الجمعة، 20 يونيو 2025

05:45 ص

كنز صناعة الجبن، كل ما تريد معرفته عن شرش اللبن وأهميته لصحة الإنسان

الجمعة، 20 يونيو 2025 02:10 ص

شرس اللبن

شرس اللبن

هدير جلال

في عالم يتزايد فيه الوعي بالصحة والتغذية، نبحث دومًا عن مصادر غذائية جديدة ومستدامة، توفر لنا أقصى فائدة بأقل تكلفة، ومن بين هذه المصادر التي غالبًا ما يتم التغاضي عنها، يبرز "شرش اللبن" كبطل صامت، وهذا السائل المائي ذو اللون الأصفر المخضر، والذي ينتج كمنتج ثانوي أثناء تصنيع الجبن أو الزبادي.

ولعقود طويلة، اعتبر شرش اللبن مجرد مخلف صناعي، يتم التخلص منه في كثير من الأحيان، ما يمثل عبئًا بيئيًا واقتصاديًا، ولكن مع تطور الأبحاث العلمية، تغيرت النظرة إلى هذا السائل بشكل جذري، ليكشف عن كونه كــــنزًا غذائيًا حقيقيًا، يمتلك قيمة صحية هائلة تجعله جديرًا بالاهتمام والتقدير.

شرش اللبن

ما هو شرش اللبن؟

هو ناتج ثانوي من صناعة الجبن، وهو عبارة سائل مائي ذو لون أصفر مخضر، وينتج عقب تكسير أو تقطيع  خثرة الجبن، سواءً كان التخثر حمضيًا أو إنزيميًا، كما يتميز هذا المنتج الثانوي باحتواءه على العديد من المكونات، مثل بروتينات الشرش وسكر اللاكتوز والأملاح المعدنيه والفيتامينات القابلة للذوبان في الماء، مثل فيتامين “B” وفيتامين “C”.

    

أنواع الشرش:-

1- الشرش الحلو:- وينتج أثناء خطوات تصنيع الجبن النصف جاف، وبعض أصناف الجبن الجاف، كما يتميز باحتوائه على نسبة من بروتينات الشرش والدهن والأملاح المعدنية والفيتامينات.

2- الشرش المملح:- وهذا النوع الذي ينتج في مصر أثناء إنتاج الجبن الدمياطي، وذلك لإضافة الملح في اللبن، وهو أيضًا يسبب تلوثًا بيئيًا، حيث يمكن الاستفادة منه عن طريق فصل الملح، واستخدام الناتج في صناعة أعلاف الماشية والدواجن، بعد التخلص مما به من دهن، بالفرز لصناعة السمن، وما يتبقى من الناتج، يدخل في صناعة الأعلاف. 

 

شرش اللبن كنز بروتيني وفيتاميني ومعدني:

إن السمة الأبرز لشرش اللبن، هي محتواه الغني بالبروتين عالي الجودة، بروتين شرش اللبن (Whey Protein)، يُعد من البروتينات الكاملة، أي أنه يحتوي على جميع الأحماض الأمينية الأساسية، والتي لا يستطيع الجسم تصنيعها، حيث يجب الحصول عليها من الغذاء.

كما يتميز هذا البروتين، بسرعة هضمه وامتصاصه، ما يجعله مثاليًا لبناء العضلات، وإصلاح الأنسجة، ودعم الوظائف الحيوية للجسم، وهذا ما يفسر شعبيته الكبيرة في صناعة المكملات الغذائية للرياضيين وبناة الأجسام.

لكن القيمة الغذائية لشرش اللبن، لا تتوقف عند البروتين فحسب، فهو أيضًا مصدرٌ جيد لـ:
•    اللاكتوز (Lactose):- وهو سكر الحليب الطبيعي الذي يوفر الطاقة.
•    الفيتامينات:- والذي يحتوي على مجموعة من فيتامينات “ب”، خاصة فيتامين B2 (الريبوفلافين) و B12، وهما ضروريان لعمليات الأيض وإنتاج الطاقة.
•    المعادن:- يذخر بمعادن حيوية مثل:- (الكالسيوم، الفوسفور، البوتاسيوم، والمغنيسيوم)، وكلها تلعب أدوارًا أساسية في صحة العظام والأسنان، ووظائف الأعصاب والعضلات.
•    الإموجلوبيولينز المناعي (Immunoglobulins) واللاكتوفيرين (Lactoferrin): وهي مركبات بروتينية تساهم في تعزيز الجهاز المناعي.
•    البيبتيدات النشطة حيويًا (Bioactive Peptides): وهي سلاسل قصيرة من الأحماض الأمينية، تمتلك خصائص صحية متنوعة، بما في ذلك خفض ضغط الدم، وتحسين صحة الجهاز الهضمي.

