خيار اقتصادي أم مخاطرة؟ «ميتا» تفتح الإعلانات على أوسع تطبيق مراسلة في العالم

السبت، 21 يونيو 2025 04:24 م

ميتا Meta

في تحول استراتيجي طال انتظاره، أعلنت شركة "ميتا"، المالكة لتطبيق "واتساب"، عن نيتها إدراج الإعلانات المدفوعة داخل التطبيق خلال الأشهر المقبلة، في خطوة تهدف إلى تحويل واتساب من منصة مراسلة مجانية إلى أداة ربحية فعالة، دون الإخلال، كما تزعم الشركة، بجوهر الخصوصية الذي ميز التطبيق منذ انطلاقه.

لكن هذه الخطوة، رغم أهميتها الاقتصادية، تثير مخاوف عدة لدى المستخدمين والمنظمين، خاصة في أوروبا، حيث أعلنت الجهات الرقابية تأجيل تطبيق النموذج الإعلاني الجديد حتى عام 2026 على الأقل.

الإعلانات ستظهر في “الحالات Status” فقط.. والرسائل ستظل مشفرة

أوضحت "ميتا" أن الإعلانات المدفوعة ستظهر داخل قسم "التحديثات" (Updates) وتحديدًا في تبويب "الحالة" (Status)، الذي يجذب يوميًا أكثر من 1.5 مليار مستخدم.

وتؤكد الشركة أن هذه الإعلانات لن تظهر في واجهة المحادثات الخاصة، وأن من لا يزور هذا القسم لن يشاهد الإعلانات من الأساس.

كما أكدت نيكَيلا سرينيفاسان، نائبة رئيس قسم مراسلة الأعمال في واتساب، أن الخطوة جاءت استجابة لطلبات متزايدة من المعلنين، وأن الخصوصية تظل أولوية، حيث تبقى المحادثات والمكالمات والحالات مشفرة من طرف إلى طرف، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز.

اشتراكات للقنوات.. توسع جديد في نموذج الأعمال

إلى جانب الإعلانات، أطلقت ميتا أيضًا خيار الاشتراك الشهري في قنوات "واتساب" (Channels)، التي تقدم محتوى حصريًا من الشركات وصناع المحتوى، مع احتمال اقتطاع عمولة من الاشتراكات مستقبلًا.

وتتيح هذه الخطوة لأصحاب القنوات إمكانية تعزيز ظهورهم مقابل الدفع، ما يضيف مصدر دخل إضافيًا للمنصة.

متى يبدأ التطبيق؟ ولماذا لن يرى الأوروبيون الإعلانات قريبًا؟

ورغم تأكيد ميتا أن طرح الإعلانات سيكون عالميًا ويتم بشكل تدريجي، إلا أن الهيئة الأيرلندية لحماية البيانات (DPC) أعلنت أن النموذج الإعلاني الجديد لن يُطلق في الاتحاد الأوروبي قبل عام 2026، بحسب تقرير نشرته صحيفة بوليتيكو.

وأكد مفوض الهيئة، ديس هوجان، أن واتساب أبلغ اللجنة رسميًا بتأجيل الإطلاق، وأنه سيتم عقد لقاءات مع مسؤولي ميتا لمناقشة الجوانب التنظيمية و"التأكد من ملاءمة المنتج للمعايير الأوروبية الخاصة بالخصوصية".

ويذكر أن ميتا أكدت أن أي مشاركة للبيانات بين واتساب وإنستجرام وفيسبوك ستتم فقط بعد موافقة المستخدمين على ربط الحسابات، وهو ما أثار تحفظات خصوصية متجددة داخل التكتل الأوروبي، خاصة في ظل تاريخ سابق من التوترات التنظيمية، مثل قرار تعليق تقنية Meta AI في أوروبا بسبب ذات المخاوف.

منذ استحواذ فيسبوك، على واتساب عام 2014 مقابل 19 مليار دولار، احتفظ التطبيق بنموذج بسيط دون إعلانات، مع رسوم رمزية (1 دولار سنويًا) قبل أن تلغى في 2016، وفقًا لتقرير نشره موقع theconversation المتخصص في إعداد التقارير البحثية في مختلف المجالات.

وفي عام 2024، بدأت ميتا في استكشاف الربحية من خلال "واتساب للأعمال WhatsApp Business)"، الذي يستخدمه اليوم أكثر من 700 مليون نشاط تجاري لتقديم خدمات مثل دعم العملاء والترويج المباشر، من بينها علامات بارزة مثل زارا وأديداس.

لكن هذا المصدر ظل محدودًا مقارنة بإيرادات ميتا الضخمة التي تجاوزت 160 مليار دولار عام 2024، معظمها من إعلانات فيسبوك وإنستجرام، وفقًا لـ theconversation.

الإعلانات في واتساب.. مساحة آمنة تختبر لأول مرة

ورغم الطرح الحذر الذي تتبعه ميتا، يرى مراقبون أن ظهور الإعلانات في مساحة كان ينظر إليها باعتبارها خاصة، مثل واتساب، يعتبر مجازفة كبيرة.

عادة ما يتسم الاتصال داخل التطبيق عادة ما يتسم بالخصوصية، ومع استخدام بيانات غير مباشرة مثل الموقع أو تفضيلات القنوات، قد يشعر المستخدم أن إعلاناته شخصية أكثر من اللازم، حتى دون استهداف مباشر لمحتوى الرسائل.

مخاطر مضاعفة على المستخدمين الشباب

من بين أبرز المخاوف أيضًا ما يتعلق بالمراهقين وصغار السن، الذين يستخدمون واتساب بكثافة، وقد لا يملكون وعيًا كافيًا تجاه طبيعة المحتوى الدعائي أو التلاعب الرقمي.

ويحذر الخبراء من أن المنصات الخاصة مثل واتساب قد تتحول، بمرور الوقت، إلى قناة محتملة للمؤثرات النفسية السلبية أو الإعلانات غير المناسبة، في غياب تعليم رقمي موازي يمكنه حماية هذه الفئات.

البدائل المجانية تهدد الولاء

وفي عالم تتوفر فيه البدائل المجانية بسهولة، قد يؤدي أي فقدان للثقة إلى هجرة جماعية نحو تطبيقات مثل Signal أو Telegram، التي تقدم تجربة خالية من الإعلانات وتركز على الخصوصية.

نجاح مشروط بحدود الثقة

يمثل إدخال الإعلانات على واتساب لحظة مفصلية في رحلة التطبيق. فهو قرار اقتصادي قد يعزز من عوائد ميتا، لكنه يحمل في طياته اختبارًا صعبًا لعلاقة المنصة بمستخدميها.

ولا يتوقف النجاح على حجم الإيرادات الجديدة فقط، بل على قدرة ميتا في تحقيق توازن دقيق بين الاستفادة التجارية وحماية الخصوصية، ففي عالم رقمي سريع التحول، لا تملك أي منصة رفاهية استغلال ثقة المستخدمين، لأنها إن ضاعت، فقد لا تُسترد بسهولة.