الوطنية، التي تُمنح أولوية نسبية ضمن ميزانية الدولة، حيث خصصت إيران نحو 3.1% من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع عام 2023، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بدول تمر بأزمات مالية.
الدعم اللوجستي من الحلفاء، مثل كوريا الشمالية، التي ساهمت في نقل التقنية، ضمن تبادلات لا تعتمد على الدولار أو النظام المصرفي التقليدي.
اقرأ أيضًا:
إسرائيل تعترض 50 صاروخًا إيرانيًا وصافرات الإنذار تدوي شمالًا ووسطًا
مستقبل الصواريخ الإيرانية.. توسع تقني في إطار انكماش اقتصادي
تكشف محاولات إيران لتوسيع مدى صواريخ «سجيل» إلى 3700 كم، وتطوير نماذج فرط صوتية مثل «فتاح 2»، عن رغبة استراتيجية في تجاوز حدود الشرق الأوسط، وصولًا إلى أوروبا أو آسيا الوسطى.
اقتصاديًا، فإن هذه المشاريع الضخمة قد تبدو غير عقلانية في ظل الأزمة التضخمية وانخفاض قيمة العملة، إلا أنها جزء من تصور طويل الأمد يرى في القوة العسكرية رصيدًا تفاوضيًا ومصدرًا للنفوذ الجيوسياسي.

من الدفاع إلى التأثير... الصواريخ الإيرانية كأداة اقتصادية
لم يعد البرنامج الصاروخي الإيراني مجرد مكون عسكري، بل تحول إلى رافعة استراتيجية واقتصادية، توظفها طهران ليس فقط للدفاع، بل لتثبيت نفوذها الإقليمي، وتحقيق توازن مع خصومها يفوق وزنها الاقتصادي الحقيقي.
في بلد يئن تحت العقوبات، فإن كل صاروخ يُطلق من مصانع شهاب أو سجيل أو خرمشهر، يحمل معه رسالة مزدوجة، واحدة سياسية، وأخرى اقتصادية تقول للعالم إن الابتكار الرخيص قد يكون أكثر خطرًا من التسليح الباهظ.
Short Url
النفط يصل لأعلى مستوى في 5 أشهر بعد الهجمات الأمريكية على إيران
23 يونيو 2025 11:56 ص
الدولار يرتفع مع استعداد المستثمرين للرد الإيراني على الهجمات الأمريكية
23 يونيو 2025 10:41 ص
الجزائر تسعى في التحول إلى مركز عالمي للطاقة الشمسية
23 يونيو 2025 05:28 ص


أكثر الكلمات انتشاراً