شرش اللبن


شرش اللبن في الطب والصحة:-

تتعدد الفوائد الصحية لشرش اللبن ومنتجاته، ما يجعله مكونًا ذا قيمة عالية في الأنظمة الغذائية الصحية والوقائية:-
1.    بناء العضلات:- نظرًا لغناه بالبروتين والأحماض الأمينية متفرعة السلسلة، فهو مثالي لدعم نمو العضلات.
2.    صحة العظام:- بفضل محتواه العالي من الكالسيوم والفوسفور، يلعب دورًا هامًا في تقوية العظام والوقاية من هشاشة العظام.
3.    تعزيز المناعة:- المركبات الحيوية مثل اللاكتوفيرين الإموجلوبيولينز المناعي، تدعم الجهاز المناعي، ما يساعد الجسم على مقاومة الأمراض.
4.    خفض ضغط الدم:- فبعض الدراسات تشير إلى أن ببتيدات معينة في شرش اللبن، يمكن أن تساهم في خفض ضغط الدم، ما يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب.
5.    صحة الجهاز الهضمي:- اللاكتوز والبروتينات في شرش اللبن، يمكن أن تدعم نمو البكتيريا النافعة في الأمعاء، مما يعزز صحة الجهاز الهضمي.
6.    له خواص مضادة للأورام السرطانية:- ويعزى هذا التأثير إلى احتوائه علي الأحماض الأمينية الكبريتية، حيث تدخل هذه الأحماض في تخليق الجلوتاثيون، وبالتالي يتحكم في مستوي الجلوتاثيون الخلوي، وهذا يقلل من مخاطر كثير من الأمراض، والتي تشمل السرطان وتصلب الشرايين
 

تطبيقات شرش اللبن: من المشروبات إلى الصناعات الغذائية

لم يعد شرش اللبن مجرد سائل يتم التخلص منه، بل أصبح مكونًا أساسيًا في العديد من الصناعات الغذائية والصحية، يتم معالجته بطرق مختلفة لإنتاج منتجات متنوعة مثل:-
•    بروتين شرش اللبن المركز (WPC):- والذي يحتوي على 70-80% بروتين.
•    بروتين شرش اللبن المعزول (WPI):- ويحتوي على أكثر من 90% بروتين، وهو مثالي لمن يعانون من حساسية اللاكتوز، أو من يبحثون عن محتوى بروتيني أعلى.
•    بروتين شرش اللبن المتحلل مائيًا (WPH): ويتميز بسرعة هضمه العالية، ما يجعله مناسبًا للأشخاص الذين يعانون من مشاكل هضمية.

 

تُستخدم بروتينات الشرش بكثرة في بعض المنتجات الغذائية مثل:-

•    المشروبات الرياضية والبروتينية:- والتي تعد مصدرًا أساسيًا للبروتين.
•    أغذية الرضع:- والتي تعد كبديل للحليب البشري في بعض تركيبات حليب الأطفال.
•    منتجات الألبان المخمرة:- مثل الزبادي والمشروبات اللبنية.
•    المخبوزات والحلويات:- وتهدف إلى تحسين القيمة الغذائية والقوام.
•    اللحوم المصنعة: والتي تعد مادة رابطة ومحسنة للقوام.

التحديات والآفاق المستقبلية نحو استغلالٍ أمثل لهذا الكنز

وعلى الرغم من الفوائد الكبيرة لشرش اللبن، إلا أن هناك تحديات تواجه استغلاله بشكل كامل، منها:-
•    الكميات الهائلة المنتجة:- والتي تتطلب بنية تحتية قوية للمعالجة والتخزين.
•    احتواءه على اللاكتوز:- ما يجعله غير مناسب لمن يعانون من حساسية شديدة للاكتوز، على الرغم من وجود أنواع معزولة وخالية من اللاكتوز.
•    التكلفة:- وقد تكون تكلفة معالجة وتحويل شرش اللبن إلى منتجات ذات قيمة اقتصادية مرتفعة. ومع ذلك، فإن الآفاق المستقبلية لشرش اللبن واعدة جدًا، حيث تتجه الأبحاث نحو تطوير تقنيات جديدة لاستخلاص المزيد من المركبات النشطة حيويًا منه، مثل اللاكتوفيرين والإيموجلوبيولينز المناعي، لاستخدامها في الأدوية والمكملات الغذائية، كما يتم البحث عن طرق مبتكرة لاستخدامه في مجالات أخرى غير غذائية، مثل صناعة الوقود الحيوي أو الأسمدة الزراعية.

ويمثل شرش اللبن، قصة نجاح حقيقية في تحويل "المخلفات" إلى "ثروات"، فبعد أن كان يُنظر إليه كعبء، أصبح اليوم يُصنف كأحد الأغذية الوظيفية الفائقة، لما يمتلكه من قيمة غذائية وصحية لا تُقدر بثمن، إن التوعية بأهميته ودعم الأبحاث لتوسيع نطاق استخدامه، سيساهمان بلا شك في تعزيز صحة المجتمع ودعم الاقتصاد، ليصبح هذا    " السائل الكنز" جزءًا لا يتجزأ من أنظمتنا الغذائية والصناعية في المستقبل القريب.

لبن

Short Url

search