من الرمال إلى السماء، شجر «الجاتروفا» يقود ثورة الوقود الحيوي للطيران في مصر

الخميس، 05 يونيو 2025 10:37 ص

الأشجار الصحراوية

في عمق الصحراء المصرية، حيث الشمس لا تغيب والتربة القاحلة تنتظر من يحييها، تتنامى أشجار الجاتروفا كرمز جديد للأمل في مستقبل الطاقة المتجددة بمصر، فهذه الشجرة التي لا تحتاج لكثير من الماء، وتتحمل الملوحة، أصبحت اليوم نواة لمشاريع ضخمة تهدف إلى إنتاج وقود حيوي للطائرات، صديق للبيئة، وأقل تكلفة من الوقود الأحفوري.

وتُزرع شجرة الجاتروفا في مناطق متعددة بمصر، منها الأقصر، قنا، الوادي الجديد، والسويس، حيث تُروى بمياه الصرف الصحي المعالجة، وقد أظهرت التجارب أن نسبة الزيت في بذور الجاتروفا تصل إلى 40%، وهو ما يجعلها مصدرًا مثاليًا لإنتاج الوقود الحيوي، ويُستخدم هذا الزيت لتشغيل الآلات الزراعية، الإضاءة المنزلية، بل وصناعة الشموع والصابون.

إنتاج وقود حيوي من زيت الجاتروفا

وفي عام 2010، شهدت مصر توقيع اتفاقية تعاون مع ألمانيا لإقامة مصنع لإنتاج وقود حيوي من زيت الجاتروفا في محافظة الأقصر، بتمويل مشترك بلغ 40 مليون جنيه مصري، ويهدف المشروع إلى تصنيع وقود للطائرات، وهو مشروع طموح يسعى لجعل مصر لاعبًا إقليميًا في مجال الطاقة النظيفة.

ومن جانب آخر، يُجري المركز القومي للبحوث أبحاثًا متقدمة لتطوير تقنيات إنتاج وقود الطائرات من الجاتروفا، ويستخدم الباحثون تقنيات متطورة مثل "الهيدروتراكينج"، التي تعتمد على تكسير الهيدروجين عند درجات حرارة مرتفعة، ووفقًا لما أظهرته نتائج التجارب، فإن الوقود الناتج يتطابق مع المواصفات العالمية لوقود الطائرات.

مصر تكتفي ذاتيًا من وقود الطائرات وتصدر الفائض، (تفاصيل)

إقامة مصنع لإنتاج وقود حيوي من قصب السكر

والرهان المصري لا يقتصر على الجاتروفا فقط، ففي محافظة كفر الشيخ، تم اختيار موقع لإقامة مصنع لإنتاج وقود حيوي من قصب السكر، بتكلفة تُقدّر بـ1.3 مليار جنيه مصري، ومن المتوقع أن يوفر ما بين 500 إلى 700 فرصة عمل، ويأتي ذلك في إطار خطة شاملة لتنويع مصادر الوقود الحيوي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاع الطيران.

وتُعد الجوجوبا من أبرز النباتات الأخرى المستخدمة في مصر لإنتاج الوقود الحيوي، فهي تنتج زيتًا ذا درجة غليان مرتفعة (398 درجة مئوية)، ما يجعله مناسبًا للمحركات عالية الحرارة، ومنها محركات الطائرات، وتُزرع الجوجوبا في الأراضي الصحراوية والملحية، خاصة في الوادي الجديد، ويُستخدم زيت بذورها أيضًا في مستحضرات التجميل والأدوية.

وأما نبات الأروندو دوناكس، فهو عشب سريع النمو يتحمل المياه المالحة ويُنتج غازًا حيويًا عند معالجته، وتُجرى حاليًا تجارب مكثفة في مصر لاستخدامه على نطاق واسع في إنتاج الطاقة الحيوية، وتمثل الطحالب الدقيقة قصة واعدة أيضًا، فهي تُنتج كميات كبيرة من الزيت، ويعمل المركز القومي للبحوث على مشروع لإنتاج الوقود الحيوي منها منذ عام 2014، وقد بينت النتائج إمكانية استخلاص نحو 45% من كتلتها كزيت قابل للتحويل لوقود.

من المطبخ إلى السماء، مصر تنتج وقود الطائرات من زيوت الطعام

استخدام وقود مستخلص من ورد النيل

وحتى ورد النيل، هذا النبات الطفيلي الذي طالما كان يُعد من الآفات البيئية، وجد له مكانًا في هذا المستقبل الأخضر، حيث تمكن الباحثون من تحويله إلى وقود حيوي واستخدامه كعلف للحيوانات، وتمت بالفعل اختبارات ناجحة في عدة حظائر باستخدام وقود مستخلص من ورد النيل.

وتُقدّر المساحة المزروعة بنبات الجاتروفا في مصر بنحو 3,500 فدان، موزعة بين محافظات الوادي الجديد وسوهاج والأقصر وأسوان، حيث يشغل الجاتروفا حوالي 2,000 فدان، بينما تُزرع الجوجوبا في نحو 1,500 فدان، وتبلغ إنتاجية الهكتار الواحد من بذور الجاتروفا ما بين 1.5 إلى 12 طنًا، اعتمادًا على جودة التربة والتقنيات الزراعية المستخدمة.

وتشير هذه المشاريع مجتمعة إلى أن مصر تسير بخطى ثابتة نحو مستقبل يعتمد بشكل أكبر على مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، ومع الاهتمام المتزايد عالميًا بالحد من الانبعاثات الكربونية، فإن إنتاج وقود حيوي من الجاتروفا، الجوجوبا، الطحالب وغيرها، يضع مصر في موقع متقدم إقليميًا ودوليًا في هذا القطاع الحيوي.

بـ530 مليون دولار، 10 معلومات عن أول مصنع لإنتاج وقود الطائرات المستدام

وفي وقت يبحث فيه العالم عن بدائل آمنة ومستدامة للوقود التقليدي، تأتي هذه المبادرات المصرية كخطوة جريئة نحو تحقيق التوازن بين التنمية البيئية والنمو الاقتصادي، مستفيدة من طبيعة البلاد المناخية ومساحاتها الصحراوية الشاسعة.

Short Url

أخبار متعلقة