الجمعة، 06 يونيو 2025

11:43 ص

مستقبل صناعة الفرو، من رمزية الثراء إلى ساحة جدل عالمي

الثلاثاء، 03 يونيو 2025 09:40 ص

صناعة الفراء

صناعة الفراء

في زوايا مصانع الفراء الممتدة من أوروبا الشرقية إلى الصين وكندا، تبدأ رحلة الفراء من البرية أو المزارع لتتحول إلى معاطف تزين واجهات المتاجر الفاخرة، إنها صناعة قد تبدو غارقة في التاريخ، لكنها حتى اليوم تولد مليارات الدولارات سنويًا، رغم التحديات البيئية والضغوط الصحية وأخطار العمل الكامنة.

الفراء

من بدائية الحفظ إلى دقة التصنيع

منذ العصور القديمة، عرف الإنسان طرقًا بدائية لحفظ الفراء باستخدام الزيوت الحيوانية والمضغ اليدوي لتليين الجلد، اليوم، تطورت هذه العملية إلى سلسلة معقدة من المراحل الصناعية تبدأ من الصيد أو التربية وتنتهي في خطوط الموضة العالمية.

الجلود تُزال، تُغسل، تُشذب، وتخضع لمراحل دباغة وصباغة دقيقة، باستخدام مزيج من الأحماض والمعادن الثقيلة، تستثمر الشركات آلاف الدولارات في كل دفعة صغيرة من الجلود لتصل إلى منتج نهائي عالي القيمة، يُباع بأسعار قد تتجاوز عدة آلاف من الدولارات للقطعة الواحدة.

اقرأ أيضًا:

الصناعة تطرح 35 مصنعًا جديدًا للمستثمرين بمدينة الجلود بالروبيكي

من هنا تبدأ النهضة، «الروبيكي» تكتب فصلًا جديدًا في صناعة الجلود بمصر

سلسلة القيمة من الفلاح إلى دار الأزياء

تُعتبر صناعة الفراء من الصناعات ذات سلسلة القيمة العالية، فكل مرحلة من اقتناء الجلد الخام إلى المعالجة والتصميم والتسويق تضيف قيمة اقتصادية ملموسة. 

على سبيل المثال، يمكن أن يُشترى الجلد الخام من المزارع بسعر لا يتجاوز 20 إلى 50 دولارًا، بينما يُباع بعد التصنيع بعشرات أضعاف هذا السعر، وتُقدر قيمة السوق العالمية للفراء بنحو 40 مليار دولار سنويًا، بحسب تقديرات غير رسمية، مع تركز الإنتاج في دول مثل روسيا، كندا، والدنمارك، والاستهلاك في الأسواق الفاخرة كفرنسا والصين.

الفراء

عمالة مكثفة وتكاليف صحية خفية

رغم الأرباح العالية، تظل هذه الصناعة كثيفة العمالة ومعرضة لأخطار صحية ومهنية كبيرة، تشير تقارير السلامة المهنية إلى مخاطر جسيمة تشمل الإصابة بالجمرة الخبيثة، ومضاعفات تنفسية بسبب الغبار والأبخرة السامة، خاصة في مراحل الدباغة والصباغة. 

المواد الكيميائية المستخدمة مثل حمض الكبريتيك، أملاح الرصاص، والفورمالديهايد تُصنف على أنها سامة أو مسرطنة في بعض الحالات.

في ظل هذه التهديدات، تواجه الشركات تكاليف إضافية تتمثل في توفير معدات وقاية، أنظمة تهوية، ورعاية صحية دورية للعمال ما يرفع من كلفة الإنتاج ويضغط على هامش الربح، خاصة في الدول التي تُطبق قوانين عمل صارمة.

اقرأ أيضًا:

صناعة الجلود في مصر، فرص واعدة للاستثمار والتصدير وتعميق التصنيع المحلي

مدينة الجلود بالروبيكي.. أبرز 10 معلومات عن قلب صناعة الجلود المصرية

نقطة ضعف اقتصادية واعتماد على التصدير ومزاج السوق

تعتمد معظم دول الإنتاج على التصدير إلى الأسواق الراقية، مما يجعل هذه الصناعة رهينة للتقلبات السياسية والحملات المناهضة للفراء. 

على سبيل المثال، واجهت الصناعة ضربة قوية في السنوات الأخيرة بسبب حملات حقوق الحيوان وحظر استخدام الفراء في بعض دور الأزياء الكبرى مثل غوتشي وشانيل، كما أن التشريعات البيئية الجديدة في الاتحاد الأوروبي تهدد بإغلاق عدد من مزارع الفراء.

الفراء الطبيعي

 

موسمية الجلود.. عيد الأضحى كمصدر إضافي للفراء والجلود

في بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة، يمثل عيد الأضحى مصدرًا موسميًا مهمًا لتوفير الجلود والفراء، حيث يُذبح ملايين رؤوس الأضاحي سنويًا، ما يخلق تدفقًا كبيرًا للجلود الخام.

رغم أن معظم هذه الجلود تُستخدم في صناعات تقليدية أو تُهدر بسبب ضعف سلاسل التوريد، فإن تحسين جمعها ومعالجتها يمكن أن يوفر دفعة قوية لصناعات الفراء والجلود، خاصة إذا تم إدماجها ضمن سلاسل قيمة منظمة ومدعومة بالتكنولوجيا.

وتُعد هذه المناسبة فرصة لخفض كلفة المواد الخام محليًا، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وهو ما يتماشى مع توجهات دعم الصناعات الوطنية وتعميق التصنيع المحلي، كما هو الحال في مدينة الروبيكي بمصر.

التحول نحو البدائل الاصطناعية.. هل هو تهديد أم فرصة؟

مع تزايد وعي المستهلك، بدأت الشركات في استكشاف بدائل صناعية أقل ضررًا وأكثر استدامة، ومع أن الفراء الصناعي لا يُضاهي الطبيعي في الملمس أو المتانة، إلا أن انخفاض كلفته وسهولة إنتاجه يدفعه إلى الأمام كمنافس اقتصادي محتمل، ومع ذلك، فإن الفراء الطبيعي لا يزال يحافظ على بريقه في بعض الثقافات والأسواق، خصوصًا في آسيا وروسيا.

الفراء

رفاهية مربحة لكنها مُكلفة

في ميزان الاقتصاد، تُعد صناعة الفراء مربحة لكنها محفوفة بالمخاطر. فكل ربح محقق يقابله ثمن بيئي وصحي مرتفع. وإذا لم تُواكب هذه الصناعة متطلبات الاستدامة وتخفيف الأثر البيئي والصحي، فقد يتحول الربح قصير الأجل إلى خسارة طويلة الأجل.

وبين مطرقة الرقابة البيئية وسندان الرفاهية الاستهلاكية، تقف صناعة الفراء عند مفترق طرق: إما التحول الذكي.. أو الاندثار البطيء.

Short Url

search