السبت، 24 مايو 2025

01:52 م

ترامب والفحم والذكاء الاصطناعي، عندما يتقاطع الماضي الصناعي مع مستقبل التكنولوجيا

السبت، 24 مايو 2025 10:36 ص

الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي

كتب/ كريم قنديل

في مفارقة تكاد تختصر التناقضات الأمريكية، يسعى الرئيس دونالد ترامب، إلى بعث الحياة في صناعة الفحم الأمريكية، لا عبر مداخن المصانع التقليدية، بل من بوابة أحدث تقنيات عصر الذكاء الاصطناعي.

وفي وقت تُسابق فيه كبرى شركات التكنولوجيا الزمن لتأمين الطاقة اللازمة لمراكز البيانات العملاقة، يقترح ترامب حلًا يعود إلى القرن التاسع عشر، وهو الاعتماد على الفحم.

توليد الطاقة

عودة الفحم؟ أم انتكاسة مناخية؟

وبأمر تنفيذي وقعه في إبريل، دعا ترامب إدارته لتحديد مواقع في الولايات المتحدة، قادرة على الاحتفاظ ببنية تحتية عاملة بالفحم، بهدف تكييفها مع الطلب المتزايد من مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، وذهب أبعد من ذلك حين صرح في المنتدى الاقتصادي العالمي، بأنه مستعد لإعلان حالة طوارئ وطنية، لتسريع اعتماد الفحم كمصدر احتياطي لتلك المنشآت.

لكن هذا التوجه، يصطدم بجدار واقع بيئي وسياسي معقد، فبينما ينتج الفحم ثاني أعلى انبعاثات كربونية لكل كيلوواط/ساعة بعد النفط، تُسابق شركات التكنولوجيا الزمن لتقليص بصمتها الكربونية، مستثمرةً المليارات في الطاقة المتجددة والنووية، لتشغيل بنيتها التحتية المتضخمة.

اقرأ أيضًــا:

من التنفيذ إلى التفكير، الذكاء الاصطناعي يدخل مرحلة ابتكار الحلول

شطرنج العقول، «وادي السيليكون» يشعل سباق استقطاب نوابغ الذكاء الاصطناعي

فرصة أخيرة لعمال المناجم

من زاوية أخرى، يُمثل اقتراح ترامب طوق نجاة لصناعة تحتضر، ففيما كانت محطات الفحم تُنتج أكثر من نصف كهرباء أميركا عام 2001م، تراجع هذا الرقم إلى 16% في 2023م، حيث يترافق ذلك مع إغلاق متسارع لمناجم الفحم، وتسريح آلاف العاملين.

إن محطات الفحم قادرة على تحمل العبء الإضافي الناتج عن توسع مراكز البيانات، شرط إعادة تشغيلها بكفاءة، وأن هذه المحطات لا تستخدم سوى 42% من طاقتها الإنتاجية حاليًا، ما يشير إلى إمكانية التوسع دون بنى تحتية جديدة.

الذكاء الاصطناعي: نعمة أم نقمة على قطاع الطاقة؟
تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي

 

التكنولوجيا ترد بحذر، نعم للطاقة لا للفحم

في المقابل، يبدو قطاع التكنولوجيا أقل حماسًا، فرغم إدراكه لحجم الطلب الكهربائي الضخم الذي تفرضه عمليات تدريب الذكاء الاصطناعي، يبقى الفحم خيارًا غير مفضلٍ.

وأشارت الشركة الأمريكية أمازون، على لسان كيفن ميلر، نائب رئيس مراكز البيانات العالمية، إلى أن المرحلة الحالية تتطلب نهجًا شاملًا قد يشمل بعض مصادر الوقود الأحفوري على المدى القصير، لكنها لم تلتزم صراحة بالفحم، بل تفادت الإجابة المباشرة على السؤال.

وهو ما كررته إنفيديا وأنثروبيك، حيث أوضح مسؤولوهما أنهم يفضلون ترك قرارات توليد الطاقة للعملاء، ويضعون الفحم في خانة الخيار بين عدة خيارات لا أكثر.

اقرأ أيضًــا:

بدء تشغيل مركز البيانات «ستارجيت الإمارات» للذكاء الاصطناعي في 2026

تباطؤ النمو وإشكالية المهارات الرقمية، لماذا تقف إيطاليا متأخرة في سباق الذكاء الاصطناعي داخل أوروبا؟

ماذا تعني هذه المقاربة للاقتصاد الأمريكي؟

اقتصاديًا، يطرح مقترح ترامب إشكالية جوهرية، هل من المنطقي إحياء صناعة ملوثة ومكلفة على أمل دعم طفرة تكنولوجية تحتاج بالأساس إلى استدامة بيئية وتقنية؟ صحيح أن محطات الفحم يمكنها نظريًا، سد جزء من فجوة الطاقة مؤقتًا، لكن الكلفة البيئية والمجتمعية، قد تكون فادحة على المدى البعيد.

في المقابل، يعكس موقف شركات التكنولوجيا تحولًا بنيويًا في الاقتصاد الأمريكي، حيث باتت الطاقة النظيفة عنصرًا إستراتيجيًا في سلسلة القيمة، وليس مجرد خيارٍ أخلاقيٍ، وهذا التوجه يعززه تسارع الاستثمارات في الطاقة النووية والتخزين الذكي، وتراجع الاعتماد على الوقود التقليدي، حتى في قطاعات الطاقة الكثيفة.

Picture background
الذكاء الاصطناعي

 

معركة تكنولوجية سياسية برائحة الفحم

التحول الرقمي يقود الاقتصاد الأمريكي نحو حقبة جديدة، لكن ترامب يحاول إعادة ربطه بجذور الطاقة التقليدية، إنها مواجهة بين منطق السوق ومنطق السياسة، بين استدامة المستقبل وماضٍ صناعي يحاول النجاة. 

ومع ارتفاع انبعاثات شركات مثل Google بنسبة تقارب 50% بسبب الذكاء الاصطناعي، فإن جدل الفحم لن يتلاشى قريبًا، بل قد يتحول إلى أحد أبرز خطوط التماس في معركة أمريكا الطاقية القادمة.

Short Url

showcase
showcase
search