الثلاثاء، 03 يونيو 2025

03:26 م

نهاية النماذج الفيزيائية، كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل التنبؤات الجوية وخرائط النفوذ العلمي؟

الإثنين، 02 يونيو 2025 12:38 ص

 الذكاء الاصطناعي والتنبؤات الجوية

الذكاء الاصطناعي والتنبؤات الجوية

منذ الثورة الصناعية وحتى اليوم، ظلت النماذج الفيزيائية العددية هي العمود الفقري للتنبؤات الجوية، لكنها قد تكون بصدد فقدان مركزها القيادي في هذا الميدان، لصالح نماذج تعتمد على الذكاء الاصطناعي، لا تفهم القوانين الفيزيائية، لكنها قادرة على محاكاتها بدقة مذهلة.

التنبؤ بالطقس

من النموذج إلى التمثيل، تغير جذري في المنهج العلمي

التحول الذي نشهده ليس مجرد تحسين تقني في التنبؤ بالطقس، بل يمثل تغييرًا فلسفيًا في كيفية فهمنا للطبيعة، النماذج العددية تنطلق من قوانين نيوتن ومعادلات الديناميكا الحرارية، بينما نماذج الذكاء الاصطناعي مثل GraphCast (جوجل)، وAurora (مايكروسوفت)، وPangu-Weather (هواوي) تنطلق من البيانات فقط، دون معرفة بالقوانين، لكنها تصل إلى نتائج دقيقة.

هذا ما يسميه بعض العلماء ما بعد الفيزياء في النمذجة أي أن الذكاء الاصطناعي لم يعد بحاجة لفهم العالم لكي يتنبأ به، إنها خطوة تشبه انتقالنا من رسم الخرائط الورقية إلى نظام GPS، لم نعد نحتاج إلى فهم الطريق بقدر ما نحتاج إلى معرفة أين نحن الآن وأين نريد أن نصل.

 

اقرأ أيضًا:

شطرنج العقول، «وادي السيليكون» يشعل سباق استقطاب نوابغ الذكاء الاصطناعي

من التربة إلى التكنولوجيا، الزراعة تستعين بالذكاء الاصطناعي لتحقيق طفرة إنتاجية

الذكاء الاصطناعي يعيد تعريف الكفاءة

في السابق، كان الوقت عاملًا حاسمًا، تشغيل نموذج عددي لتوقع حالة الطقس بعد 10 أيام قد يستغرق ساعات على حواسيب عملاقة، الآن، يمكن لنموذج ذكاء اصطناعي أن يقدّم التوقع ذاته في أقل من دقيقة، مع دقة تضاهي أو تتجاوز النموذج التقليدي.

الفرق البنيوي هنا ليس فقط في السرعة، بل في القدرة على إعادة التنبؤ ملايين المرات، وبالتالي إنشاء نطاقات احتمالية أكثر تعقيدًا وواقعية، الذكاء الاصطناعي يجعل النمذجة المناخية تفاعلية، قابلة للتخصيص الفوري، وهذه ميزة لا تقدر بثمن في مواجهة تغيرات مناخية متسارعة.

الذكاء الاصطناعي والتنبؤ بالطقس

 

توازنات القوى.. السباق بين الشركات والدول

أصبحت نماذج الطقس مجالًا إستراتيجيًا، الصين، عبر هواوي، تسعى إلى تقليل اعتمادها على النماذج الأوروبية والأميركية، بينما تسعى الولايات المتحدة، من خلال شراكات بين القطاع العام والخاص مثل NVIDIA وDOE، إلى الحفاظ على تفوقها العلمي.

أما أوروبا، التي كانت لعقود رائدة عبر مركز ECMWF، فتواجه الآن ضغطًا من القطاع الخاص الذي يطور نماذج أسرع وأرخص، والتحدي الذي تواجهه، يكمن في سؤال، هل تدمج هذه النماذج الجديدة في بنيتها العلمية أم تحاول الحفاظ على مرجعيتها التاريخية؟

 

اقرأ أيضًا:

الذكاء الاصطناعي في خدمة التنمية الزراعية، مبادرة جديدة لوزارة الزراعة

بـ100 مليار دولار، كيف تساهم 5 صحاري أمريكية في حل أزمة طاقة الذكاء الاصطناعي؟

هل تحل الآلة محل الفيزياء؟

رغم دقة النماذج الجديدة، لا يزال هناك فجوة فلسفية، الذكاء الاصطناعي يقدم توقعات دون تفسير، النموذج الفيزيائي يخطئ أحيانًا، لكنه يشرح لماذا أخطأ، أما نموذج الذكاء الاصطناعي، فهو صندوق أسود يخرج نتائج دقيقة دون أن يخبرنا بمسار التفكير.

في عالم البحث العلمي والسياسات المناخية، القدرة على تفسير الظواهر ليست رفاهية، فهي ما يتيح بناء الثقة، ووضع سيناريوهات مستقبلية، وتقدير المخاطر، من دون هذا التفسير، قد تتحول النماذج الذكية إلى أدوات قوية لكن محدودة في الشرعية العلمية.

تكنولوجيا التنبؤ بالطقس

 

الآثار الاقتصادية من التنبؤ إلى الاستباق

في مجالات مثل الزراعة، والطاقة، والطيران، وحتى إدارة الكوارث، تمثل التنبؤات الجوية الجيدة فرقًا بين الربح والخسارة، وبين الحياة والموت، تقليص وقت التنبؤ من ساعات إلى ثوانٍ يتيح قرارات فورية تستبق الخطر، مما يغيّر ديناميكيات السوق بالكامل.

كما أن تكلفة تشغيل النماذج الجديدة أقل بكثير، مما يفتح الباب أمام دول نامية لم تكن تملك سابقًا البنية التحتية لنمذجة مناخها، نحن أمام فرصة ديمقراطية لامتلاك أداة سيادية كانت حكرًا على الدول الكبرى.

الذكاء الاصطناعي لا يتنبأ بالمناخ فقط، بل يعيد تشكيله

ما نشهده ليس مجرد تقدم تقني، بل انتقال في منظومة الفهم ذاتها، الذكاء الاصطناعي لا يتحدى النماذج الفيزيائية فحسب، بل يتحدى أسس الطريقة التي نفكر بها في الطبيعة، وفي العلاقة بين الإنسان والآلة، والمعرفة والتفسير.

السنوات القادمة ستشهد ما هو أكثر من تحسين التنبؤات الجوية، سنشهد إعادة رسم لخرائط النفوذ العلمي، وتحولًا في طريقة تعامل الحكومات مع البيانات، وقد نصل إلى لحظة مفصلية يُعهد فيها للآلة بتوجيه قرارات البشر دون أن نعرف كيف تفكر.

Short Url

search