من «ملك العملات» إلى العملة المرتكبة، الدولار في مفترق طرق
الأربعاء، 28 مايو 2025 11:59 ص

العملات
تحليل/ ميرنا البكري
في ظل اشتعال التوترات الاقتصادية عالميًا، وتصاعد الحروب التجارية وارتفاع الرسوم الجمركية، تحركت أوروبا والصين بخطى سريعة لمحاولة كسر هيمنة الدولار، الذي كان يُقال عليه إنه "ملك العملات". لكن الآن، الرياح لم تعد تسير كما كانت في السابق، وبدأت أصوات تتعالى من بروكسل لـ بكين تقول: "لما ذا لا نجعل اليورو أو اليوان بديلًا؟". سنوضح في هذا التحليل الوضع ، ونطرح سؤال هام: هل الدولار يفقد التاج قريبًا؟

الدولار يخسر نفوذه، بصمت وتدريج
قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي "كريستين لاجارد" تصريح قوي، وأوضحت إن حصة الدولار من الاحتياطيات الدولية هبطت لـ 58%، وهو يعتبر أدنى مستوى من عقود، وكانت هذه الحصة 70% في عام 2000، أي هناك نزيف منذ أكثر من 20 عام.
وفي نفس الوقت، الناس لا تجد بديلًا واضحًا، فأغلبهم يلجأ للذهب، خاصة إن السياسات الاقتصادية في أمريكا
أصبحت متقلبة، وترامب يهدد بحروب تجارية جديدة.
اليورو بين القوة الاحتياطية والضعف التجاري، عملة موحدة تبحث عن نفوذ عالمي
لاجارد ترى إن اليورو لديه المقومات لكي يكون بديل فعال للدولار، لكن يحتاج دعم سياسي وقانوني من الاتحاد الأوروبي. بمعنى آخر، لابد أن تعملأوروبا ككيان اقتصادي موحد أكثر، وذلك أمر معقد قليلًا. لكن بالأرقام، 20% من الاحتياطيات الدولية باليورو (2024)، و6% فقط من تمويل التجارة العالمية باليورو.
أي العملة قوية احتياطيًا، لكن ضعيفة في الاستخدام اليومي في التجارة مما جعل الخبراء يشككوا، مثل دكتور محمد أنيس الذي قال إن أوروبا ليست دولة واحدة أمريكا، ولا يوجد بها قوة عسكرية تحمي مصالحها، فبالتالي من الصعب أن تأخذ عملتها دور الدولار بسهولة.
اقرأ أيضًا:
من يتصدر ترتيب العملات العالمية؟ مفاجآت تزيح الدولار عن القمة في 2025
سعر الدولار يستقر في البنوك المصرية خلال تعاملاته اليوم الأربعاء

