من الشراكة إلى الشك، أزمة الثقة بين أوروبا وأمريكا تضرب قطاع الدواء
الأربعاء، 11 يونيو 2025 02:14 م

قطاع الأدوية
تحليل/ ميرنا البكري
ما يحدث الآن ليس مجرد خلاف تجاري عادي، بل أزمة اقتصادية حقيقية قد تغير شكل صناعة الأدوية في العالم، خاصة في أوروبا. ومع تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على واردات الأدوية الأوروبية، أصبحت الشركات في سباق مع الزمن لكي تعيد ترتيب أوراقها. والذي كان بين أوروبا وأمريكا من تعاون وثقة، الآن يهتز، والسوق الأمريكي (الذي كان بمثابة كنز للشركات الأوروبية) أصبح خطرًا محتملًا يهدد الأرباح، والوظائف، وحتى الابتكار.

الضربة الأولى، الرسوم الجمركية تهدد القلب الصناعي لأوروبا
يعود دونالد ترامب بنفس أسلوبه الحامي: “أمريكا أولًا”، والرسوم الجمركية التي تنوي فرضها على الأدوية الأوروبية والتي قد تصل لـ 25%، ستزود الأسعار بشكل كبير وتجعل الشركات الأوروبية في مأزق، وبالتالي سترتفع تكاليف التوريد، والربحية ستقل، والتنافسية تهتز.
كما أن المصانع الأوروبية التي كانت تخدم السوق الأمريكي ببراعة (خاصة في سويسرا، إيرلندا، بلجيكا ) أصبحت مهددة بفقدان جزء ضخم من العمل والتصدير.
إعادة تموضع الشركات، التصنيع المحلي بدلًا من التصدير
بدأت بعض شركات الأدوية العالمية تتحرك بذكاء، حيث أعلنت Novartis عن استثمار 23 مليار دولار لتوسيع مصانعها في أمريكا لكي تنتج محليًا، وشركات أخرى شكلت "فرق طوارئ جمركية" لمتابعة التغيرات والتكيف مع السوق الجديد، فالاتجاه واضح، الشركات تتجه لمبدأ "صنع محلي وبيع محلي"، وهذا قد يحميهم من أي ضريبة، لكن في المقابل يكسر ميزة العولمة وكفاءة الإنتاج العالمي.
ما يضيع الآن ليس مجرد أرقام في الميزانيات، بل عناصر أساسية في صناعة الأدوية في أوروبا. ومن أهمهم اقتصاديات الحجم، أي عندما تنتج الشركات كميات ضخمة لكي تقلل التكلفة وتزيد الأرباح، تتأثر سلاسل التوريد المتكاملة التي كانت تجعل التصنيع والتوزيع ينمو بسلاسة ما بين دول كثيرة.
بالإضافة إلى الاستفادة من الكفاءات الأوروبية المتخصصة، حينما يعمل العلماء والخبراء على تطوير أدوية جديدة وفعالة. كل ذلك يتعرض للخطر الآن، وأصبح كل طرف يسعى لتحقيق مصالحه منفردًا، بدلاً من أن يعملوا معًا ككتلة واحدة متكاملة.
اقرأ أيضًا:
دواء من تصميم خوارزمية، الذكاء الاصطناعي يقتحم صناعة الأدوية
البحث والتطوير، ضحية في الخلفية؟
حاليًا، الأموال التي كانت تذهب لللبحث والابتكار في أوروبا، تذهب لبناء مصانع أمريكية، هذه الأمر خطورته قد تصل إلى أن يقل تمويل البحث العلمي في أوروبا، كما إن فرص تطوير أدوية جديدة أو تقنيات تصنيع متقدمة ستتأثر بشدة، والاتحاد الأوروبي قد يفقد مكانته في سباق "البيوفارما" العالمي.
هذا يعني إن خسائر الشركات الأوروبية لن تقتصر على المال فقط، بل قد نخسر أيضًا مستقبلًا كاملًا في مجال التكنولوجيا الدوائية المتقدمة.
خريطة الاستثمار تتغير، أوروبا تخسر، وأمريكا تربح
قبل الأزمة، دول مثل إيرلندا وسويسرا كانوا يجذبوا استثمارات ضخمة بسبب خبراتهم في التصنيع. لكن الآن؟ رأس المال يتحول لأمريكا. وإيرلندا مثلًا، صدرت أكثر من 44 مليار يورو أدوية لأمريكا في 2024. واليوم، قد تذهب هذه الاستثمارات لمصانع أمريكية بدل الأوروبية. والنتيجة انخفاض في الاستثمار الأجنبي المباشر، وبطالة في بعض القطاعات حيوية، وتآكل في القاعدة الصناعية الأوروبية.
اقرأ أيضًا:
قرارات ترامب تربك سوق الدواء العالمي، ومصر تترقب الانعكاسات
وسط التوترات الجيوسياسية، ترامب يعيد خلط أوراق سوق الدواء العالمي

تحديات قانونية، أمريكا لا تفرض جمارك فقط، بل تراقب أيضًا
لابد أن تكون الشركات الأوروبية على دراية كاملة بالتشريعات الأمريكية، خصوصًا: تصنيف بلد المنشأ بدقة، استخدام رموز التعريفة الجمركية (HTS) بشكل صحيح، وأي خطأ بسيط قد يعرضهم لدعاوى تحت قانون "الادعاءات الكاذبة" (False Claims Act)، وهذا معناه غرامات، تشهير، وربما حرمان من التوريد للسوق الأمريكية، أي ببساطة الشركات الأوروبية لا تعاني اقتصاديًا فقط، بل تواجه أيضًا ضغوطًا اقتصادية مستمرة.
النتائج والتوقعات، لابد أن تراجع أوروبا استراتيجيتها
خسائر على المدى القريب
1.انخفاض الأرباح الأوروبية في قطاع الدواء.
2.ارتفاع أسعار الدواء في السوق الأمريكي.
3.خلل في التوريد ونقص محتمل في أدوية حيوية.
تغييرات هيكلية على المدى المتوسط
1.زيادة تصنيع الأدوية محليًا في أمريكا.
2.ضعف قاعدة الابتكار الأوروبية.
3.إعادة رسم سلاسل التوريد العالمية.
فرص على المدى الطويل (إذا استغلتها أوروبا)
1.توسيع العلاقات التجارية مع آسيا وأفريقيا.
2.تعزيز التكامل الصناعي داخل الاتحاد الأوروبي.
3.دعم الابتكار والتكنولوجيا لتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية.
ختامًا، هذه المعركة ليست تجارية، بل معركة على مستقبل صناعة حيوية تؤثر على صحة الشعوب واقتصاد الدول، ومن الضروري أن تتحرك أوروبا سريعًا، وتحافظ على تمويل البحث والتطوير، وتخلق حوافز للشركات لكي تظل داخل الاتحاد، وتتفاوض مع الولايات المتحدة بشكل أذكى يحافظ على مصالحها، وإلا ستخسر أوروبا واحد من أهم القطاعات الاستراتيجية التي كانت دائمًا مصدر فخر وقوة اقتصادية.
Short Url
خطوات البترول لتعزيز أمن الطاقة والتنمية المستدامة في مصر
12 يونيو 2025 07:53 م
تعاون استثماري بين الحكومة وAXA لتعزيز التأمين الرقمي
12 يونيو 2025 06:32 م
تحديث الصناعة يطرح 23 فرصة استثمارية ويقدم 105 خدمة رقمية لدعم المصانع
12 يونيو 2025 05:23 م


أكثر الكلمات انتشاراً