الجمعة، 06 يونيو 2025

07:37 م

أوروبا خارج المنافسة، التكنولوجيا تضع القارة العجوزة في الصفوف الخلفية

الأربعاء، 04 يونيو 2025 09:23 ص

السباق التكنولوجي الأوروبي

السباق التكنولوجي الأوروبي

في سباق عالمي تسيطر عليه السرعة والجرأة والابتكار، تبدو أوروبا وكأنها تركض في حارة جانبية، منهكة من قيودها التنظيمية، مشتتة برغم وحدتها الاسمية، وتائهة وسط تنافس لا يرحم بين واشنطن وبكين.

التكنولوجيا الحديثة

الاقتصاد يقوده الابتكار، وأوروبا تتأخر، هكذا يمكن تلخيص المشهد الذي ترسمه تقارير عالمية، كان آخرها من وول ستريت جورنال، محذرة من اتساع الفجوة التكنولوجية بين القارة العجوز ومنافسيها الرئيسيين.

فجوة تتسع.. أين المشكلة؟

في وقت تتحول فيه التكنولوجيا إلى محرك رئيسي للنمو والإنتاجية، تُظهر أوروبا مؤشرات ضعف مقلقة، قلة الشركات الناشئة الضخمة، بطء في تحويل الأفكار إلى شركات عالمية، وتراجع في إنتاجية العامل الأوروبي مقارنة بنظيره الأميركي.

فمنذ أواخر التسعينيات، كان العامل الأوروبي ينتج ما يقارب 95% مما ينتجه الأميركي في الساعة، اليوم هذا الرقم تراجع إلى أقل من 80%، ليس بسبب الكسل، بل نتيجة نقص الاستثمار في التكنولوجيا، وبيئة ريادية خانقة.

رأسمال خجول وابتكار مكبل

تنتج أوروبا عددًا أقل بكثير من اليونيكورن (الشركات الناشئة التي تتجاوز قيمتها مليار دولار)، والسبب؟ رأس المال المغامر عصب الابتكار في العصر الرقمي لا يزال دون المستوى، فحجم التمويل المتاح في أوروبا يعادل خُمس ما هو موجود في الولايات المتحدة.

إن البيئة الاستثمارية في أوروبا تميل إلى الحذر المفرط، وهو ما يُخيف المستثمرين من خوض غمار المغامرة في قطاعات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والتقنيات الخضراء.

اقرأ أيضًا:

5 دول هامة موردة للرقائق الإلكترونية لديها فرصة تخفيف رسوم ترامب الجمركية

ترامب: لدينا أكبر الشركات لتصنيع الرقائق الإلكترونية على مستوى العالم

 

تشريعات خانقة باسم الحماية

التشريعات الأوروبية، وعلى رأسها قانون GDPR لحماية البيانات، رغم أهميتها، شكلت عبئًا على الشركات الصغيرة، ووفرت أفضلية للشركات الأميركية العملاقة التي يمكنها تحمل أعباء الامتثال، فبدلاً من تمكين الابتكار المحلي، كرست هذه القوانين تبعية التكنولوجيا الأوروبية للخارج.

كما أن البنية التنظيمية المجزأة أكثر من 30 دولة، عشرات القوانين، ولغات متعددة  تصعب من توسع الشركات الناشئة عبر الحدود، في حين تستفيد نظيراتها الأميركية أو الصينية من أسواق موحدة عملاقة.

الرقائق الإلكترونية

ثقافة بلا مخاطرة وعقول مهاجرة

روح ريادة الأعمال، تلك التي صنعت وادي السيليكون، لا تجد التربة نفسها في أوروبا، ثقافة الاستقرار أولاً تُضعف شهية المخاطرة، وتُفرغ السوق من قصص النجاح الجريئة، هذا ليس رأيًا، بل واقع تفرضه المؤشرات، القارة تفتقد الحافز الكافي لتحويل الموهبة إلى منتجات، والمنتجات إلى شركات عابرة للقارات.

الأخطر؟ نزيف المواهب، آلاف المهندسين الأوروبيين الشبان يتوجهون سنويًا إلى أميركا، حيث الرواتب أعلى، والفرص أوفر، والطموحات لا تُحاصر بقوانين جافة أو تمويل شحيح.

اقرأ أيضًا:

أشباه الموصلات، المعركة الخفية للسيطرة على المستقبل

السيليكون الذي يحكم، كيف أسهمت الرقائق الإلكترونية في تشكيل مستقبل العالم

 

هل فات الأوان؟

رغم الصورة القاتمة، هناك تحركات جادة بدأت تظهر على السطح، الاتحاد الأوروبي يحاول ضخ استثمارات جديدة في البحث والتطوير، وتأسيس صناديق دعم للشركات الناشئة، لكن حجم التحدي يتطلب أكثر من إصلاح تدريجي.

تقرير حديث لمنصة ecebis يؤكد أن أوروبا، إذا لم توحد جهودها وتضاعف استثماراتها في البنية التحتية الرقمية، ستبقى مجرد سوق مستهلكة لتقنيات تُنتَج في وادي السيليكون أو مصانع شنتشن.

الذكاء الاصطناعي رهان خاسر حتى الآن

بينما تُراهن الولايات المتحدة والصين على الذكاء الاصطناعي كقوة دافعة للنمو، تبدو أوروبا متأخرة في هذا المضمار، ليس فقط في الإنفاق، بل في القدرة على استخدام البيانات وتطوير خوارزميات جديدة. 

التخوفات الأخلاقية والتنظيمية تُبطئ التحرك الأوروبي، في حين تُراكم الصين نقاط السبق عبر دعم حكومي ضخم وتحرر أكبر في استخدام البيانات.

الرقائق الإلكترونية

خلاصة اقتصادية

الاقتصاد الحديث لا ينتظر المترددين، وفي عالم تُدار فيه الثروات عبر الأكواد والخوارزميات، لا يكفي أن تملك الإرث الصناعي أو الجامعات العريقة، أوروبا اليوم تحتاج إلى إعادة ابتكار دورها، لا كمراقب عالمي، بل كمبتكر عالمي.

إن لم تتغير أولويات الإنفاق، وتُكسر بعض المحرمات الثقافية حول ريادة الأعمال، ويتجاوز الاتحاد الأوروبي انقساماته الداخلية، فإن خطر التراجع إلى هامش الاقتصاد الرقمي العالمي سيبقى واقعًا يفرض نفسه، لا مجرد احتمال.

Short Url

search