الصين تشد اليوان للساحة العالمية
الصين لن تصمت، والبنك المركزي الصيني طلب من البنوك الكبيرة تزود استخدام اليوان من 25% لـ 40% في معاملات التجارة عبر الحدود. وذلك رغم إن النسبة غير إلزامية، وأي بنك لا يلتزم غالبًا يتخصم من تقييمه.
أي الصين تضغط بكل قوتها لكي يأخذ اليوان في التجارة الدولية خصوصًا إن الصين أصبحت الشريك التجاري الأول للدول العربية ودول الخليج، وهو ما يعطي اليوان مساحة أكبر للنمو، ودكتور ناصر السعيدي قال: إن اليوان سيكون أهم من اليورو في الـ5 لـ 10 سنوات المقبلة.
الدولار لا يموت، لكنه يتراجع
مع كل ذلك، مازال الدولار هو الملك في معاملات السوق اليومية، حيث يتم تداول 6.6 تريليون دولار يوميًا مقابل 2.3 تريليون باليورو. لكن الوضع يتغير، والمستثمرين أصبحوا أقل شغفًا بالدولار، خاصةً مع الفائدة المرتفعة والتضخم، والركود الذي يخيم على الاقتصاد الأمريكي، حتى دكتور أنيس قالها صراحةً: "السياسات الأمريكية الحالية تضغط على الدولار، والأسواق غير مرتاحة".
اقرأ أيضًا:
"دولار ترامب" عملة عالمية في مهب السياسات لا الرياح الاقتصادية
أبرز المؤشرات الرقمية
مقارنة بين الدولار واليورو واليوان من ناحية قوتهم في العالم (سنة 2024):
نسبة الاحتياطيات الدولية
الدولار لايزال يحتل بقوة، ويُمثل حوالي 58% من الاحتياطيات على مستوى العالم، واليورو خلفه بنسبة 20%.
أما اليوان، فالنسبة الرسمية غير مُعلنة، لكن المؤشرات تقول إنه يصعد تدريجيًا.
أعلى حصة تاريخية
سجل الدولار ذروته في عام 2000 بنسبة 70%، أما اليورو، فأعلى حصة له كانت عام 2010 بنسبة 26%.
التداول اليومي
يتم تداول الدولار يوميًا بحوالي 6.6 تريليون دولار، وهو رقم ضخم جدًا، واليورو يتداول بـ 2.3 تريليون دولار، واليوان، التقديرات تقول إنه يتداول ما بين 500 لـ800 مليار دولار يوميًا.
استخدام العملة في التجارة العالمية
الدولار يظهر في 88% من الصفقات على مستوى العالم، أي من كل 3 صفقات، في 2 على الأقل بها دولار.
كما يتم استخدام اليورو في 6% فقط من التجارة العالمية، أما اليوان، فوجوده بيزيد مع الوقت، أي يخطو على طريق الصعود.

توقعات مستقبلية، خريطة العملات تتغير
1.اليورو لديه فرصة لكن ليس قريبة، يحتاج أوروبا تصبح كيان سياسي موحد، وتزود قوتها الاقتصادية والعسكرية.
2.اليوان يجري بسرعة، وبدعم حكومي مباشر وتوسع تجاري عالمي، خاصةً مع تراجع ثقة الأسواق في السياسات الأمريكية.
3.الدولار يستمر في الهيمنة قليلًا، لكن تحت ضغط كبير، وقد تصل حصته لـ 50% في غضون 5 سنواتإذا استمرت نفس السياسات.
4.الذهب داخل اللعبة بقوة كملاذ آمن في ظل غياب بدائل واضحة.
النتائج
1.أمريكا مازالت تتحكم ، لكن في غياب الطمأنينة.
2.الصين أصبحت أقرب منافس قوي على الساحة المالية العالمية.
3.أما أوروبا، لديها الإمكانيات لكن ينقصها الإرادة والتنسيق بين دولها.
4.من المتوقع أن المستقبل سيكون لعالم به أكثر من عملة بدلًا ما تكون هناك عملة واحدة مسيطرة.
ختامًا، الدولار لا ينهار غدًا، لكن من المؤكد إنه يمر بلحظة ضعف حقيقية وما يحدث في السنوات المقبلة سيحدد شكل النظام المالي العالمي الجديد هل سيكون متعدد الأقطاب؟ هل اليورو واليوان يستطيعوا أن يأخذوا نصيب أكبر؟ أم سنظل تحت الجناح الدولار؟
من المؤكد أننا دخلنا رسميًا عصر "الصراع النقدي العالمي"، والدول التي تُدرك هذا التحول مبكرًا، وتُبادر إلى تنويع احتياطياتها النقدية وتتحرك بخطى استراتيجية، هي التي ستحظى بالأفضلية وتكسب الرهان في المستقبل.
Short Url
«أفلام تتصدر ووثائقيات تشتعل»، صراع المنصات يشتعل فمن يربح معركة الشاشة الصغيرة
30 مايو 2025 01:58 م
بين المطرقة والتبعية، الصين تواجه تحديات التقنية والعمالة في معركة الرسوم
30 مايو 2025 12:49 م
السماء ليست صافية، عواصف تجارية وجيوسياسية تهدد مستقبل الطيران العالمي
30 مايو 2025 10:25 ص


أكثر الكلمات انتشاراً