الإثنين، 09 يونيو 2025

12:01 م

بين تهديدات التعريفات ومساعي التهدئة، هل تتجنب أميركا وأوروبا حربًا تجارية؟

الإثنين، 09 يونيو 2025 02:40 ص

العلاقات الأميركية الأوروبية

العلاقات الأميركية الأوروبية

في مشهد يعكس هشاشة العلاقات الاقتصادية بين أكبر قوتين تجاريتين في العالم، دخلت العلاقات الأميركية الأوروبية منعطفً حرجًا جديدًا مع تصاعد التهديدات بفرض تعريفات جمركية متبادلة، ما يعيد إلى الأذهان شبح الحروب التجارية التي غالبًا ما تكون مكلفة وطويلة الأمد. 

مسارات متصاعدة.. الانعكاسات المحتملة للحرب التجارية بين أوروبا وأمريكا |  القاهرة الاخبارية
الحرب التجارية

وبينما يبدو أن الطرفين يسعيان إلى تجنب الانفجار الكامل، إلا أن تعقيدات الملفات المطروحة وسوء الفهم المتبادل قد تعصف بالجهود الدبلوماسية في أي لحظة.

تمديد المهلة، فرصة أخيرة أم مجرد هدنة؟

قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتأجيل فرض تعريفات جمركية بنسبة 50% على واردات أوروبية حتى التاسع من يوليو المقبل، جاء في توقيت دقيق للغاية. 

الأسواق المالية التقطت الإشارة بسرعة، وسجلت مؤشرات الأسهم الأوروبية ارتفاعًا واضحًا، ما يعكس أمل المستثمرين في أن يكون هذا التمديد فرصة حقيقية للوصول إلى اتفاق يجنب الاقتصاد العالمي مزيدًا من الاضطراب.

لكن الواقع أكثر تعقيدًا، فالمهلة الزمنية القصيرة نسبيًا، والتي لا تتجاوز ستة أسابيع، قد لا تكون كافية لتسوية الخلافات البنيوية العميقة بين الجانبين، كما يؤكد محللون اقتصاديون. 

فالاتحاد الأوروبي يصر على التمسك بمعاييره البيئية والصحية والتنظيمية، فيما تطالب واشنطن بفتح الأسواق الأوروبية أمام المنتجات الأميركية من دون قيود تراها مجحفة.

اقرأ أيضًا:

الاتحاد الأوروبي يؤكد التزامه بالتوصل لاتفاق تجاري مع الولايات المتحدة

ترامب ينتقد أوروبا بشأن التجارة والاتحاد الأوروبي يرفض الرسوم الجمركية

الملفات الشائكة: زراعة، بيانات، ومشتريات حكومية

جوهر الأزمة لا يقتصر على حجم العجز التجاري الأميركي مع أوروبا، بل يمتد إلى اختلافات هيكلية في السياسات التجارية والتنظيمية. 

على رأس هذه الخلافات يأتي ملف الزراعة، حيث يرفض الاتحاد الأوروبي إدخال المنتجات المعدلة وراثيًا والمبيدات الكيميائية المستخدمة بكثرة في الولايات المتحدة، وهو ما يحد من صادرات أميركا الزراعية إلى القارة العجوز بنسبة لا تتجاوز 2% من إجمالي القطاع.

أما في مجال حماية البيانات، فإن اللائحة الأوروبية الصارمة (GDPR) تقف حجر عثرة أمام شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى التي تسعى لنقل البيانات بحرية. 

وكانت المفوضية الأوروبية قد فرضت غرامة غير مسبوقة على ميتا عام 2023 بقيمة 1.2 مليار يورو بسبب انتهاك هذه القواعد، في رسالة واضحة على تمسك القارة بسيادتها الرقمية.

وبينما يطالب الاتحاد الأوروبي بفتح باب المشتريات الحكومية الفيدرالية أمام شركاته، تتمسك واشنطن بقوانين اشتري المنتج الأميركي، التي تمنح الشركات المحلية الأفضلية المطلقة في العقود الحكومية.

مركز المستقبل - هل تستطيع أوروبا تحقيق الاستقلال الاستراتيجي عن واشنطن؟
العلاقات الأميركية الأوروبية

استراتيجيات مختلفة وتكتيك الصدمة

ترامب، المعروف باستخدامه سياسة الصدمة والمفاجأة في التفاوض، يراهن على الضغط الأقصى لدفع الأوروبيين إلى التنازل. 

لكن هذه الاستراتيجية قد تؤتي بنتائج عكسية في ظل الموقف الموحد الذي أظهره الاتحاد الأوروبي حتى الآن، فأي تراجع أوروبي أمام واشنطن قد يفتح الباب أمام مطالبات مماثلة من شركاء تجاريين آخرين كالصين والهند.

إن الاتحاد الأوروبي أعد قائمة بردود فعل تشمل تعريفات جمركية بقيمة 21 مليار يورو، على سلع أميركية منها الذرة والقمح والدراجات النارية، مع مناقشات جارية لحزمة ثانية تصل قيمتها إلى 95 مليار يورو.

اقرأ أيضًا:

ترامب يهدد بفرض رسوم بنسبة 50% على واردات الاتحاد الأوروبي

صحيفة: ترامب يضغط على الاتحاد الأوروبي لخفض الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية

الاقتصاد العالمي على المحك

أي تصعيد تجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لن يكون بلا ثمن، ليس فقط على الطرفين بل على الاقتصاد العالمي برمته، إذ إن العلاقات التجارية عبر الأطلسي تمثل أكثر من 1.1 تريليون دولار من التبادل السنوي، وتتقاطع مع سلاسل الإمداد العالمية في مجالات استراتيجية كصناعة السيارات، والتكنولوجيا، والخدمات المالية.

ورغم تعثر المحادثات حتى الآن، إلا أن تأجيل فرض الرسوم قد يعكس إدراكًا متبادلاً بخطورة الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة، ورغم أن الاختلافات تبدو هيكلية، إلا أن مناخ الحوار لا يزال قائمًا، وإن كان هشًا.

إيطاليا: اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ستكون  مماثلة لاتفاقية أمريكا والمملكة المتحدة
الحرب التجارية الأميركية الأوروبية

اتفاق صعب لكنه ممكن

تشير كل المؤشرات إلى أن الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة وأوروبا لن يكون سهلاً ولا سريعًا، نظرًا لتباين الرؤى والمصالح. 

لكن في ظل التحديات الاقتصادية العالمية الحالية، من تباطؤ النمو إلى اضطرابات سلاسل الإمداد، فإن كلفة الفشل قد تكون أكبر من كلفة التنازل.

قد تنجح المهلة الحالية في تحقيق هدنة تفاوضية، لكن تجنب الحرب التجارية بشكل دائم يتطلب إرادة سياسية حقيقية، ومرونة في الطرح، واعترافًا متبادلاً بالمصالح السيادية للطرفين، وبينما لا تزال واشنطن وبروكسل بعيدتين عن هذا الهدف، فإن الباب لم يُغلق بعد.

Short Url

search