كازاخستان بين الإرث والحداثة.. بلد حبيس يواجه ضغوطات بحر من الذهب الأسود
الإثنين، 02 يونيو 2025 10:47 م

كازاخستان والنفط
رغم أن كازاخستان بعيدة عن مياه البحار، إلا أنها غارقة حتى أعماقها في بحر من التحديات النفطية، وتقف على مفترق طرق حاسم بين طموح تعزيز مكانتها في سوق الطاقة العالمية، وقيود عقود إنتاج وُقّعت في التسعينيات، ولا تزال تتحكم في مستقبل البلاد حتى اليوم.

فمنذ انضمامها إلى تحالف أوبك+ عام 2016م، تحاول كازاخستان الموازنة بين التزاماتها تجاه هذا التحالف الدولي، واحتياجاتها الداخلية التي تعتمد بشكل شبه كلي على صادرات النفط لتمويل الميزانية.
وبينما حققت الدولة نقلة نوعية في إنتاج الخام، خاصة بعد توسعة حقل تنغيز البحري، إلا أن ثمار هذا التوسع باتت تُواجهها بوجهٍ آخر، صعوبة الالتزام بالحصص الإنتاجية المحددة من قبل أوبك+، وتزايد الضغط الداخلي لإعادة النظر في طبيعة العقود الموقعة مع عمالقة الطاقة الدوليين.
طفرة نفطية بلا سيادة إنتاجية
وساهمت الشركات العالمية مثل شيفرون، إكسون موبيل، شل، وتوتال في تحويل كازاخستان، إلى أكبر منتج للنفط في أسيا الوسطى، لكن بأسلوبٍ أقرب إلى الشراكة غير المتكافئة، فهذه الشركات، التي دخلت البلاد عقب استقلالها، وقّعت عقودًا طويلة الأجل تُعطيها اليد الطولى في الحقول الثلاثة الكبرى، كاشاغان، تنغيز، وكاراشاغاناك.
وبينما ارتفع الإنتاج إلى قرابة 1.9 مليون برميل يوميًا في مارس 2025م، فإن الحصة المقررة في أوبك+ تقل عن هذا الرقم بنحو 400 ألف برميل، وهو فارق يعكس مدى ضعف قدرة الحكومة على التحكم في أدواتها الإنتاجية، خصوصًا أن عقود تقاسم الإنتاج تمنح الأولوية لاسترداد التكاليف قبل مشاركة الأرباح مع الدولة، ما يجعل خفض الإنتاج قرارًا لا تملكه الحكومة وحدها.
اقرأ أيضًا:
أسعار النفط تنخفض 2% وسط تحديات من كازاخستان لـ«أوبك بلس»
رويترز: إنتاج كازخستان من النفط يصل لمستويات قياسية في مارس الماضي
عقود الماضي تكبل الحاضر
تكلفة الالتزام بهذه الاتفاقات لا تنحصر في البُعد التقني، بل تمتد إلى الأبعاد القانونية والسيادية، فرغم مرور أكثر من 30 عامًا على توقيعها، لا تزال بعض البنود طي الكتمان، ما أثار غضبًا داخليًا واسعًا، تُرجم إلى مطالبات شعبية وبرلمانية بالكشف عن التفاصيل، ووضع حد لما يراه البعض تنازلات سيادية، تمس بحقوق الدولة في مواردها الطبيعية.
ومع تزايد الوعي الشعبي والرسمي بأهمية مراجعة هذه الاتفاقات، بدأت الحكومة تحركًا خجولًا لتعديل الشروط، لكن دون المساس بجوهر العلاقة، ففي حين لم تُقدِم كازاخستان حتى الآن على إنهاء أي عقد رئيسي، رفعت عدة دعاوى قضائية ضد شركات عاملة في الحقول الكبرى، مطالبة بتعويضات مالية ضخمة، وصلت في بعض الحالات إلى أكثر من 160 مليار دولار.

لعبة توازن محفوفة بالمخاطر
وتعتمد كازاخستان على النفط في تمويل أكثر من نصف ميزانيتها، وتُصدر نحو 80% من إنتاجها، ما يجعل أي قرار بتقليص الإنتاج محفوفًا بالمخاطر المالية، وهذا الاعتماد المفرط ظهر جليًا حين تراجعت أسعار النفط في أواخر 2024م.
من جانبه أعلن نائب رئيس الوزراء أن الميزانية ستفقد قرابة 4 مليارات دولار، ما اضطر الدولة لسحب أموال من صندوق النفط السيادي، الأمر الذي أدى إلى ضغوط تضخمية متزايدة، وفي ظل استمرار التقلبات الجيوسياسية، خاصة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، وجدت كازاخستان نفسها أيضًا أمام تحدي لوجستي آخر، تمثل في اضطرارها لفصل خامها عن البراميل الروسية الخاضعة للعقوبات، وتطوير مسارات تصدير جديدة نحو الصين وغيرها، لتجنب اختناق تدفق الإيرادات.
اقرأ أيضًا:
كازاخستان تعتزم بيع 850 مليون دولار من العملات الأجنبية في صندوق النفط
كازاخستان تضع "أوبك+" أمام اختبار جديد في عام 2025
هل يمكن إصلاح الخلل؟
وربما تكون كازاخستان قد تأخرت في التحرك، لكنها بدأت فعليًا السير على درب التغيير، فالدعوات الرئاسية لإعادة التفاوض على العقود، وطرحها في البرلمان، وفتح ملفات الشفافية مع الشركات، كلها مؤشرات على بداية تحول في الفكر الرسمي، من سياسة التسليم إلى محاولة استعادة زمام المبادرة.
لكن هذا الطريق محفوف بالعقبات، حيث إن الخروج المفاجئ من العقود أو محاولة فرض شروط جديدة بالقوة قد يُفقد البلاد ثقة المستثمرين، ليس فقط في قطاع الطاقة، بل في كل القطاعات التي تأمل الحكومة تطويرها لتنويع الاقتصاد، وتعد تلك مقامرة سيادية، تستلزم توازنًا دقيقًا بين تحسين الحصص وتحقيق الاستقرار الاستثماري.

مستقبل العلاقة مع أوبك+
وبينما يرى مراقبون أن التزام كازاخستان بتحالف أوبك+ مرجح في المدى المنظور، فإن استمرارها في تجاوز الحصص قد يخلق احتكاكًا داخل التحالف، خاصة في ظل تململ بعض الأعضاء من غياب الانضباط، لكن مغادرة التحالف أو تجاهله تمامًا ليس خيارًا مطروحًا حاليًا، لأن كازاخستان تدرك أهمية الحفاظ على موقعها، ضمن شبكة منتجين منضبطة، تضمن لها دعمًا دوليًا وتوازنًا في الأسواق.
بلد حبيس، لكنه لا يعيش في عزلة
ورغم أنها دولة غير ساحلية، فإن كازاخستان باتت رقمًا صعبًا في معادلة الطاقة العالمية، حيث تتعامل مع أطراف من الشرق والغرب، وتحاول التوفيق بين إرث عقود مبرمة زمن الحاجة، وطموحات حاضرة تريد استعادة السيطرة.
والمعركة المقبلة، لن تكون في آبار النفط فقط، بل في غرف التفاوض، وساحات المحاكم، وميزانيات التنمية، إنها معركة بين الزمنين، الماضي الذي رسم ملامح الحاضر، والحاضر الذي يريد رسم مستقبل مختلف، أكثر سيادةً وشفافية.
Short Url
موسم الحج 2025، تعرف على أعداد الحجاج آخر 10 سنوات في المملكة
05 يونيو 2025 10:37 م
ارتفاع إجمالي المصروفات بنحو 625.3 مليار جنيه للعام المالي الحالي 2025/2024
05 يونيو 2025 08:49 م
السعودية تكشف عدد ضيوف الرحمن في موسم الحج 2025
05 يونيو 2025 06:18 م


أكثر الكلمات انتشاراً